البحث

التفاصيل

دعاة الفساد والانحلال في الميزان (3)

الرابط المختصر :

دعاة الفساد والانحلال في الميزان (3)

كتبه: موفَّق شيخ إبراهيم

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

 

إن المشاهد الساخنة الملتهبة، التي تثير الغريزة الجنسية، قي نفوس الشباب والشابات، تدفعهم بشكل غير متوازنٍ، ليسلكوا طريق الغواية، والوقوع في الآثام. واستمرأ كثيرون المعاصي والفواحش، بسبب التساهل في حضور حفلات ماجنة، واستيلائها على عقولهم وأفكارهم! وقوامها التجارة بجسد المرأة، التي أخذت بجميع أسباب الإغراء ووسائل الفتنة؛ للوصول إلى نشر الإباحية، وهتك الحرمات، وإفساد النساء المؤمنات، وتحويل أجيالنا إلى رعاعٍ وطَغَامٍ من الناس، لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً، ولا تقيم لشرع الله القويم وزناً، ولا ترفع به رأساً، كما هو الحال في كثير من مجتمعاتنا اليوم! وهذا وجه من وجوه انتكاس الفطرة، وصورة من صور الوقوع في شرَك ما حرَّمه الله ورسوله.

ورسالتي إلى المسؤولين عن إقامة هذه الحفلات الماجنة، أذكِّرهم إن كان لديهم استعداد نفسيٌّ للذكرى، بأن الأجيال التي تقومون على إفسادها، هي حصن الأمَّة المنيع، وخطُّ دفاعها الأول في الذود عن حياضها، فهل إلى هذه الدرجة لا تعنيكم المسؤولية الشرعية، حتى تجرأتم على تفعيل ما يثير حفيظة المسلمين، ويغضب الله ربَّ العالمين؟! ونبيه المجتبى صلوات ربي وسلامه عليه يقول: "من دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً" أخرجه مسلم في صحيحه. واستدل الفقيه النووي رحمه الله بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾، حيث رتَّب الله العذاب على فعل القلب، وهو مجرد حبِّ إشاعة الفاحشة. والقصد فعلٌ قلبيٌّ كالحبِّ. فكيف بمن يعمل على نشرها واقعاً دون أدنى حياء! وليعلم هؤلاء أن الفاسدين من المشتغلين في الساحة الفنية، هم قطَّاع طريق السائرين إلى الله، وإنهم ممن قال الله فيهم: ﴿أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ﴾، وقال أيضاً معلماً ومرشداً: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾، وقال منبهاً ومحذراً: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى* فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى﴾، وقال مبيناً ومقرراً: ﴿وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾.

تبرز المرأة كرمز للجنس المكشوف، وتعمل راغبة على تسويقٍ السلوكيات الغربية المنافية للقيم الإسلامية، وإني سائل هؤلاء اللواتي يسمونهم أبطالاً ونجوماً!

ما كفاكم في الغرب مليونُ طفلٍ ** أنتجتهم خطيئة الدخلاء

ما كفاكم مليار أنثى تنادي ** أنقذونا من وطأة الفحشاء

يقول العلامة "جودي" أستاذ الفلسفة الإنجليزية في كتابه "سخافات المدنية الحديثة": "إن المدنية الحديثة، ليس فيها توازن بين القوة والأخلاق! ومنذ النهضة ظلَّ العلم في ارتقاء. والأخلاق في انحطاط! وقد غلب على الفكر الغربيِّ، طابع التحرُّر المطلق في مجال المجتمع والمرأة والفن!".

فيا من تجترئون على هدم حصوننا من الداخل، من أبناء جلدتنا! أو ما علمتم أن الذي خلق الكون، قد أورد في كتابه، النهي عن الدنو من الفواحش في مواضع متعددة، بياناً لخطورتها، وتحذيراً من مغبَّتِها. قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾. وقال أيضاً تباركت أسماؤه: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.

قال الإمام العزُّ بن عبد السلام: "للوسائل أحكام المقاصد، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل". فوسيلة المحرم محرَّمة، أي إنَّ ما أدى إلى الحرام فهو حرام.

أوَ ما علمتم يا دعاة الانحلال، أن الاعتداء على قيم الإسلام، لن يكون إلا كالزَبَد الذي يذهب جفاء، وكالنار التي تستخلص الذهب، وكالريح التي تزيد الصخور صقلاً ولمعاناً! واعلموا أنه لن ينبوَ للحق سيفٌ ولن يعثر لأبنائه جوادٌ، ما دام فيهم عرق ينبض، ولسان يتحرَّك!

هذا وبعد الفراغ من رسالتي إلى العاملين في إدارة وأنشطة الحفلات الماجنة، التي تنشط في أوساط المسلمين، فإن رسالتي الثانية، هي إلى عامَّة المسلمين، والشباب والشابَّات على وجه الخصوص، مفادها أن العفَّة سيما الصالحين، وحلية الفضلاء والأنبياء من قبلهم أجمعين، وهي تاج عباد الله الصالحين، ومن رزقه الله العفاف، فقد رزقه قوة في بدنه، وعافية في دينه، وألبسه تاجاً من غير مُلْكٍ، وغنىً من غير عَرَضٍ، ورسولنا المربي الأول صلى الله عليه وسلم، يقول: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى". والمتعفِّف، من يلتمس طرق العفاف. قال الله تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾. فوعَد المتعفِّف بأن يؤتيه الله من فضله. فالعفَّة عاقبتها الغنى، وعاقبتها الاستغناء والاستعلاء، والنور الذي يملأ القلب، والإيمان الذي يعين على النوائب. فما من مسلم يغضُّ طرفه عن الحرام، إلا أبدله الله نوراً يجده في حركاته وسكناته، وحلاوة إيمان يجدها في قلبه ويتفاعل معها في أحاسيسه ومشاعره. قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلاء؟!"، وبضدِّها تتميَّز الأشياء. ويقول البروفيسور الألماني "يودفو ليفيلتز"، كبير علماء مدرسة التحليل النفسي في جامعة "برلين"، في إحدى دراساته، بأنه درس علوم الجنس وأدوار الجنس وأدوية الجنس، فلم يجد علاجاً أنجح ولا أنجع من قول الكتاب الذي نُزِّل على محمد: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾، ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾. وبعد هذا البيان، ليستيقن كل مسلم، أنه يحرُمُ عليه حضور حفلات المجون والخَنَا؛ لما فيها من الفتنة والمنكرات، كما إن في شراء بطاقاتها، تقوية لنفوذ أصحاب هؤلاء الساعين لنشر الفساد، ورفعاً لرصيدهم المالي، وتشجيعاً لهم على المضيِّ في تفعيلها والترويج لها. قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ وهذا النهي يقتضي التحريم، وفي الحديث المتفق على صحته، أن النبي صلى الله عليه وسلم، "كان ينهى عن إضاعة المال".

والمستفيدون مادياً يدخلون بعملهم هذا، ضمن دائرة الكسب الحرام، وهو نوع من أكل السحت، قال الله تعالى ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ وقال أيضاً: ﴿وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، وفي موضع آخر قال سبحانه: ﴿لوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾. قال أهل التفسير في قوله تعالى: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ أي الحرام، وسمي المال الحرام سُحْتَاً، لأنه يُسْحِتُ الطاعاتِ، أي يذهبها ويستأصلها!

وعلى المسلم أيضاً أن يحذر من تمكين أهل بيته - ذكوراً وإناثاً- من هذه الحفلات؛ حفظاً لهم من الفتنة والافتتان بها، وليعلم أنه راع ومسؤول عن رعيته يوم القيامة.  وينبغي لمِنْ يخشى الرَّدى أنْ يُراعيَ فطرة ربِّ الورى، ويتورّعَ عن حِمَى الفُحْش والخَنَى!

يا أولي العزم ويا أصحاب السواعد الشداد، يا من عهد فيكم القاصي والداني، متانة الدين وصلابته، ولمس فيكم العدو والصديق عزائم أهل الإيمان متعاضدة، على سلوك جادة الْحق واستنهاج مَسْلَك الصدْق. تتأجَّج في أفئدتكم عزَّة الإيمان، وتتوَّقد بين جوانحكم شعلة الإسلام؛ صدعتم بالحق ودفعتم الباطل وأظهرتم ما وجب. وكان بين جنبيكم نفسٌ أبيَّة وقلبُ فتىً. أسألكم بقلب محترق، دون تجنٍّ عليكم أو اعتداء: ما لنا أصبحنا لا نغار لله؟! أما ترون أن الليل أغطش، وأنوار العقيدة ونثارات الضياء قاربت على الأفول، وكثُر المجون! وفي أَتُونِ كل هذا، ما ينبغي أن نسمح لابن أنثى أن يقول: ارتحلت عن القلوب حرمةُ الشريعة، وزال الورعُ وطوى بساطَه، واستحكم الهوى وقويَ رباطَه.

يا أحفاد أبي بكر وعمر، وصلاح الدين وابن تاشفين: إن النجم والنبيل ليس الذي يتقن اللهو الماجن واللغو الباطل، لتكون راية فريقه عالية خفَّاقة، ولكن النجم ومن امتطى صهوة المجد وارتقى في درجات العلا، هو الذي يلتزم بالإسلام، ويعيش له، ويُغيظُ أعداء الله، ويترفَّع عن سلوك سبل الغواية، لتبقى كلمة الله هي العليا. فلا تَرِدِ المهالك فتهلك! وليكن اهتمامك أخي المسلم، أن تسأل نفسك على سبيل الديمومة: "كيف أحفظ على نفسي طهرها، حتى أسلمَها لبارئها؟".

وختاماً ومما ينبغي التأكيد عليه، أن على القوى المجتمعية تحريك الدعاوى القضائية، والمطالبات الشعبية بالكفِّ عن العبث بالفضيلة والأخلاق، وقيم المجتمعات. كما على مؤسسة الأسرة المسلمة أولاً، ومؤسَّسات المجتمع المدني، المستقلة في التعليم والإعلام والمساجد والثقافة والفكر والتربية، أن تقوم بواجب تحصين المجتمعات، وتعزيز قيم الفضيلة، والردِّ على الأفكار المنحرفة، وإنكار المنكرات الاجتماعية، وتيسير سبل الحلال، وفتح طرق العفَّة والفضيلة للشباب والفتيات كافَّة.

نعوذ بالله من الحوْر بعد الكوْر، ونسأله الثبات على الحق. اللهم آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
نماذج علمائية ملهمة (38): الإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله
السابق
الاتحاد يندد بمقتل شاب مسلم في مسجد بفرنسا ويحذر من تصاعد العنصرية ضد المسلمين (تصريح)

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع