البحث

التفاصيل

واجب الأمة العربية والإسلامية تجاه القدس والمسجد الأقصى المبارك وفلسطين

الرابط المختصر :

واجب الأمة العربية والإسلامية تجاه القدس والمسجد الأقصى المبارك وفلسطين

بقلم: الدكتور إسماعيل أمين نواهضه

إن مدينة القدس –كما يعلم القاصي والداني- هي محور القضية الفلسطينية وجوهرها، فهي ذات مكانة عالية وعظيمة في قلب كل عربي ومسلم، وهي رمز يعبر عن التاريخ العربي والإسلامي، ورمز توحيد الصفوف وتقوية روح التضامن العربي والإسلامي، وتجديد عزيمة هذه الأمة لتستعيد حقها ومجدها الذي عاش وسيظل حياً في ضمير أبنائها وأجيالها.

إن العمل من أجل إنقاذ القدس وتحريرها من أيدي المغتصبين هو عمل طويل وشاق تفرضه طبيعة الصراع التاريخي والمستقبلي بين المشروع الصهيوني والإستيطاني من جهة، والمشروع النهضوي الإسلامي من جهة أخرى. وإن أي جهد يبذل في خضم هذا الصراع سوف يصب في نجاح المشروع الإسلامي وانتصاره في نهاية المطاف، طال الزمن أو قصر.

إن مناصرة القدس وفلسطين أمر يحتاج إلى مزيد من الخطط والعمل الجاد والاستراتيجيات الفاعلة التي من شأنها الإسهام في الحفاظ عليها وعلى المسجد الأقصى المبارك وجميع المقدسات فيها.

وعلى ضوء ما نراه من هرولة إلى التطبيع المجاني مع المحتلين من قبل البعض من أبناء جلدتنا، والفتاوى التي تفصّل وتصدر من قبل بعض العلماء المأجورين لمباركة وتزيين هذا العمل وتسويقه. نذكّر بالفتاوى المعلومة لدى الجميع، والتي صدرت من قبل علماء المسلمين ومن قبل المجامع الفقهية والعلمية حول تحريم مثل هذه التصرفات المشينة ومنعها.

 وحول الموقف العربي والإسلامي الرسمي مما يجري ويحدث، أقول:

إنه موقف مؤسف ومحزن ومذل ومتخاذل، لا يرقى إلى المستوى المطلوب، ولا يلبي أدنى الاحتياجات التي تحتاجها قضية القدس وفلسطين، هذا الموقف يتمثل في عقد المؤتمرات بين الحين والآخر، وفي الغالب تكون قراراتها وتوصياتها جوفاء وتبقى حبراً على ورق، شعارها البارز : نشجب، نستنكر، نناشد، ندعو، إلى غير ذلك من العبارات المعهودة والتعابير المطاطة التي لا تحقق شيئاً، ولا تسمن ولا تغني من جوع كما يقال. ولا أحد ينكر مدى تعاطف الشعوب العربية والإسلامية وحبها لفلسطين عامة، ولمدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك خاصة. لأنّ مدينة القدس هي في طليعة الأماكن المقدسة لهم، ولا توازيها في القداسة سوى مكة والمدينة، وستبقى خالدة بذكرى الإسراء والمعراج المذكورة في القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة. وسيبقى عطر سيد البشرية فواحاً من رباها الطيبة، وآثار معراجه إلى السماوات العلى، حيث سدرة المنتهى باقية على صخرتها المشرفة، ولم تزل ذكرى اتخاذها قبلة للمسلمين في صدر الإسلام في سمعهم وأبصارهم وأفئدتهم، فمكانتها عظيمة في القلوب والأرواح.

القدس في ظل الحكم الاسلامي:

لقد برزت مكانة القدس وعظمتها بعد دخولها في الحكم الإسلامي على يد الفاروق عمربن الخطاب، الذي دخلها في ظل فتح سلمي آمن، يليق بمكانتها وجلالها، وبصحبة عشرات الصحابة الأجلاء، وكما قيل: لو كان شيء من الأرض يرتفع عن مكانه لارتفعت مدينة القدس على أجساد الشهداء، حتى بلغت عنان السماء. ومنذ ذلك اليوم حكمها المسلمون حكماً قائماً على العدل والرحمة والتسامح؛ ولذا فإن السند التاريخي أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن القدس عربية إسلامية، وهي أرض الإسراء والمعراج، لقد شهدت عبر عصور الإسلام الزاهرة حياة مشرقة بالحق والعدل، وتعاقبت عليها رعاية الدولة الإسلامية، واهتم المسلمون بتجديدها وتعميرها والحفاظ عليها، وبذلوا أقصى ما في وسعهم لرعاية المسجد الأقصى تعميراً وترميماً وإصلاحاً؛ وعليه فإن العرب والمسلمين، - وفي مقدمتهم الفلسطينيون – هم أصحاب الحق الشرعي فيها، ولا يملك أي أحدٍ حق التنازل عنها، وستبقى هذه المدينة المقدسة مفتاح الحرب ومفتاح السلام، وعلى العقلاء من الناس أن يدركوا ذلك تماماً,

جاء في الحديث الشريف عن أبي ذرٍ (رضي الله عنه) قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أيهما أفضل: أمسجد رسول الله أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله: (صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض، حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً) قال: أو قال: (خير من الدنيا وما فيها). أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.

وها نحن نعيش في زمن نجد فيه صدق ما أخبر به الرسول –صلى الله عليه وسلم – مما ستكون عليه مدينة القدس، حيث يسعى المحتلون بكل الوسائل والطرق لتفريغها من أهلها الشرعيين، والتضييق عليهم بأشدّ أنواع الإجراءات الاستفزازية والقمعية والتعسفية، حتى أصبح الكثير منا لا يستطيع الوصول إليها إلاّ بشق الأنفس، وضمن قيودٍ مشددة.

أما عن أهم واجبات الأمة العربية والإسلامية نحو القدس، فإني ألخصها في الآتي:

1-     توضيح مكانة القدس والمسجد الأقصى، وما يتعرضان له من مؤامرات من قبل المخططات الصهيونية بشكل خاص، وما تتعرض له أرض الإسراء والمعراج بشكل عام.

2-     تضامن العرب من مسلمين ومسيحيين في اتخاذ موقف موحد أمام الغطرسة الإسرائيلية، ليس من أجل القدس وحدها فقط، بل من أجل جميع الحقوق العربية المغتصبة، والتصدي لكل الممارسات غير الشرعية، والعمل على تحرير القدس من نير الاحتلال ؛ فلا معنى للسلام بدون القدس، ولا  معنى للسلام إذا بقيت الأرض محتلة، والحقوق مغتصبة.

3-     الحفاظ على عدم تسريب الأراضي للمحتلين، سواء بالبيع أو المصادرة، وتصحيح الخلل الديمغرافي لصالح أهلها الشرعيين، ومن شأن ذلك إفشال مخططات الاحتلال في تهويد المدينة المقدسة، وتغيير واقعها الديمغرافي، ومعالمها التاريخية والحضارية والدينية والثقافية.

4-     دعوة الدول العربية والإسلامية إلى وضع ميزانية كافية – وعلى المدى الطويل – لدعم صمود المقدسيين خاصة، وترميم الأماكن المقدسة حفاظاً عليها من عبث المحتلين.

5-     الدعوة إلى إلزام المدارس والجامعات في العالم العربي والإسلامي بتدريس مساق بيت المقدس. وتوجيه السفارات العربية والإسلامية إلى الاهتمام بقضية القدس واعتبارها أحد محاور نشاطها الدبلوماسي في الدول المضيفة لها.

6-     تفعيل التعامل مع شبكات الإنترنت للتصدي إلى المخططات التي تحاك ضد المدينة المقدسة والمسجد الأقصى المبارك والقضية الفلسطينية.. فالواجب على العرب والمسلمين جميعاً باختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم أن يتعاونوا فيما بينهم لرد هذه البلاد إلى أهلها، وصيانة المسجد الأقصى مهبط الوحي ومصلى الأنبياء الذي بارك الله حوله.

وفي الختام أقول:

إن الناظر في حال أمتنا اليوم يصاب بالذهول والدهشة، ويقف حائراً أمام هذه النكبات التي تنزل بها، وتتوالى عليها بين الحين والآخر، والمؤلم أنها في سبات عميق، وفي غفلة عما يحاك ضدها على جميع المستويات، تتداعى عليها الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها؛ بالرغم من كثرة العدد ووفرة العدة والإمكانات والطاقات؛ فالأعداء يحتلون أرضها ويستعمرونها، وينهبون خيراتها وثرواتها، ويتحكمون في نفطها وبترولها وكنوزها.

كثير من أبنائها يذبحون ويقتلون على مرأى ومسمع دول العالم الكبرى، بل هناك شعوب منها تتعرض للإبادة والتطهير العرقي. – كما هو حاصل في كثير من الدول العربية والإسلامية، وسط صمت دولي رهيب، وصمت عربي وإسلامي مريب ومشين، يحدث ذلك دون مشاهدة ردة فعل غاضبة تجاه ما يحصل، إن المجازر التي شاهدناها ونشاهدها في كثير من مدننا وقرانا، وما نشاهده من هدم للبيوت وتشريد أهلها منها، وتركهم في العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، كل ذلك وغيره لدليل على أن هؤلاء لا يريدون لهذه الشعوب خيراً ولا سلاماً. فاللهم لا حول ولا قوة إلاّ بك. ولا بد من الوقوف طويلاً أمام هذه الأحداث التي تعصف بهذه الأمة من مشرقها إلى مغربها، ومن شمالها إلى جنوبها، وبخاصة ما يجري على هذه الأرض المباركة، فالجراح عميقة، والأحداث والأهوال تعلو على التصديق، والمآسي تطغى على التفكير السليم لضخامتها وشراستها، فهي بحاجة إلى تأمل وتدبر وفهم لأحداث التاريخ؛ لاستخلاص العبر والعظات؛ حتى لا تتكرر المآسي والويلات. فمقدساتنا وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، الذي بنته الأنبياء، وانتسب إليه كثير من العلماء، وسكنه وشدّ إليه الرحال كثير من الصالحين والأولياء، وسقطت على أرضه قوافل الشهداء، وهو عش العلماء، وعقر دار الإسلام في نهاية الزمان، وأهله مرابطون إلى يوم القيامة، وعلى أرضه المباركة المقدسة تعيش الطائفة الظاهرة المنصورة، الركعة فيه بخمسمائة ركعة، والتفريط فيه تفريط في الإسلام وأرضه، وكل مساسٍ فيه هو مساس بمشاعر وعقائد المسلمين كافة، لأنه شريان قلوبهم، وسر وجودهم على هذه الأرض المباركة. ومن واجب الجيل المعاصر أن يحذو حذو السابقين في الحفاظ على مدينة القدس ومقدساتها، وعندما تصبح القدس متعمقة الجذور في النفوس والقلوب؛ ستشرق شمسها من جديد، وستتبدد ظلمة ليلها، وستفتح ذراعيها وقلبها لاستقبال من يكسر قيودها، والأغلال التي تكبلها، والجدران التي تحيط بها. وما ذلك على الله بعزيز.

 ومجمل القول: فإن المطلوب من الشعوب العربية والإسلامية التضامن والاتحاد ورص الصفوف؛ لتتحقق الآمال والأهداف في توحيد الكلمة ونبذ الخلافات والصراعات، ولا يمكن لهذا الشيء أن يتحقق بالأماني والأحلام، أو برفع الشعارات البراقة الجوفاء، أو المزايدات الرخيصة، والتنازلات المهينة، والتخلي عن الثوابت الإسلامية، إنما يتحقق باتباع المنهج الرباني، والدستور الخالد الذي أنزله الله تعالى لهداية البشرية جمعاء، وسعادتها في الدنيا والآخرة. (إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) سورة ق, اية 37.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الدكتور إسماعيل أمين نواهضه - خطيب المسجد الأقصى المبارك والعميد الأسبق لكليتي الدعوة وأصول الدين، والقرآن والدراسات الإسلامية – جامعة القدس.
  • (الكلمة ألقيت في المؤتمر حول الثوابت الشرعية للقضية الفلسطينية ه تعالى عبر – أون لاين – يوم الأحد 30-8-2020م الموافق 11 – محرم – 1442ه)

 

 


: الأوسمة



التالي
الاتحاد ينعى العالم والمربى الفاضل الأستاذ الدكتور محمد منصف القماطي، رحمه الله
السابق
اعتقالات جديدة بالسعودية تطال مقرئا شهيرا وأستاذا جامعيا

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع