البحث

التفاصيل

الله الكبير، المتكبر

الرابط المختصر :

الله الكبير، المتكبر

بقلم: الشيخ سلمان العودة (حفظه الله)

 

ورد اسم الله «المتكبر» في آخر سورة الحشر: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) [الحشر:23].

وجاء في السنة: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية وهو على المنبر: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67]، قال: «يقول الله: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا المتعال. يمجد نفسه». قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرددها حتى رجف بها المنبر، حتى ظننا أنه سيخر به.

أما «الكبير» فورد في ستة مواضع، كقوله سبحانه: (الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [الحج:62]، (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء:34].

و«الكبير»: هو العظيم في كل شيء، في ذاته وصفاته، وأسمائه وأفعاله، ولذا يقول المصلِّي: (الله أكبر)، وجاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عَلِّمني كلامًا أقوله. قال: «قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا».

فلله تعالى الكبرياء والعظمة: (وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [الجاثية:37]، فهو الكبير الذي يَصْغُر دون جلاله وكبريائه كل شيء!

وهو المتكبر عن السوء والنقص والعيب، المتعالي عن صفات المخلوقين وخصائصهم، المتعاظم الذي تَذِلُّ له رقاب الجبابرة العُتَاة!

والتاء في اسم «المتكبر» ليست التاء الدالة على تعاطي الشيء لمن لا يستحق كما هو في شأن المخلوقين، ولكنها تاء التفرُّد والتخصيص، وهو من الكبرياء التي هي عظمة الله، وليست من الكِبْر المذموم عند الخلق.

وفي الحديث القدسي الصحيح يقول الحق سبحانه: «الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار». وفي لفظ: «عذَّبته».

فهو سبحانه يربِّي عباده على التواضع والانكسار وخفض الجناح، وينهاهم عن الطغيان والتسلط والبغي والعدوان، فذاك مقام الألوهية، وهو مقام الكبرياء والعظمة والجبروت، وهذا مقام البشرية، وهو مقام الذل والتواضع والانكسار.

وأقوى ما يكون العبد حين يركن إلى الله سبحانه، ويلتمس النصر منه، وأكبر ما يكون حين يتواضع لربه، ويسكن ويَذِلُّ لجنابه.

وما حدث العدوان على إنسانية الإنسان، وتطويعه بالقهر والتغلب والتَّسَلُّط من قِبَلِ الجبابرة والأباطرة إلا حين خلت قلوب المتسلطين من الإيمان بالله، فتجرؤوا على الاعتداء، وخلت قلوب المستضعفين من الإيمان بالله فخارت واستسلمت للباغين والظالمين.

وهذه آثار الفراعنة والرومان وغيرهم تدل على ذلك، ولذا قال موسى عليه السلام: (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) [غافر:27].

تأملتُ حديث: «لا يدخلُ الجنةَ مَن كان في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ مِن كِبْرٍ». فرأيته دعوة صريحة قويَّة للتواضع ومعرفة النفس واحترام الآخرين، حتى لو كانوا أقلَّ منك علمًا أو مالًا أو شهرة أو وظيفة أو منزلة؛ فإن التواضع وخفض الجناح هي نقيض الكبر، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرَقِّع ثوبه، ويخصف نعله، ويباشر عمله، ويحمل متاعه، ويتعامل مع سائر الناس بالصفاء، وهذه مدرسة التواضع يَرِدُها أتباعه عليه السلام، فمُسْتَقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ!

 


: الأوسمة



التالي
معالم دولة الإسلام في حجة الوداع
السابق
سؤال عن حكم إخراج ثمن الأضحية بدلا عنها.

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع