البحث

التفاصيل

في حوار مع جريدة الحرية والعدالة.. د. العودة: على الحكام العرب أن يحذروا إغراءات الكراسي

الرابط المختصر :

ناشد الدكتور سلمان بن فهد العودة – أمين مساعد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- المجلس العسكري في مصر أن يحمي رجاله من بريق السلطة وأن يكون حارسا للديمقراطية الوليدة ليذكره التاريخ وليحفر لنفسه موقعا في ذاكرة الشعب المصري.

وأكد في حواره مع الحرية والعدالة أن أداء جماعة الإخوان المسلمين جيد ومطمئن، معربا عن رغبته في استمرارها في هذا الأداء وان تزيد جرعة الطمأنة للشعب وللتيارات المناوئة وللدول العربية وللعالم أيضا.

وقال إن مصر في مرحلة مفصلية ونقله نوعية والنموذج التركي سبق في هذا المضمار وحقق نجاحا يجب ألا يغفل وهناك تشابه كبير  بين تركيا ومصر.

وأوصى الشيخ سلمان الحكام العرب الذين مازالوا متشبثين بمقاعدهم بأن يعملوا بالمثل العربي القائل بيدي لا بيد عمرو، فإذا لم يقوموا هم بالإصلاح ويلتفتوا لشعوبهم  فسوف تتجاوزهم الشعوب وتحق عليهم سنة الله.

فيما يلي نص الحوار 

-       حبذا لو منحت القراء نبذة تعريفية عن سيرتكم الذاتية؟

 اسمي: سلمان العودة. متخصص ماجستير ودكتوراه في الشريعة، وأمين مساعد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لدي مجموعة من المؤلفات آخرها "طفولة قلب" سيرة ذاتية، ولدي حساب في تويتر (twitter.com/salman_alodah) وصفحة في الفيس بوك (www.facebook.com/SalmanAlodah) أرحب بتواصل الأخوة والأخوات معي.

-       في ظل الأوضاع المشتعلة في المنطقة العربية ومرور قطار الربيع العربي بأغلب دول المنطقة هل تتوقع فضيلتكم أن يصل هذا القطار إلى السعودية؟

 أولاً: التغيير حتمية سننيَّة، وكل شيء يتغير إلا التغيير ذاته فهو مستديم، وهذا ناموس يجري على البشر، ولذا قال الحكيم: «أنت لا تنغمس في النهر الواحد مرتين»!
ثانياً: دول اليونان والرومان والصين ودولة الإسلام حتى الخلافة الراشدة ثم دولة بني أمية والعباس والعثمانيين.. لها آجال وأعمار، وقوة وضعف، شأن الكائن البشري، طفولة فشباب فكهولة فهرم فزوال، وحق على الله ألا يرتفع شيء من أمر الدنيا إلا وضعه.
ثالثاً: لكل مجتمع ثقافته في التعاطي السياسي، وتجربته الخاصة (أو: لا تجربته)، وما حدث في بلدٍ لا يستنسخ في بلد آخر، لكن يقع التأثر ويتبلور بصيغة تناسب ظروف البلد وطبيعة أهله.
رابعاً: دول الخليج قلَّما شهدت في تاريخها تكوين الأطياف السياسية والمشاركة الشعبية، وهي تعيش قدراً من الرفاه المادي بسبب النفط، وهذا يجعلها مختلفة بعض الشيء.
خامساً: يظل العالم قرية صغيرة، وأدوات التأثير متاحة، وأكثر الدخول على «الفيس بوك، وتويتر » هو في هذه الدول، وهي وسيلة لقياس الرأي العام، وقراءتها تؤكد ظهور أجيال جديدة، مختلفة تماماً ولم يتم استيعابها، وإذا لم تتغير المعادلة فقد تشهد المنطقة هزات عنيفة الله أعلم بمداها، وما أحداث العنف الذي ضرب السعودية خلال عشر سنوات عنا ببعيد.

-       كيف ترى فضيلتكم ما يحدث في سوريا وهل هي ثورة من أجل الإصلاح أم أنها ثورة سنية على النظام العلوي الذي يحكم السوريين منذ عقود؟

 أراها ثورة الشارع على الاستئثار بالحكم، والإصرار على نظام الحزب الواحد، وهو نظام انهار في وطنه الأصلي «روسيا»، ولابد أن يمتد الانهيار لبقاياه، وهي ثورة على نظام جمهوري عائلي يمتلك السلطة والمال والإعلام ويستخدم القبضة الأمنية والتخويف لتكميم الأفواه.
أظن أن النظام السوري إلى زوال.. لكن كم من الأرواح ستزهق قبل أن يصل الأزلام إلى النتيجة التي وصل إليها القذافي في لحظاته الأخيرة حين وجد نفسه معزولاً محروماً حتى من الحنجرة التي طالما آذى بها شعبه؟
يجب على الشعوب الحرة أن تساند ثورة سوريا، وتقف معها مادياً ومعنوياً، وأن تقدِّم لها الخبرة في تنظيم نفسها لتحقق الشمولية والشعبية؛ لتكون فعلاً ثورة الشعب كله، حتى العلويون فيهم الكثير من الناقمين والضحايا الذين لا يرضون أن ينحازوا أو يحسبوا على النظام.

-       في ظل ما حدث للرئيس المصري السابق من محاكمة ونظيره التونسي من فرار ثم مقتل الرئيس الليبي معمر القذافي؟ ما هي الرسالة التي توجهها فضيلتكم للحكام الذين مازالوا متشبثين بمقاعدهم؟؟

 للكرسي إغراء وجاذبية؛ خاصة في غياب دولة المؤسسات في معظم الدول الإسلامية، والأمل أن تفلح الثورات في مصر وتونس وليبيا في صناعة النموذج الذي تتطلع إليه الشعوب الإسلامية.
ومن هنا أناشد المجلس العسكري بمصر أن يكون صارماً مع رجاله في حمايتهم من بريق السلطة، وأن يكون حارساً للديمقراطية الوليدة ليذكره التاريخ وليحفر لنفسه موقعاً في ذاكرة الشعب المصري العظيم.
الشعب المصري يقدر دور المجلس العسكري في الحفاظ على سكينة الشعب والوقوف إلى جانبه، وهو لن يكون بمنجاة من الشعب لو شعر الشعب بأنه يقف ضد تطلعاته في الحرية والعدالة والديموقراطية.
وأعتقد أن ثمَّ ضغوطاً خارجية وإقليمية وأحياناً محليَّة تصوِّر أن طريق الديمقراطية محفوف بالمخاطر، وتستكثر على شعوب عريقة كالشعب المصري أن ينعم بحريته أسوة بسائر شعوب العالم.
أما الحكام المتشبثون بمقاعدهم فأوصيهم بالمثل العربي «بيدي لا بيد عمرو»، فإذا لم يقوموا هم بالإصلاح ويلتفتوا إلى شعوبهم، فسوف تتجاوزهم الشعوب، وتحق عليهم سنة الله، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)(الفتح: من الآية23).

-       كيف ترى فضيلتكم دور العلماء والمشايخ في دعم الربيع العربي، وماذا تقول لأولئك الذين يوصفون بأنهم علماء السلطة؟

 الثورات أثبتت أن الشباب العربي -الذي يُشكِّل أغلبية الأمة- أكثر فاعلية من النخب الثقافية والسياسية، ولذا نادى بعضهم بـ«سقوط النخب».
جاء الشباب في الثورة أولاً، وحين اتضح المسار وقلَّت المخاطر جاء العلماء والمثقفون والأحزاب، ومن جاء أخيراً فمرحباً به، ولا يجب أن تكون هذه المواقف سبباً في  الجفوة، علينا أن نرفع شعار «الثورة تَجُبُّ ما قبلها»، وأن الثورة رحمة للشعب كله، حتى لمن وقف ضدها فضلاً عمن وقف على الحياد.
والعلم أمانة، وللكلمة قوة أعظم من قوة الكهرباء وقوة التفجير النووي، خاصة حين يكون العلم وتكون الكلمة مصبوغة بصبغة الله، هنا يجب أن تكون حكيمة ومستبصرة، وبعيدة عن الرياء والنفاق والتملُّق والتزلُّف والاسترزاق، وأعظم الجهاد « كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ »، ومن هاب أن يقول الحق فعليه ألا يقول الباطل، والشجاعة ليست هي أن تقول كل ما تعتقد، بل هي أن تعتقد كل ما تقول.
على العلماء أن يصغوا إلى الشباب ويقدروا سبقهم، ويدركوا حجم المتغيرات الهائلة في العقول والمجتمعات، وألا يجمدوا على إرث سابق لرجال مثلهم، بل أن يبدعوا ما يتناسب مع عصرهم كما أبدع أولئك.

-       ماذا تقول فضيلتكم لأولئك الذين يشيعون الخوف من وصول الإسلاميين إلى الحكم في البلاد التي مر عليها الربيع العربي؟

 كان أداء جماعة الإخوان في مصر جيداً ومطمئناً، وأتمنى أن يستمر كذلك، وأن يزيد من جرعة الطمأنة للشعب وللتيارات المناوئة وللدول العربية وللعالم أيضاً، فهي مرحلة مفصلية ونقلة نوعية، والنموذج التركي سبق في هذا المضمار وحقق نجاحاً يجب ألا يغفل، نعم لكل بلد ظروفه، ولكن ثمَّ تشابه كبير بين تركيا ومصر مثلاً.
وأرى ألا تكون القرارات والقوانين هي فقط طريقة التغيير، بل الإقناع والتأثير والخطاب الناضج، وأهم من ذلك النجاح في تحقيق العدالة والتنمية بجميع جوانبها؛ والتي أصبحت تعني التعليم، والإعلام، والاقتصاد، والصحة، والبيئة، والحقوق الإنسانية كافة.
يجب أن يكون من مكاسب المرحلة تقويض فزَّاعة التخويف بالإسلاميين، وإثبات أن التعامل معهم في ميدان الحكم ممكن، وأنهم واقعيون ومخلصون لأوطانهم وشعوبهم في الوقت ذاته.
والإشادة بأداء الإخوان لا تعني تجاهل قائمة معتبرة من الأحزاب والتيارات المصرية المشاركة في الثورة والمنحازة لمطالب الناس وهمومهم، وكذا الشخصيات التي أثبتت ولاءها لوطنها وليس لحاكم عابر.
كما أشيد بأداء حزب النهضة في تونس والنسبة التي حققها في الانتخابات والبرنامج الذي يُقدِّمه، إلى جوار حركات عديدة متحالفة مع النهضة، أو حتى متخالفة معها، فمن يؤمن بحرية الشعب في اختيار قادته علينا أن نقدم له الاحترام.
وأرجو أن يفلح أهل ليبيا في صناعة مؤسسات تستوعب جميع التيارات دون إقصاء أو تهميش، وحسب علاقتي معهم فهذا هو المبدأ السائد لدى الغالبية العظمى من الثوار.
أرجو أن تكون هذه المتغيرات فرصة لتعارف أشمل، وإنضاج للفكر، واتفاق على مشروع وطني لا يستثني أحداً.
وقد وجدت أن الحراك الثوري قد غيَّر كثيراً من القناعات التقليدية لدى كثير من الجماعات السلفية، فسجَّلت حضوراً ومشاركة، وبدأت تطرح في أدبياتها؛ التداول السلمي للسلطة، وصناديق الاقتراع، وآليات الانتخابات، وربما تشهد المكتبة قريباً العديد من الدراسات الجديدة في هذا الميدان.

-       في ظل التوقعات التي تقول أن الإسلاميين سيصلون للحكم في الكثير من البلاد العربية هل تتوقع فضيلتكم أن يكون هذا العقد هو عقد نهوض الأمة الإسلامية، خاصة بعدما أن شهدت العقود الماضية الكثير من الكبوات وتقسيم الدول الإسلامية واحتلالها.

 النهضة لن تتحقق بفصيل مهما كان واسعاً، بل بمجموع الأمة، وقائد النهضة الأولى محمد -صلى الله عليه وسلم- استوعب أهل المدينة أجمعين، حتى من هم في الدرك الأسفل من النار، ويكفي أن تكون المرحلة القادمة مرحلة استيعاب وتداول سلمي، وقبول بالتعددية ونتائج الانتخابات، وإقرار بالحريات، مع إيمان الجميع بدستور يضمن الحقوق، وسقفه الأعلى مرجعية الشريعة الإسلامية؛ باعتبارها إيماناً تقر به الأغلبية الساحقة.
ولعل العمل ضمن الدولة القُطْرية واحتياجات أفرادها وجماعاتها التنموية أسهل وأسمح، وسيكون التكامل والتنسيق عفوياً وتلقائياً، وفي الثورات الأوربية والفرنسية وما بعدها كان الهم الأممي يتحرك جنباً إلى جنب مع الهم الوطني أو المحلي.
حين ننزل إلى الميدان سننزل بجهدنا البشري غير المعصوم، والمعرَّض للإخفاق، ويجب أن نُرحِّب بالنقد ونتقبله ولو كان مراً، بل وعلينا أن نتوقع نقداً مؤلماً وهدَّاماً من بعض الخصوم وهذا ليس مقلقاً، فليس ثمَّ حاجة إلى أن يُجْمِعَ الناس علينا لينجح مشروعنا، المهم الإخلاص مع الله ثم مع الناس، والاستعداد للاستدراك والتصحيح والاعتذار إذا لزم الأمر، وألا نكرر أخطاء الآخرين.. الميدان سوف يكون مفتوحاً للجميع، والمواطن سيكون هو الحكم.

-       بعد تحذيرات العلامة الدكتور يوسف القرضاوي من انتشار التشيع في المنطقة والأيادي الإيرانية في هذا الأمر، وحديث البعض أن ما جرى في البحرين بتخطيط إيراني، هل ترى فضيلتكم ضرورة التكاتف السني لمواجهة هذا التمدد الشيعي في المنطقة.

 لست أميل إلى العمل من منطلق الخوف، بل من منطلق الثقة، وأظن أن النفوذ الإيراني يتقلَّص مع الحراك الثوري العربي، وما يحدث في سوريا هو أنموذج لذلك، وليس كل الشيعة العرب هم امتداد لإيران ومشروعها السياسي، ولذا فعملية تجذير الانتماء الوطني لدى الشيعة مطلوبة؛ عبر تنظيم الحقوق بشكل قانوني وصحيح لا يطغى فيه أحد باسم الأقلية ولا باسم الأكثرية، ومع أننا في اتحاد علماء المسلمين أعددنا تقريراً ضخماً وميدانياً يعتمد على المعلومة والصورة (800 صفحة) عن التشيُّع في إفريقيا، ولكن الملحوظ أن هذا النشاط بدأ يتقلَّص في السنة الأخيرة بأسباب منها الوعي، ومنها الحراك الجديد، ومنها انشغال إيران بوضعها الداخلي، وبالنسبة للبحرين فالحوار الموضوعي بين الحكومة والمعارضة كفيل بحل الأزمة.


: الأوسمة



التالي
بن بيه: نحتاج لتطوير الديمقراطية من الاحتكام إلى التراضي
السابق
القرضاوي: نرفض الدكتاتور ونعاديه سواء لبس عمامة الشيخ أو خوذة الجندي أو برنيطة الخواجة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع