الحركات
الإسلامية ونهاية مرحلة: بين الفشل والإفشال ومشروع الطريق الثالث!!!
كتبه:
أ.د/ بلخير طاهري الإدريسي
عضو
مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الحمد لله والصلاة
والسلام على رسول الله.
لست متشائما، ولا مثبطا،
بل متفائلا، وثائرا، ولا أريد أن يكون كلاما مرتجلا، ولا خواطر، أملاها الفراغ،
ولا استجابة لطلب من يخشى رد طلبه، وإنما هي صيحة تحذير، من دعاة التبرير، في زمن
التخدير.
تأملت في واقع الحركات
الإسلامية قراءة ودراسة، وممارسة لأكثر من ثلاثين سنة من زهرة شبابي، وخالطت عدة
جماعات وتيارات وأفكار، من باب الأخوة والدعوة، دون أن يؤثر ذلك في انتمائي أو
منهجي أو مرجعيتي التي رسمتها لحياتي.
ولكن هذا الانتماء لم
يحجبني أن أستفيد من غيري، ومن جميع التيارات الموجودة في العالم العربي
والإسلامي، والحمد لله أدركنا أعمالها ونحن في قمة زهرة الشباب والعطاء، ولم نقصر
يوما في نصرة ديننا ورسالتنا، إلى يومنا هذا.
ولكن، انتهيت إلى ما ذكره
الحكماء: "أنه من جرب المجرب فعقله مخرب". وإن استنساخ التجارب لا يكون
إلا بعد ثبوت جدواها وصوابيتها، أما التذرع، أنه ما عندي أفضل مما كان عند غيري،
فهذا نوع من الغرور.
لسبب بسيط وواضح: أن
الأنظمة العربية والإسلامية، تقرأ من كتاب واحد، وترضع من ثدي واحد".
وسوق السياسة لا يقبل
الغفلة، ولا يقبل الطيبة، ولا يقبل التردد، ولا يقبل الثقة الزائدة، ولا يقبل
المصالح الدائمة أو المفاسد الدائمة.
وعليه والله لن تصل
الحركات إلى الإسلامية إلى السلطة عن طريق العمل المسلح...!
ولن يصلوا عن طريق الصناديق الانتخابية..!
أعلم أن هذا قسم خطير،
وفيه مجازفة، ولكن الحقيقة إذا بلغت درجة اليقين جاز القسم عليها من باب القطع.
وهذا؛ لأن النظام العالمي
وضع هذا القرار، وأعد له المخابر والمحابر، والمجازر، فكل تحرك لهذه التيارات لن
يخرج عن صورتين، إما فشل وإما إفشال.
فالفشل: من جهة عدم الإعداد الذي
هو في مستوى الصراع، سواء كان إعداد معنويا، أو ماديا، مع أخذ الاعتبار، الواقع
الداخلي وهو وعي الشعوب، ومدى إيمانها بمسألة التغيير!
وأما الإفشال: من جهة تكالب الأنظمة
العربية، والهيمنة الصهوأمريكية، وكيف تمنع وصول أي فصيل إسلامي إلى سدة الحكم.
وبنظرة
سريعة في المسلكين اللذين خاضتاهما الحركات الإسلامية، يتبين لك الخط والمشروع.
أولا:
المسلك والخيار العسكري:
لقد أثبتت التجارب
الإسلامية في ممارساتها الميدانية، في مغالبة الأنظمة الانقلابية، أو الديموقراطية
المزورة، أو المالكيات المستأجرة، لن يفلحوا في اقتلاعها، رغم إحراجها في عدة
محطات شعبية.، وعلى سبيل المثال:
1- العمل المسلح في سوريا
في ثمانينيات القرن الماضي، وما حدث مع جماعة مروان حديد، رحمه الله، وكيف دمرت
مدينة حماة وأُبيد سكانها. بمساعدة روسية، واستخبارات صهيونية.
2- العمل المسلح في مصر، من خلال الجماعة
الإسلامية، وكيف انتهى بها المصير، إلى الإعدامات والسجون.
3- العمل المسلح في
الجزائر الذي تبنته الجبهة الإسلامية للإنقاذ، من خلال بعض أعضائها،
وليس كلهم، ولحق بهم بعض قيادات الجزائر، ومن كانوا يسمون بالقطبية، ولكن قلة منهم.
مع وجود اختراق لهذه
الجماعات، لزيادة تشويهها، وإغارة قلوب الجزائريين عليهم، حتى دخلنا في مرحلة
"من يقتل من" بعد وقف مسارها الانتخابي، وفوزها بأغلب مقاعد البرلمان.
فدخلت الجزائر في عشرية
سوداء، صرح خلالها وزير الدفاع الأسبق، خالد نزار، وقد أفضى إلى ربه وهو أعلم
بحاله، قال بالحرف الواحد: كنا مستعدين أن نضحي بأربعة ملايين جزائري، ولا يصل
الإسلاميون إلى الحكم. وتسجيل الفيديو موجود لهذا الكلام.
والحمد لله الذي نجانا من
تلك الأيام لا أعادها الله علينا. وأسأل الله -عز وجل- أن ينتقم في من كان السبب
في إدخال الجزائر في سنوات الجمر.
4- العمل المسلح في غزة، وهو الذي جاء بعد فوز
حركة المقاومة بأغلب المقاعد البرلمانية والبلدية، وعلمت أنه لن تتمكن من أداء
مهامها، فأنشأت، الأمن الوقائي، لحماية مشروعها، بعدما كلف محمد دحلان العميل
المزدوج بين الكيان وأبو ظبي، لإجهاض هذه الحكومة.
ومنذ ذلك اليوم تم
الانقلاب على الحركة، واعتقلت قياداتها، وأدخلت في دوامة المواجهة، المسلحة مع
السلطة ومع الكيان إلى يومنا هذا. المهم لا استقرار، ولو السلاح.
والخلاصة:
انتهى المشروع المسلح في
هذه النماذج، إلى خلاصة درس مستفاد: أيها الإسلاميون لن، ولن تصلوا إلى السلطة عن
طريق العمل المسلح، ولا يغرنكم فشل الأنظمة، فلن نقبل سقوطها، ولو أن نتدخل مباشرة.
ثانياً:
المسلك والخيار الديموقراطي:
وهذا المسلك الناعم، كان
يظهر أنه هادئ، وغير مزعج، ويتقبله كل ذي عقل سليم، وطبعاً نزيه.
وظنت الحركات الإسلامية
أنه لنهجها هذا الخط، يبعد عنها شبهة الإرهاب، وسياسة التخوين، والتخويف، ويجعلها
تتخندق مع الشعب، وتكسب الجماهير، وتسحب البساط من الخفافيش والخنازير، وأصحاب
القلوب الطيبة المغرر بهم طيلة هذه السنوات، وما أقلهم.
فإذا بها تفاجأ بترسانة
من القوانين المفصلة تفصيلا. على مقاسهم، وإجراءات احترازية، تقطع الطريق عنهم،
بالإضافة إلى آلة إعلامية منظمة تشوه صورتهم، على المدار.
ومن
النماذج الواقعية في الواقع المعاصر، والتي أمهد لها بهذه الحقائق:
* الحقيقة الأولى: عدم إيمان هذه الأنظمة
بالتعددية الحزبية واقعيا، وإنما هي مفروضة عليها من النظام العالمي، بنية الإحراج.
* الحقيقة الثانية: وهي عقيدة التزوير، التي
تنتهجها هذه الأنظمة إما التزوير المفضوح مع التحدي، أو التزوير الذكي مع نفي
التهمة،،
ولقد صرح الرئيس السابق
حسني مبارك في أحد المؤتمرات، وقال بالحرف الواحد: أننا قلنا لأمريكا، إذا طبقنا
الديموقراطية الحقيقية، سوف يفوز بها الإسلاميون وبأغلبية ساحقة.
* الحقيقة الثالثة: أن هذه الأنظمة رغم
تشوهاتها للحركات الإسلامية، إلا أنها على يقين، سوف تفوز لا محالة.
* الحقيقة الرابعة: أن هذه الأنظمة مهددة من
الأنظمة الغربية بكل ألوانها، أننا لو رفعنا أيدينا عنكم، سوف تكونون وراء القضبان.
وهذه الحقيقة صرح بها
الرئيس الأمريكي ترامب مرات عديدة، علانية، وكانت تقولها الأنظمة السابقة سرا وتحت
الطاولة.
* الحقيقة الخامسة: هو ترويض الشعوب، وسياسة
القطيع، تحت واقع الفوضى والقتل والتشريد.
* الحقيقة السادسة: عدم نضج هذه الحركات من
حيث الممارسات السياسية الميدانية، وقلة الخبرة، مع خطر الانفتاح غير المدروس،
والضعف أمام المناصب والمكاسب.
ومن الدول التي وقع فيها
الانتكاس الديموقراطي، وأصبحت الشعوب تكفر بهذه العملية، مع إدخالها في سياسة
الإنهاك والإرباك.
الإنهاك: من خلال تعدد المحطات
الانتخابية المتتالية، والتي تستدعي القوة البشرية والمادية، وكلهما، الدولة فيها
مرتاحة من هذا الجانب، خزانة الدولة، والموظفين الرسميين.
والإرباك: وهذا من خلال طول الطريق
في التغيير، لإدخال منضاليها في مرحلة إحباط ويأس من التغيير والوصول.
ويضاف إلى هذا الإرباك،
هي الدعاية المتتالية، أن هذه الأحزاب لا تستطيع أن تحافظ لكم على أصواتكم التي
منحتموها إياها.
وهذا ما سوف يؤثر في
الوعاء الانتخابي في المحطات المقبلة، ويقولون: أعطيناكم، وأعطيناكم، ولكن للأسف
لم تحافظوا على هذه الأصوات، وما دام أنتم لستم في مستوى هذه الدولة البوليسية،
فلماذا تعاندونها وتغالبونها.
والأخطر من ذلك هو التضيق
على مناضليها، في التوظيف وفي الوظائف، وحتى في أعمالهم الحرة، ثم الانتقال
بالتخويف لكل محب أو مؤيد، ولو مؤقتا، وما سأذكره خير دليل.
1- الانتخابات البرلمانية
المتكررة في مصر، رغم دخولها بغير اسم الإخوان، فتنتهي إلى التزوير والتدوير، ثم
التكوير، ويخرجون منها بخفي حنين. بين قتيل وسجين ومنفي، وموقوف عن العمل.
2- الانتخابات البرلمانية
في الجزائر، مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي حصدت أغلبية الأصوات، فتم إلغاؤها
، رغم تنازل قيادات الجبهة الإسلامية (محمد كبير، حفظه الله، وحشاني رحمه الله) عن
كثير من حقوقها المترتبة على الفوز، ومن ذلك تشكيل الحكومة ونوعية الوزارات، وقد
أبلغت الرئاسة أنا ذاك عبر الوسيط رئيس الحكومة المرحوم سيد أحمد غزالي، الذي أبلغ
رئيس الجمهور المرحوم برحمته الواسعة شاذلي بن جديد، الذي تم الالتفاف عليه فيما
بعد من خلال حل البرلمان ، ثم تقديم استقالته، حتى نقع فيما يسمى بالفراغ
الدستوري، ومنها بدأت عجلة الدم في الجزائر.
3- الانتخابات في غزة، وكيف
أشرفت عليها الأمم المتحدة، وعلى رأسها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، والذي
أشاد بنزاهتها، وبالفوز المستحق لحركة المقاومة، وبدأت عجلة الانقلاب السياسي من
الضفة الغربية عن طريق شيطنة الوسطاء والرفقاء، ثم الكيان، بالتضييق، ثم بالاعتقال،
ثم بإعلان الحرب عليهم.
وهكذا بدأ إسقاط من
فازوا، ومساومته، فك الحصار، مقابل التنازل عن الحكم. وبقية العجلة لمدة 17 سنة،
ولم تنته إلى غاية انطلاق طوفان الأقصى، وتغيير خريطة التعامل مع الحركات بنموذج
لم تعهده الأنظمة العربية ولا الغربية.
4- الانتخابات التونسية،
بعد الربيع العربي وسقوط شين العابدين بن علي، تغير رجيم العمل السياسي، ودخلوا في
انتخابات حرة بعيدة عن ضغوطات الأوصياء، فأسفرت على رئيس جمهورية علماني ديموقراطي
وهو منصف المرزوقي، بعد تأييد الإسلاميين له. ثم فاز الإسلاميون بالبرلمان، باسم
حركة النهضة، وأصبح من حقهم تشكيل الحكومة، فبدأت الضغوطات الأوروبية والغربية على
تونس من خلال بعض الدول العربية، وعلى رأسهم الإمارات، بالمال والتهديد، حتى أسقطت
الحكومة، ثم حل البرلمان، ثم السجون والمعتقلات، وهكذا انتهى المشهد السياسي
الديموقراطي في أسوأ صوره.
5- الانتخابات المغربية،
وهذا من خلال حزب العدالة والتنمية الحزب الإسلامي ذو المرجعية الإخوانية، ليجر به
البساط في آخر المطاف بتوقيع التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتشويه صورة الإسلامي ثم
إسقاطهم في الانتخابات التشريعية بضربة قاضية، أنهت سمعتهم المشرقة، وأبقت معرتهم
المؤسفة.
والخلاصة:
أيها الإسلاميون، انزعوا
من قاموسكم ومنهجكم أن تصلوا إلى السلطة عن طريق الصناديق.
فإن رُضِي عليكم بعد
الانبطاح وطول الكفاح المدني، سوف نحدد لكم سقفا، لن يمكنكم لا بتشكيل حكومة، أو
تعطيل مشروع، أي مناصب شبيهة بماء المصل الذي يعطى للمريض لبقي على قيد الحياة،
فهو لا يملأ بطنا، ولا يذهب جوعا.
فهل عقلتم الدرس أيها
الإسلاميون؟
وعليه لا بد من التفكير
الجيد والجاد، في المسلك والمسار الثالث الذي تتلاقى فيه هذه المسالك الموحشة
المتعبة، ولا تقل إني أقدم في حدود الاستطاعة، فإن البحث عن المخارج والتفكير خارج
الفنجان، مع حرية التفكير والإبداع، هي بداية التحرر من الفكر التقليدي في التغيير،
الذي يستنسخ فقط تجارب الفاشلين أو المفشلين، وإن سوابق الهمم لا تخرق أسوار
الأقدار. كما قال سيدنا ابن عطاء الله السكندري رحمه الله.
فما هو المسلك والطريق
الثالث؟
اترك لكم مجالا للعصف
الذهني، وأسعد برؤاكم، لهذا المسلك الجديد.
الذي أكد عندي فيه رؤية،
ولكن تحتاج إلى نضج مع عقول راقية، ونفوس هادئة، وعقيدة صلبة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها
ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
* أ.د/ بلخير طاهري
الإدريسي الحسني الجزائري؛ عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
وأستاذ الشريعة والقانون، جامعة وهران 1 -الجزائر.