البحث

التفاصيل

الثوابت والمتغيرات في الإسلام... حدود وفواصل

الرابط المختصر :

الثوابت والمتغيرات في الإسلام... حدود وفواصل

بقلم: د. إسماعيل صديق عثمان

عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

[المقال ضمن: (الحملة العالمية للثوابت الشرعية) بإشراف لجنة الثوابت والفكر الإسلامي، تحت شعار: "ثوابتنا أُسُسُ دينِنا ومعالمُ نهضتنا"]

 

    الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى وعلى عباده  الذين  أصطفى، تختلط على البعض وتتداخل المفاهيم عند سماعهم عبارة الثوابت والمتغيرات في الدين الإسلامي، ويقع البعض في حيرة ويتساءل كيف يمكن أن نوازن في  الإسلام بين الثابت والمتغير، بحيث لا نخلط أحدهما بالآخر، وهل الثابت في الإسلام يعني الجمود وعدم الحركة، وماهي حدود التغيير، وكيف يمكن وضع قواعد ثابتة تجعل التغير تابعاً ومحكوماً من الثوابت الإسلامية التي يجب أن نثبت عليها ونتمسك بها بقوة، متغيرين مع متغيراته بتغير الزمان والمكان والظروف والأحوال! لنطور حياتنا وأفكارنا دون أن نخالف الإسلام، ودون إفراط ولا تفريط، فنمنع الذين تجرأوا وحاولوا الدخول عبر هذا الباب من الكتاب والمفكرين وأصحاب الأهواء في الطعن والتشكيك في الثوابت الإسلامية القائمة على الأدلة الشرعية من القرآن والسنة وردها، بل جعل بعضهم الأصول والثوابت الإسلامية عبارة عن آراء وأقوال قابله للصواب والخطأ، وهكذا يتسنى لمن أراد هدم الدين نقض عراه عروةً عروة، بدعوى البحث العلمي في الثوابت والمتغيرات! فأنكر بعضهم حد الردة، وحجاب المرأة، وطالب آخرون بمساواة المرأة والرجل في الميراث، وغير ذلك مما يهدم الدين والعقيدة والشريعة من أساسها، وكل ذلك يتم بدعوى تصفية وتنقية الإسلام مما علق به من الآراء والأفكار الخاطئة، متهمين من يتمسك بالنقل من القرآن والسنة بالجمود والتخلف والرجعية، وعدم مواكبة المتغيرات في العصر الحديث! وعليه كان لابد من ضبط المصطلحات والمفاهيم فهي هنا ليست من قبيل الترف الفكري، بقدر ما هي مسألة تمس صلب المضمون، وتتعدى أبعاده إلى نتائج منهجية وفكرية.

مفهوم الثوابت: تعني الثوابت في اللغة: اسم فاعل من ثبت الشيء ثباتاً وثبوتاً فهو ثابت وثبيت وثبت، والثبات فيه معنى الدميومة والإستمرار والملازمة والبقاء، يقول تعالى: (كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء) وجمع ثابت، ثوابت. والثابت وهو الراسخ والمتين، والمقرر والمؤكد، والمستقر الذي لا يتغير، ويقابلها المتغيرات، والثوابت هي الأشياء التي لا تتغير، ولا تتبدل بتبدل الزمان والمكان،

وعليه يمكن تحديد مفهوم (الثوابت الدينية)، بأنها: القطعيات ومواضع الإجماع التي أقام الله بها الحجة بينة في كتابه أو على لسان نبيّه، ولا مجال فيها لتطوير أو اجتهاد، ولا يحل الخلاف فيها لمن علمها، وعند بعض العلماء: ما لا يحتمل الزوال بتشكيك المشكك. وهكذا يمكننا الفصل بين الثابت والمتغير وفق القواعد والأسس الدينية الإسلامية التي تعطي للإسلام حيويةً وفاعلية كبيرة في مجال الاستجابة لمتطلبات الواقع الإنساني المتغير، فالإسلام فتح المجال للاجتهاد في الفكر الديني التطبيقي، دون المساس بالثابت والمطلق، ودون التسليم بمقولة من يقول: كل شيء متغير، والزمان لا يتوقف، والأحكام خاضعة لظروف المجتمع وحاجاته ومطالبه، فالدين لا يتغير ولا يخضع لظروف المجتمع لأنه جاء لتغيير المجتمع ويجب أن يكون حاكماً في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في حياة الناس وليس العكس! فحتى الشريعة عند هؤلاء متغيرة بسبب الزمان والمكان، ومن ثَمَّ لا يلزم المسلمين الاحتكام إلى ما جاء فيها من الوحي وما كان عليه السلف، وإنما الحكم في ذلك لما يختاره الناس مما يناسب واقعهم وحالهم!. وهكذا نمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية! ويقيننا أن ديننا منهج كامل وشامل للحياة، وصلاحُ شريعته لكلِّ زمان ومكان، دليلٌ على مرونتها حيث تساير أحكامها مختلف الأحوال دون حرج ولا مشقة ولا عسر. والتشريع حقٌّ إلهي فلا يرجع فيه إلى العقول والأذواق والأهواء، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}. فهو وحده جل وعلا له حق التشريع، وحق التحليل والتحريم، وله الحكم والأمر، ولا يشك مسلم صحيح العقيدة آمن أن الدين دين الله في ذلك، وردنا لهؤلاء: {أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ}، ومن يشكك في هذا عليه -إبتدأً- أن يجد أي ثغرة في ديننا الإسلام، ويقدم البرهان على أن الإسلام لا يجيب عن تساؤلات هذا العصر أو غيره.

 فثوابتنا إجمالاً هي: ثوابت المصدر فدين الله تعالى مصدره الأساس كتاب الله تعالى، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والإجماع، والثابت الثاني: الأصول العقدية فهي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وهذه الأصول لها ثوابتها العظيمة في حياة الأمة. والثابت الثالث: هو الفرائض الشرعية كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة.. والأحكام الشرعية كالحجاب والميراث والعقوبات المنصوص عليها، أما الثابت الرابع: فهو يدور حول مجموعة القيم والأخلاق الحميدة.

والمتغيرات إجمالاً: هي الأحكام الشرعية الاجتهادية - وهي بخلاف الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة - وتُضبط بضابطين دقيقين، الأول: مصدرية الكتاب والسنة، والثاني: أن يكون الاجتهاد فيما يتعلق بهذه المستجدات قائم على منهج صحيح هو منهج الأخذ بالدليل، والترجيح بالمرجحات الصحيحة، وأن لانترك الأمر نهباً للفوضى وتتبع الأقوال الشاذة، والمعلوم من الدين بالضرورة أن الثابت هو مجموعة الأسس والحقائق التي لا بد من ثباتها، بما تشمله من أصول العقيدة وأركان الإيمان الستة، وأركان الإسلام الخمسة، وما يتعلق بالله سبحانه من توحيده وإثبات أسمائه وصفاته وأفعاله، وإفراده بالألوهية والربوبية والحاكمية والعبادة، وأصول العبادات والمعاملات، ومكارم الأخلاق، وأن الإسلام هو وحده الدين المقبول عند الله سبحانه، قال تعالى): إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)، وغيرها من أصول الإسلام التي يصعب حصرها، والتي منها وجوب الالتزام بأحكام الله تعالى وتشريعاته، وعدم جواز إقرار أي تشريع يخالف تشريعه سبحانه.

وأخيراً نختم بالتأكيد على أن: ديننا ثابتٌ لا يتغير وكاملٌ لا نقص فيه ولا زيادة، ولا نسخ بعد كماله، وقد بلّغ الرسول (صل الله عليه وسلم) رسالته كاملة، وأدى الأمانة، وأكمل الله به الدين وأتم به النعمة، كما قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

* د. إسماعيل صديق عثمان إسماعيل؛ عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أستاذ العقيدة والأديان المشارك، بكلية العلوم الإنسانية. جامعة بحري، السودان.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
نساء من ذوي الإعاقة السمعية في ماردين يتعلمن القرآن وأحكام الدين
السابق
مأزق المساواة وجندرة الحياة في ثقافة الأسرة العربية (3)

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع