بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا يعني انتمائي للاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين؟
بقلم: د. محمد عوام
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
كنت دائما أفكر في هذا السؤال، الذي أعتبره سؤالا جوهريا حاسما
في قضية انتمائي للاتحاد، ولم يكن مجرد سؤال عابر، وإنما هو بالنسبة لي يمثل جوهر
القضية، إذ لاحظت أن كثيرا من الإخوة المنتمين، مع حسن الظن بهم، قد اكتفوا بمجرد
الانتماء، دون أن يسألوا أنفسهم هذا السؤال، أو يبحثوا عن موقعهم داخل الاتحاد،
لذلك أحببت أن أقيد حوله خواطر وأفكارا قد تكون نافعة إن شاء الله، وأحسبها بمثابة جواب عنه، أسوقها
فيما يلي:
أولا: الفاعلية: الانتماء إلى الاتحاد يعني الفاعلية،
والفاعلية تعني أن يكون العضو فاعلا داخل إحدى لجان الاتحاد، أو صاحب همة عالية
لتمثل برامج وخطط الاتحاد. والفاعلية مرتبطة بالإيجابية، ونبذ السلبية، فلا يقبل
أن يكون الانتماء للاتحاد مجرد انتماء خامل، يُكتفى فيه بحضور اجتماع الجمعية
العمومية فقط، مع غياب تام لمدة أربع سنوات، فهذا في نظري قد يفضي إلى نوع من
التآكل الداخلي لنظام الاتحاد. والعلماء أولى بهذه الفاعلية، لأنها من الفعل،
والفعل له أثر في الواقع، وليس مجرد فكرة قابعة في النفس.
على أن جذر الفاعلية اللغوي من
مادة (فعل)، والفعل -كما قال الفيروزابادي في قاموسه- "حركة الإنسان"،
وهذا يعني أن الإنسان الفاعل هو المتحرك الساعي إلى تحقيق المعالي، والطموح صاحب
الهمة العالية، ينفع نفسه وأمته والإنسانية جمعاء. ولا يخفى على فضيلتكم أن الفاعل
عند النحويين ما كان فاعلا في غيره، غير مقتصر على نفسه، وإلا ما سمي فاعلا، وحتى
إذا ما دعت الضرورة إلى من ينوب عنه، فإنه يقوم بوظيفته، ويخلفه في مهمته.
فلنكن فاعلين في واقعنا، وفي
انتمائنا إلى الاتحاد، لا أسماء جامدة. فالفاعلية تقتضي حركية العضو
"الاتحادي" من أجل تنزيل البرامج والخطط التي نأمل أن تكون نافعة للأمة،
ونرجو أن تحقق ثمرتها ومقاصدها، ولنحذر قول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا
لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" قال الإمام
الطبري في تفسير هذه الآية: "وقوله: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف:
2] يقول تعالى ذكره: "يا أيها الذين آمنوا صدقوا الله ورسوله، لم تقولون
القول الذي لا تصدقونه بالعمل، فأعمالكم مخالفة أقوالكم ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا
تَفْعَلُونَ﴾ [سورة الصف: 3] يقول: عظم مقتا عند ربكم قولكم ما لا
تفعلون".
وقد أورد المفسرون سبب نزولها من
ذلك "عن علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لم
تقولون ما لا تفعلون قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا
أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به فأخبر الله أن أحب الأعمال:
إيمان به وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به. فلما نزل الجهاد
كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم. فأنزل الله سبحانه وتعالى: يا أيها الذين
آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون". (ينظر جامع البيان للطبري). ومعلوم ومقرر أن
العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
وغير خاف على فضيلتكم أن الآية
تحذير من مخالفة القول الفعل والعمل، قال ابن عاشور رحمه الله: "ناداهم بوصف
الإيمان تعريضا بأن الإيمان من شأنه أن يزع المؤمن عن أن يخالف فعله قوله في الوعد
بالخير". (التحرير والتنوير).
ثانيا: الرسالية: لا يخفى أن للاتحاد رسالة، يناضل من أجلها،
تعبر عنها مبادئه وخططه واستراتيجيته. فإذا كان الأمر كذلك، فقمن بأعضائه أن
يكونوا رساليين، بتبني رسالة الاتحاد والتعبير عنها في كل الآفاق، وبثها في كل
الأصقاع. فالعضو (العالم) صاحب رسالة ومقصد وغاية، وليس مجرد رقم مضاف للاتحاد،
منعدم الرسالية. هذه الرسالية نابعة من الهمة، لأن الهمة هي الباعث الحقيقي لتفعيل
الرسالة. وهنا تحضرني كلمات نفيسات للإمام أبي حامد الغزالي ساقها عند حديثه عن
الأسرار الباطنية للصلاة، وتحديدا لما تناول سبب حضور القلب، فقال: فاعلم أن حضور القلب
سببه الهمة، فإن قلبك تابع لهمتك، فلا يحضر إلا فيما يهمك، ومهما أهمك أمر حضر
القلب فيه شاء أم أبى، فهو مجبول على ذلك، ومسخر فيه..."
فالرسالية لا تنفعل مع قلب خامل،
غير آبه بما ينبغي أن يكون عليه من الهمة العالية، الخادمة لرسالة الاتحاد، وإنما
تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، عندما يحمل معانيها صاحب همة عالية، يحمل هم أمته،
ويمضي بها قدما نحو الأفضل، نحو التمكين، والنصر، والرفعة، والعلو. فكما قال
المتنبي:
لا يدرك المجد إلا سيد فطن
** لما يشق على السادات فعال
والذي نأسف له أن يتحرك أهل
الباطل من أجل باطلهم أكثر من أصحاب الحق، فها هي اليهودية والنصرانية والفرق
الضالة تتحرك وتستميت من أجل باطلها، بفعالية منقطعة النظير، وأهل الحق والدعوة
يرتكسون ويتقهقرون، مما يؤثر على مسار الدعوة والتدافع مع الباطل. إذ سنة التدافع
تقتضي الفاعلية والرسالية والهمة العالية، وكل أضدادها تقوي من جبهة الأعداء. وهذا
الذي يحصل الآن في الأمة حكاما وشعوبا وعلماء بصفة عامة.
ثالثا: العالمية: الانتماء للاتحاد يعني الخروج من حيز الانتماء
المحدود بالزمان والمكان إلى الانتماء العالمي، وأعني بذلك أنه بالرغم من كون
أعضاء الاتحاد قد يكونون منخرطين في جمعيات إسلامية معينة، فإن الانتماء للاتحاد
لا يعبر بالضرورة عن توجهات تلك الجماعات والتنظيمات، وإنما هو تجمع علمائي يسعى
إلى خدمة الأمة جمعاء، من غير ارتباط بالقطرية الضيقة، وإنما إلى رحابة الأمة، إلى
قضايا الأمة المصيرية والكبرى. نعم قد تلتقي الأهداف والمقاصد والغايات، ولا ريب
في ذلك. ولأجل هذا ينبغي على عضو الاتحاد أن لا يبق ضيق العطن، مقيد التفكير، يفكر
بانتمائه الجزئي، والقطري، فهذا قد لا ينفع الاتحاد في شيء، وإنما الذي له ثمرة
مرجوة هو خدمة أهداف الاتحاد، بمعنى خدمة خططه واستراتيجيته نحو الأمة، في غاياتها
الكبرى والمصيرية.
من هنا أرى أننا في حاجة إلى
انتماء فعال ورسالي وعالمي، قد يسأل فيه الفرد عن منجزاته، وماذا قدم؟ وما دوره في
الاتحاد، على كل المستويات والتخصصات، وعما يتقنه ويجيده، فلا بد من ترشيد
الانتماء حتى يكون ذا جدوى، وليس مجرد انتماء من أجل الانتماء. فالمسؤولية اليوم
جسيمة في ظل واقع خطير جدا، وفي سياق مرحلة طوفان الأقصى، فإما أن يشمر الأعضاء عن
سواعد الجد ليكون في المستوى المطلوب للمرحلة القادمة، وإلا سنفقد الكثير لا قدر
الله تعالى.
هذه مجرد خاطرة عسى أن تكون
نافعة، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.