البحث

التفاصيل

تهديم الأخلاق والقيم (4): الحرب على غزة تكشف عن المستور؛

الرابط المختصر :

تهديم الأخلاق والقيم (4): الحرب على غزة تكشف عن المستور؛

بقـلم: الدكتور أحمد الإدريسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

*******

حقائق تاريخية (1): الحرب على غزة تكشف عن المستور؛

الكشف عن زيف حقوق الإنسان (2): الحرب على غزة تكشف عن المستور؛

الحرب على غزة حرب دينية وعقدية (3): الحرب على غزة تكشف عن المستور؛

*******

 

مقدمة:

إن مظاهر الانحلال الأخلاقي والفساد الاجتماعي التي نشاهدها اليوم داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية هي من صنع التغريب والتطبيع الذي هدم الفضائل، حيث انفصلت عن مصدرها المستمد من الدين، وقلب الأخلاق إلى نفعية تطاع بقدر ما تحققه من مصلحة ومنفعة دون النظر لما تحققه من قيم ومبادئ إسلامية. فالحرب على الفلسطينيين مدعومة بتواطؤ غربي وعربي، وصمت عالمي على معاناة الفلسطينيين عامة، وأهل غزة بشكل خاص، معاناة من جميع المجالات؛ السياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية.

وإذا تأملنا في آراء الفلاسفة الغربيين الصهاينة أمثال دارون، ونيتشيه، وماركي، وأنجلز، وفرويد، ودوركايم لوجدنا دورهم الكبير في هدم الفضائل والأخلاق ونشر الانحرافات من خلال هدم الدين الذي أرسى قواعد الإيمان وإقامة الحياة على مبدأ الأخلاق وجعله منهج حياة، ولم يكتفوا بذلك؛ فقد جندوا عملاءهم في كل زمن من أجل فرض هذه القواعد على الشعوب العربية؛ لأنهم يدركون أن نشر الفساد وهدم الأخلاق والانحلال يعني سهولة السيطرة على الأجيال وعلى أفكارهم؛ وبالتالي استعمار أرضهم، وقد جاء التطبيع اليوم من أجل هذه الأهداف الخبيثة.

أولا: أهداف تدمير القيم والأخلاق

يعتبر نشطاء وأدعياء الثورية، ونشطاء الماسونية والحركات الفوضوية، ودعاة المساواة، أول من دشن للسفالة والانحطاط الأخلاقي، وسلاحهم؛ تخريب القيم والأخلاق، وإفساد الضمائر والذوق السليم. ولذلك لاحظنا ويلاحظ الجميع أن الإنسان كاد يفقد المعنى والغاية من وجوده. حتى يُصبح صوت الوعي الأخلاقي الفطري والمتوارث باهتا في ضمير الإنسان المعاصر، فيتراجع معه الإحساس بأهمية الأخلاق القيم والفضائل.

ومن أهم أهداف تدمير القيم والأخلاق:

* الخراب الأخلاقي تعظم من حجم التدهور، فالفساد يراكم الفساد وينتج فسادا، والجرأة على الحرمات يهتك أستار المجتمعات.

* السعي إلى نشر الفساد؛ نظرا لوجود علاقة طردية بين انتشار الفساد وتدهور الأخلاق وبين التخلف والانحطاط، فما تدهورت الأخلاق والقيم الفضلى إلا وتدهور الوضع العام في الأمة، وانتشرت نوازع الشر واختفت نوازع الخير.

* إشاعة الفساد لترويج الانحطاط والتهاون بالقيم الفاضلة يدمر ما بقي من ممانعة ذاتية للمجتمع الإنساني، حتى تستوطنه الأمراض والأسقام الأخلاقية وهي أشد تأثيرا وتدميرا من أمراض الجسد وعلله.

* صناعة الخلل وتوسيعه في منظومة القيم، إنها يمكن لها أن تقتل البشر وتدمر الحجر وتحرق الشجر. لأن الدولة لن تقوى عن انتزاع ما غرس في صدور الناس من قيم عزيزة وكريمة. ولكن إذا انتزعت هذه القيم وتهشمت.

* السعي إلى زعزعة المجتمعات من داخلها، والمؤشر عليه هو تدهور المنظومة الأخلاقية فيها، وحينئذ؛ فلا قيمة لمنظومة أخلاقية تتلى على المنابر ما لم تصل إلى مستوى الممارسة الحقيقية والسلوك اليومي والوقوف دون حصون الأخلاق الفاضلة من كل ما يؤدي إلى تدميرها وهدم مكوناتها.

ثانيا: محاولات تهديم الأخلاق والقيم في فلسطين.

لقد عمل الصهاينة على نشر الرذيلة وهدم الأخلاق، وعيا منهم بأن الأمم تبقى ما بقيت الأخلاق فإذا أصيبت في أخلاقها انهارت وسقطت. ومن أبرز أدوات التدمير لديهم؛ سحق القيم والأخلاق، وتخريب الضمائر والذمم، لأنهما العاملان الرئيسان اللذان بُنيت عليهما حضارات، وعلى أساسهما تدشن الحضارات المعاصرة، وتنهض الأمم.

إن ما يقع اليوم هو تدمير الأخلاق ونشر للرذيلة وهدم للفضيلة، إنما وهو فصل من فصول الصراع ووجه من أوجه التدافع بين حماة الفضيلة ودعاة الرذيلة. ومما ركز عليه “حكماء صهيون” في يروتكولاتهم وأولوه العناية والاهتمام؛ نشر الرذيلة وهدم الأخلاق في فلسطين وفي منطقة الشرق الأوسط، فقد ورد في بروتوكولهم التاسع:

(عليكم أن توجهوا التفاتا خاصا في استعمال مبادئنا إلى الأخلاق الخاصة بالأمة التي أنتم بها محاطون، وفيها تعملون، وعليكم ألا تتوقعوا النجاح خلالها في استعمال مبادئنا بكل مشتملاتها حتى يعاد تعليم الأمة بآرائنا، ولكنكم إذا تصرفتم بسداد في استعمال مبادئنا فستكشفون انه -قبل مضي عشر سنوات-ـ سيتغير أشد الأخلاق تماسكا، وسنضيف كذلك أمة أخرى إلى مراتب تلك الأمم التي خضعت لنا من قبل).

ولتحقيق أهدافهم؛ فقد بادروا إلى التنسيق مع المنظمات الغربية، وشراء ولاءات مشايخ القبائل والفعاليات المؤثرة، وجمعيات المجتمع المدني، فتعاونوا جميعا على إفساد المجتمع، وعلى استقطاب الشباب وأفسدوا أذواقهم، حتى ينسلخوا عن قيمهم وعن أخلاق العفة والحشمة والوقار.

ثالثا: دور التطبيع في تهديد القيم الإنسانية.

يمثل التطبيع بأبعاده وأشكاله المتعددة وسيلة خطيرة لهدم الأسس الإسلامية والعادات والقيم الإنسانية، المستمدة من الدين الإسلامي وتعاليمه السمحة التي تدعو إلى نبذ كل ما هو مخالف لشرع الله، ومن بينها وجوب عداوة اليهود وعدم مصالحتهم أو التطبيع معهم لقول الله عز وجل: “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا” (المائدة 82). وقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين”(المائدة: 51).

كما يمثل التطبيع شكلا جديدا ووجها آخر للاستعمار؛ وهو الاستعمار الفكري والثقافي، الذي يستهدف الشباب والنشء ويعمل على إفقادهم هويتَـهم، وعدم تمسكهم بمنظومة القيم والأخلاق، وشل قدرتهم على التعامل المنطقي مع قضايا المجتمع، بل والانخراط فيها كشكل من أشكال الحضارة والرقي، وبث الأفكار الغربية الصهيونية الفاسدة التي تدعو إلى الانحلال والرذيلة الهادفة لتدمير الشباب،في ظل غياب الوعي الديني والتربية الأخلاقية الإسلامية وتطبيقاتها والمبادئ والقيم الأصيلة النابعة من قيم الدين الإسلامي وشريعته السمحاء، وبالتالي سهولة السيطرة عليهم؛ ليكونوا أداة هدم لشعوبهم ومجتمعاتهم بدل أن يكونوا أداة بناء.

فإصرار الصهاينة على التطبيع، خصوصا في الميدان الفكري والثقافي، ينبع من إدراكه أن هذا الميدان هو المؤهل والقادر على تلويث الفكر العربي والثقافة الوطنية، وضخ المفاهيم والتصورات المشوهة لقيمه ومبادئه وشخصيته القومية، ونشر الانحلال الأخلاقي في ظل الفراغ الديني الذي تعاني منه المجتمعات العربية وأجيالها من الشباب، الذين يجدون في طريقهم دوماً مؤسسات الغزو الفكري وجمعيات الانحلال الأخلاقي الغربية والصهيونية التي تعمل بنفس طويل ليل نهار دون كلل أو ملل، وتعمل في عقولهم وأفكارهم أكثر مما يفعله ألف مدفع عسكري، فيسيرون في فلكها وينتهجون أفكارها وينقادون لها، وحينها تبدأ في مسح ذاكرتهم التاريخية، وقطع صلتهم بعروبتهم وماضيهم التليد، وعزلهم عن واقعهم ومجتمعاتهم وإبعادهم عن كل ما يعزز فيهم القيم والعادات والأخلاق الحميدة حتى يفقدوا البوصلة ويحيدوا عن الطريق الصحيح.

إن التطبيع بكل أشكاله مفسدة وسرطان تجَذَّر في قلب الأمة العربية التي غضت الطرف عن عواقبه الوخيمة على الشعوب والأجيال، رغم إدراكها لتلك العواقب، وإن السير في فلكه ينذر بمزيد من الأخطار، إن لم تكن الشعوب قادرة على مجابهته ومكافحة سياساته الخطيرة وأهدافه الخبيثة الرامية لنشر الفساد والانحلال في مجتمعاتهم.

خاتمة:

إن هذه الموجات التي يفرضها التطبيع من خلال الغزو الفكري والثقافي وجنوح المجتمعات إلى الانحلال والفساد تعتبر أكثر تطرفاً من موجات التطبيع السياسي والاقتصادي؛ لأن الغزو الفكري يدمر الشعوب أكثر من الغزو العسكري؛ وبالتالي يصبح من الفرض الواجب على الشعوب العربية والأجيال مناهضة مثل هذه الأفكار ومجابهتها، كونها تمس العقيدة الإسلامية التي نشأنا عليها التي لا يمكن النقاش حولها أو المفاضلة بينها وبين أي أفكار أرضية، كيف وإن كانت من عدو يمثل لنا الاحتلال والتدمير والسرقة وكل ما هو سلبي، ويهدف إلى ضرب المناعة النفسية لدى المواطن العربي والوصول إلى عقله ووجدانه، للقبول به ضمن شروطه، ومشاركته أهدافه ومجالاته، والسيطرة عليه فكريا.

ومهما اختلفت الطرق، وتنوعت الأساليب فالغاية واحدة، والمؤامرة على الأمة المسلمة منذ القدم يتولاها الأعداء، ويتولاها بالعمالة منافقون من الأمة يظهرون الإسلام ويبطنون النفاق، مندسون في المجتمع أجراء وعملاء لغيرهم، ينفذون خططهم؛ طوعا وكرها.

لذلك نجد الناس ينحازون إلى منظومة أخلاقية وقيم فضلى لأنها ضرورة من ضرورات الحياة السوية، فحياة الناس لا تستقيم دون الشعور بالأمن بمفهومه الأوسع، ولا يصنع هذا الشعور سوى الثقة التي تبنيها منظومة أخلاقية لا تقبل الكذب ولا الجور ولا الخداع ولا الغش ولا التضليل؛ منظومة أخلاقية مأصلة من ديننا الحنيف، ومنية على أساس متين.  والحمد لله رب العالمين.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.





التالي
"جوجل" تنهي خدمة مجموعة من الموظفين بعد احتجاجات على العقد مع الاحترل الإسرائيلي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع