البحث

التفاصيل

غزوة بدر مدرسة للتيقن بنصر الله عبر العصور

الرابط المختصر :

(سلسلة خطبة الجمعة)|غزوة بدر مدرسة للتيقن بنصر الله عبر العصور

الشيخ بن سالم باهشام

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

عباد الله، إن شعار العارفين بالله، الذين يعلمون أن الله لا يقضي قضاء إلا وفيه خير وحكمة: “لو اطلعتم على الغيب لوجدتم ما فعل ربكم خيرا“. بهذا الشعار الرباني لا يتقدم المؤمن على الله عز وجل برأي أو اقتراح، أو يستقبل أمر الله بشيء من النفور وعدم الرضى، فالله لا يختار إلا ما فيه الخير للبشرية جمعاء، قال تعالى في سورة القصص : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ، وَلَهُ الْحُكْمُ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص: 68 – 70].

عباد الله، في شهر رمضان، في السنة الثانية من الهجرة، ترامت الأنباء إلى المدينة المنورة، أن قافلة ضخمة لقريش، هي في عودتها من الشام إلى مكة، وتحمل لأهلها الثروة الطائلة، وكيف لا؛ وفيها ألف بعير موقرة بالأموال، يقودها أحد سادة قريش؛ والذين كانوا يعذبون المسلمين في مكة المكرمة، وهو أبو سفیان بن حرب، مع رجال لا يزيدون على الأربعين شخصا، ونظرا لما في هذه القافلة من عوض کامل لما لحق المسلمين من خسائر أثناء هجرتهم الأخيرة، من مكة إلى المدينة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن هشام، عن أبي إسحق، بسند صحیح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (هذه عير قريش، فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها). فخرج الرسول صلى الله علیه وسلم، ومعه قوم لم يدُر بخَلَدهم غير العير، إذ لو كان غير ذلك، لأعدوا له العدة، ولما تخلف  من المسلمين أحد، بل إنهم  لما بلغهم  أن القافلة المطلوبة قد غيرت طريقها، فترت الهمم، وأرادوا الرجوع، لكن من بيده ملكوت السماوات والأرض، اختار بأن يكون القتال رغم قلة عدد المؤمنين الذي لا يتجاوز ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، وقلة العدة، إذ اتخذوا لركوبهم فرسين فقط، وسبعين بعيرا يتناوبون عليها في الركوب، لا فرق في ذلك بين جندي وقائد، وتابع ومتبوع، وكان نصيب النبي صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنهما، بينما الكفار؛ فقد خرجوا لحماية بضاعتهم، وهم على أتم استعداد للحرب، تحت قيادة كبرائهم في تسعمائة وخمسين مقاتلا، معهم مائة فرس، وسبعمائة بعير محملة بالزاد والسلاح.

فيا عباد الله، اسألوا أكبر قادة العالم، وأكثرهم خبرة وتجربة في شؤون الحرب، أي الفريقين يمكن أن ينتصر؟ اسألوا أمريكا، واسألوا دول الغرب، واسألوا صانعي الأسلحة، واسألوا أصحاب الأساطيل البحرية، وصانعي القنابل النووية، واسألوا أصحاب القواعد الجوية الموزعة في وسط الدول المستضعفة، واسألوا أصحاب طائرات الأواكس التي تراقب تحركات الدول، أي فريق يمكن أن ينتصر؟ هل الفريق المسلم الذي لم تكن عنده نية الحرب أول الأمر، والذي بلغ منه التعب مبلغه، لكونه قطع مسافة 160 كيلومترا، من المدينة المنورة إلى بدر، الفريق الذي يقل فيه عدد المهاجرين الذين عذبهم الكفار بشتى أنواع العذاب وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله، ويكثر عدد الأنصار الذين لم يقم صراع بينهم وبين قريش من قبل؟ الفريق الذي لا يتجاوز الثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر فردا؟ الفريق الذي لا يملك من العتاد سوى فرسين وسبعين بعيرا؟ الفريق الذي نزل من وادي بدر، في الجانب الأدنى، بعيدا عن الماء في أرض جافة ووعرة، أم الفريق الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ أكبادها)؟ الفريق الذي يقول قائده أبو جهل: (والله لا نرجع حتى نرِد بدر، فنقيم عليها ثلاثا، فننحر الجُزُر – أي الماعز والغنم – ونُطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان – أي المغنيات ، ويسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها)، الفريق الذين قال فيهم الله تعالى في سورة الأنفال: (خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) [الأنفال: 47]؟

عباد الله، إن كل المعطيات تشير أن النصر سيكون حلیف قريش. ولو وقعت نفس الحرب في عصرنا الحالي، لقالت كل الدول المسلحة بما فيها أمريكا والغرب كله، إن النصر سيكون حلیف قریش کذلك، لأن المسلمین لم يشتروا عندنا السلاح، وليست عندهم عدة، سيقولون: إن المسلمين سيهزمون في أول جولة لقلة عددهم، وقلة تجربتهم، ولو كانت المعركة في عصرنا الحالي، لانساق الكثير منا مع رأي الكفار وتحليلاتهم.

عباد الله، ما أحوجنا إلى رجال ربانيين؛ يرسخون فينا العقيدة الصحيحة العملية، وليست العقيدة النظرية التي ملئت بها بطون الكتب، والتي تجعل أصحابها يوالون الأنظمة الفاسدة الظالمة الموالية للكفار، الرجال الربانيين الذين يملؤوا قلوبنا بالثقة بالله عز وجل، وأنه ناصر عبده وإن كان ضعيفا، وهازم عدوه وإن كان قويا، ما أحوجنا إلى من يربينا على الاعتزاز بالله سبحانه وتعالى، والتيقن من نصر الله الذي هو حليف المؤمنين الصادقين، قال تعالى في سورة يونس: (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا؛ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 103]، وقال تعالى في سورة الروم: (فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47].

عباد الله، ان الله سبحانه وتعالى يريد أن يُثْبِت للخلق أجمعين؛ أن النصر من عنده سبحانه وتعالى، لهذا نلاحظ أن المؤمنين في بدر، في تلك الحالة الحرجة، جاءتهم سِنَة النوم ليستريحوا، وأنزل الله عليهم المطر، ليتصلب الرمل، وتثبت به الأقدام، ويكون ذلك المطر نفسه شرا على الكفار، إذ المياه أوحلت أرضهم، وجعلتهم لا يستطيعون الانتقال والتقدم، قال تعالى في سورة الأنفال: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ، وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) [الأنفال: 11].

عباد الله، لما اجتمع المسلمون واستعدوا للمعركة، نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوَّم صفوفهم، وأمرهم أن لا يبادروا أعداءهم بالهجوم حتى يأمرهم بذلك، وإن هاجمهم العدو، فليراشقوهم بالنبال، وأن لا يسلوا سيوفهم حتى يأتوهم، ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى العريش الذي هُيّء له، موجها برقية استعجالية إلى القوي العزيز الجبار المنتقم، إلى من بيده الأمر من قبل ومن بعد. رافعا يديه إلى السماء، متضرعا لخالقه  مستغرقا في الدعاء الخاشع، مستغيثا بأمداد الرحمن، وقد مكث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المعركة في صلواته ودعائه حتى كان الصباح، ولما تراءى الجمعان، جعل يكثر من الابتهال والتضرع، بعد أن شاهد قوة المشركين وكثرة عددهم، وينشد الله ما وعده به، ثم رفع يديه قائلاً: (اللهم هذه قريش؛ قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك، وتكذب رسولك، اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم الغداة).أي أهلكهم صباح اليوم، وما زال صلى الله عليه وآله وسلم يهتف بربه، مادًّا يديه، مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه وهو يناجي ربه ويتضرع إليه ويقول في دعائه: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام، فلا تعبد بعد في الأرض أبدا) فما زال يستغيث بربه ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأخذ أبوبكر  بيده وقال : حسبك يا رسول الله، لقد ألححت على ربك.

عباد الله، ما إن أتم صلى الله عليه وسلم دعاءه وتضرعه، حتى جاءه الرد على برقيته المستعجلة، وأنزل سبحانه وتعالى قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، يقوي عزائمنا في كل عصر وفي كل مصر، ويؤكد لنا أنه كما أغاث رسوله صلى الله عليه وسلم بالملائكة، قادر على أن يغيث كل جند لله في كل زمان ومكان، أرادوا إحقاق الحق وإزهاق الباطل، قال تعالى في سورة الأنفال: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 9 – 10]، سبحانك يا رب العزة والجبروت، كيف لا تستجيب لعبادك، وقد أجابوا دعوتك؟ كيف لا تغيث عبادك وكلهم يقين بنصرك؟ ألم تعدهم بالاستجابة فقلت في محكم كتابك في سورة البقرة: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].

عباد الله، هكذا خرج القائد العظيم، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، من مركز القيادة، وهو يتلو قول الله تعالى من سورة القمر: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ* بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) [القمر: 45 – 46]، أي؛ سيهزم جمع كفار “مكة” أمام المؤمنين، ويولُّون الأدبار، وقد حدث هذا يوم “بدر”، والساعة موعدهم الذي يُجازون فيه بما يستحقون، والساعة أعظم وأقسى مما لحقهم من العذاب يوم “بدر”.

عباد الله، لما حمي الوطيس، والتقت السيوف، أوحى الله إلى الملائكة، فقال سبحانه من سورة الأنفال: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [الأنفال: 12- 13].

عباد الله، بعد ذلك، منّ الله على المؤمنين بالنصر المبين، فسمي اليوم السابع عشر من شهر رمضان: “يوم الفرقان“، لأنه سبحانه وتعالى فرق فيه بين الحق والباطل، فأعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، قال تعالى في سورة آل عمران: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [آل عمران: 123]، وقال سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) [الأنفال: 7- 8].

عباد الله، إننا إذا أردنا أن نحكم على فريقين بالمقياس الرباني، لا بمقياس الكفار، أن نرى العناصر المكونة لكل فريق، كما لابد من معرفة معنوية كل فريق، فكيف سينتصر فريق عزم على الإقامة ثلاثة أيام قبل الحرب؛ على شرب الخمر، واستماع الأغاني الماجنة، والاختلاط بالجواري، وارتكاب الفواحش، وإشعال النيران، وأكل اللحوم،…إن هذا ليس هو سبيل النصر الذي هو من عند الله العزيز الحكيم، وإنما النصر يكون من قبل الفريق الذي عكف على تلاوة القرآن، والتضرع إلى الله بالدعاء، وقيام الليل، وكثرة الذكر، والثقة في الله وفي موعوده، النصر يأتي من قبل الفريق الذي يشم روائح الجنة، فيقول مثلما قال عمير بن الحُمام، فيما رواه مسلم في صحيحه، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: بَخٍ بَخٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- :« مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ ». قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِلاَّ رَجَاء أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ :« فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا ». قَالَ: فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ؛ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِى هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ. قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ.) [صحيح مسلم، باب ثبوت الجنة للشهيد، 6/44 ح 5024].

عباد الله، النصر يكون في صفوف الفريق الذي فيه الشباب، الذين يتطلعون إلى الشهادة في سبيل الله، مثل عمير بن أبي وقاص، الذي يبلغ من العمر ست سنوات فقط، والذي كان يختبئ وراء المؤمنين، خشية أن يراه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيرده لصغر سنه، وقال لأخيه الأكبر سعد بن أبي وقاص: “أخاف أن يردني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أحب الخروج لعل الله يرزقني الشهادة”، انظروا عباد الله إلى هذه الهمم العالية، الموجودة في هذه الأجسام الصغيرة، هو لا يريد شهرة ولا منصبا ولا مالا ولا فتيات، لأن القائد العظيم، والمربي الحليم، لم يربهم على ذلك، وإنما أراد الحظوة بالشهادة في سبيل الله، أراد الدار الآخرة، اشتاقت نفسه إلى النعيم المقيم، النصر يكون في وسط الصف الذي يوجد فيه شباب ربتهم أمهاتهم على الموت في سبيل الله، كعفراء التي ربت ابنيها على ذلك، فأرادا قتل رأس الطغيان والجبروت أبا جهل، وأن يموتا دونه، فقتلاه فعلا لا تمنيا، وتحقق مرادهما.

عباد الله، تعالوا بنا لننتقل من هناك إلى هنا، وما أدراك ما هنا، حيث الحرب قائمة على أشدها بين فئة قليلة مستضعفة محاصرة في غزة، فئة أرجعت لنا الثقة فيما كتبه علماء السيرة من أحداث في غزوة بدر، وتيقنا كل اليقين أن ما سبق أن ذكرناه حق لا مرية فيه، جعلت المشككين في ثوابت ديننا يخسؤون، وجعلت الأفواج من الكفار يدخلون في دين الله أفواجا، وهذه بداية النصر قبل القضاء على اليهود أحفاد القردة والخنازير.

عباد الله، ها هي الحرب قائمة على أشدها بين المسلمين واليهود، وعددنا يناهز الملياري نسمة، أما عدتنا، فقد حبانا الله المواقع الاستراتيجية، والمعابر الخطيرة، والموارد الطبيعية، والمعادن المتنوعة، ومنها الذهب الأسود الذي هو البترول، والذي هو شرايين الحياة الاقتصادية، ورغم هذا كله، يتودد حكامنا للكفار أعداء الدين، ويستعطفونهم ويطبعون معهم قصد تحقيق السلام، فيا عباد الله، أين القرآن، يا أمة القرآن؟ ألا تكفينا توجيهاته وتعليماته النورانية؟ ألم يخبرنا فيه الحق عز وجل فقال في سورة البقرة: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120]؟ وقال سبحانه وتعالى في سورة البقرة: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 217].

عباد الله، إنه لا سلام ولا تطبيع بكل أنواعه وأشكاله بيننا وبين اليهود والنصارى الذين هم جميعا ملة واحدة، إلا إذا أصبح الإسلام هو المهيمن، وهو السيد، وهو المطبق في كل مناحي الحياة، أما والحالة أن أنظمتنا الحاكمة، لا زالت تعتقد أن الإسلام هو سبب تخلف العالم الإسلامي، وأن رمضان يؤثر على المستوى الاقتصادي للبلد، وأن سلبيات رمضان أكثر من إيجابياته، وأن حجاب المرأة مجرد مظهر، وأن التعامل الربوي ضروري لا يمكن الاستغناء عنه، وأن الاختلاط بين الجنسين تقدم ورقي بالبلد، وأنه لا علاقة بين الدين والدنيا، ولا بين الدعوة والدعوة، ويبثون هذه السموم، في البرامج التعليمية، ليخدروا بها أبناءنا وفلذات أكبادنا.

عباد الله، ما دام في صفنا مثل هذه العناصر، فالنصر سيتأخر، فاعملوا عباد الله جاهدين لتطهير مجتمعتنا، والدعوة إلى الله بكل الوسائل المشروعة والمتاحة، وقولوا لكل أفاك أثيم ينعت رمضان بشتى النعوتات القادحة: إن جل انتصارات المسلمين كانت في شهر رمضان، لأن النفوس تتغير، والله ربط تغيير الواقع بتغيير ما بأنفسنا، قال تعالى في سورة الرعد: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ، وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد: 11]، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.





السابق
جاكرتا.. مظاهرات أمام سفارتي مصر والأردن تطالب بدعم غزة والمسجد الأقصى

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع