البحث

التفاصيل

الشباب المسلم ومشكلات المنهج (2)

الرابط المختصر :

الشباب المسلم ومشكلات المنهج (2)

بقلم: سعد الكبيسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

**

اقرأ: الشباب المسلم ومشكلات المنهج (1)

**

 

نستكمل معكم في هذه التدوينة الثانية بقية التحديات والمشكلات المنهجية التي تواجه الشباب المسلم.

التحديات المنهجية الفكرية والتعليمية

مع تنامي المعرفة في العالم المعاصر وغزارتها أكثر من أي وقت مضى، فإن التشتت الفكري والتعليمي والعبث المنهجي من سماته التي لا ينفك عنها، فالسيل الجارف من المعلومات يأتي في قنوات تصريف فوضوية وعبثية، فلا تثمر هذه المعرفة مع اتساعها وغزارتها علما نافعا يدفع بالشباب عامة، وبالشباب المسلم خاصة نحو البناء الإيجابي لذاته، فهي مصدر تشويش له أكثر مما هي مصدر بناء وفاعلية، فكل شيء نسبي، وكل حقيقة قد تكون مزيفة، وكل ثابت خاضع للنقاش، وهي دافع للتكاثر منها أكثر مما هي دافع للتعلم والتركيب والتحليل والنقد والاستنتاج لها، مع ضياع بوصلة اختيار التخصص الذي يشل قدراته عند الفشل فيه، ولهذا نرى غياب المنهج الفكري الذي ينتج مخرجات منسجمة بناء على مرجعية واضحة.

ومواجهة هذا التحدي إنما يكون ببلورة وتنضيج المناهج الفكرية التي تعد قاسما مشتركا للشباب المسلم، في فقه الدين وفقه الواقع، بمستوياته كافة، ووضوح المرجعية الحاكمة لهذا الفقه، من حيث الأسس والنصوص والقيم والثابت والمتغير.

مواجهة هذا التحدي إنما يكون بتنمية الجانب الروحي والإيماني والعبادي، ووضع البرامج في ذلك لتحقيق المستوى الذي يسمو من خلاله للتعالي عن الخلق السيء والقيم المزيفة والمتعة الحرام

التحديات المنهجية السلوكية

يطلق العالم المعاصر مسابقة تنافسية شرسة في الحصول على أكبر قدر من المتع والشهوات والتسلية المحرمة وغير المحرمة، ومع غياب الخطوط الحمراء في قواعد هذه المنافسة، ومع ترسيخ حرية الفرد دون قيود، ونسبية الأخلاق، وضعف العمل بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تصبح هذه المتع والشهوات ليست مجرد حق للإنسان يحصل عليه بالحلال كحق طبيعي له، وكجزء مكمل لحاجته الإنسانية، بل هي منافسة للاستكثار وجعلها هدفا بحد ذاته، يعيش المرء حياته كلها لتحقيقه، والشباب المسلم لم يعد مع سهولة الاتصال والتواصل وسبل تيسير الحرام بمنجاة عن الوقوع في حبائل هذه الشهوات.

ومواجهة هذا التحدي إنما يكون بتنمية الجانب الروحي والإيماني والعبادي، ووضع البرامج في ذلك لتحقيق المستوى الذي يسمو من خلاله للتعالي عن الخلق السيء والقيم المزيفة والمتعة الحرام، فقد وجدنا الكثير من الشباب المسلم قد يكون صحيح الفكر لكنه لم ينج من مستنقع الخطايا والآثام لضعف الجانب الروحي عنده.

مرحلة الشباب هي مرحلة الحماسة والعاطفة وربما كان الشباب في تاريخ تجارب التغيير المادة الرئيسة فيها حتى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جلهم من الشباب، وربما كان الشأن العام المتعلق بالسياسة وإدارة الدولة والمجتمع وقضايا الأمة ككل من صلب اهتمامات الشباب

التحديات المنهجية الاجتماعية

إن الأسرة هي قلعتنا الشامخة وحصننا الأخير الذي يريد العدو ضربه في مقتل دون هوادة أو تدرج، وعلاقة الشباب -في غالبيتهم- مع أسرهم عادة ما تكون ممزوجة بحالة التحدي ومحاولة التحلل من قيدها وأسرها كما يظنون، ليكون أكثر حرية وأقل رضوخا لسطوة الوالدين وعادات الأسرة في الزواج والتخصص الدراسي والعمل، وهذا الكلام يسري على الذكور كما يسري على الإناث، وإن كانت الإناث أخف حدة في ذلك من الذكور في مجتمعاتنا المسلمة.

هناك ضغط باتجاه الإباحية والحريات الجنسية والعزوف عن الزواج والمظهرية في إنشاء الأسر، ويترافق هذا كله مع مشكلات الطلاق التي تعاني منها الكثير من الأسر اليوم، وتنعكس سلبا على تربية الأولاد، ليظهر الأثر الكبير في طريقة تفكيرهم وقراراتهم في مرحلة الشباب.

ومواجهة هذا التحدي إنما يكون بالتركيز على بناء الأسرة والتأهيل في ذلك، وقبل ذلك معرفة التحديات المستجدة التي تواجهها، واستيعاب الشباب المتمرد على الأسرة النمطية التقليدية كما يزعم.

التحديات المنهجية السياسية

إن مرحلة الشباب هي مرحلة الحماسة والعاطفة وربما كان الشباب في تاريخ تجارب التغيير المادة الرئيسة فيها حتى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جلهم من الشباب، وربما كان الشأن العام المتعلق بالسياسة وإدارة الدولة والمجتمع وقضايا الأمة ككل من صلب اهتمامات الشباب، حيث لا ينتظرون التوجيهات لاستنكار ما يحدث بكل جرأة من كل ما يرونه مخالفا لما يعتقدونه ويعطون في سبيل ذلك جهودهم بل وأرواحهم، خصوصا في أوقات الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية والدينية، ومن هنا فإن غياب التشكيل المنهجي لهؤلاء الشباب، إما يجعلهم مصدرا للإصلاح المناسب للمرحلة، أو يجعلهم فريسة سهلة للاستثمار من الخطط الجهنمية الداخلية والخارجية التي تروم تصفية الحسابات بينها، أو من التطرف في عملية الإصلاح بأشكاله من التكفير والتفجير الذين يعبران عن التطرف الفكري أو السلوكي.

ومواجهة هذا التحدي إنما يكون بوضع الإطار والمنهج الضابط لنظر الشباب للسياسة والشأن العام وكيفية التعاطي معه، ورعاية خصوصيات الشعوب والبلدان وطبيعة التحديات السياسية الخاصة بكل بلد.

مواجهة هذا التحدي إنما يكون بالتوعية العميقة بالمال وطرق اكتسابه وإنفاقه منذ الصغر، وأن لا يترك الشباب فريسة للمفاهيم المشوهة التي تقول له: إن الإسلام يفضل الفقر على الغنى، أو الوعظ المطلق بالرضا بما قسمه الله

التحديات المنهجية الاقتصادية

لقد كثرت متطلبات العيش الكريم في عصرنا وكثرت المفردات التي تحقق جودة الحياة، وهذا يحتاج إلى مقومات اقتصادية للفرد قد لا يتسنى له الحصول عليها في كل وقت وحين، وخصوصا في مرحلة الشباب، والشاب الذي فرغ جيبه والذي لا يلبي حتى أدنى حاجاته الإنسانية من مأكل وملبس ومطعم وزواج سيعاني أيما معاناة وسيكون أمامه مجموعة من الخيارات:

فإما الانحراف الذي يودي به لجمع المال الحرام.

أو اختيار حالة البطالة بسبب اليأس من تحسن الوضع الاقتصادي له.

أو الصبر على طريق التكوين الاقتصادي الذاتي والطويل، والذي عادة يحتاج إلى بناء وتأهيل مادي ومعنوي معا.

وكل هذه الخيارات تترافق مع حالة من الحنق والتسخط على التدين الذي يوصيه بالصبر غير الواقعي على الفقر والزهد بفضول الدنيا على حد وصفه!

ومواجهة هذا التحدي إنما يكون بالتوعية العميقة بالمال وطرق اكتسابه وإنفاقه منذ الصغر، وأن لا يترك الشباب فريسة للمفاهيم المشوهة التي تقول له: إن الإسلام يفضل الفقر على الغنى، أو الوعظ المطلق بالرضا بما قسمه الله، مع قدرته على كسب مزيد من المال يقضي به حوائجه وحوائج الناس، وعلى عمل المشاريع النافعة لأمته، ومع ذلك كله المبادرة بإنشاء المؤسسات الاقتصادية التي تستقبله وتوظفه وتفتح له الطريق نحو الخبرة والكفاية أو الغنى.

وإلى تدوينة أخرى عن الشباب المسلم وتحديات المنهج.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 * ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.





التالي
رمضان شهر العدل والمساواة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع