البحث

التفاصيل

آداب الصيام وحُـرمة رمضان(2)

الرابط المختصر :

(سلسلة فتاوى حول الصيام في رمضان) | آداب الصيام وحُـرمة رمضان(2)

بقلم: الدكتور أحمد الإدريسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

اقرأ: (سلسلة فتاوى حول الصيام في رمضان) | الأعذار المبيحة للفطر في رمضان (1)

 

أولا: آداب المفطرين بعذر شرعي.

إضافة إلى التأدب بآداب الصائم، وكأنه صائم، وذلك بالنسبة للرجال والنساء، يلزم من أفطر بعذر شرعي ما يلي:

الالتزام بحدود الرخصة أثناء الصيام؛ حكما وأدبا ومراعاة لحرمة الشهر الكريم.

الضرورة تقدر بقدرها.

ليس من آداب شهر الصوم المجاهرة بالفطر في الأماكن العامة لمن له عذر، لأن فعله مدعاة لاستحلال عرضه، وتشجيع الذين لا يعلمون عذره على تعمد الإفطار والمجاهرة بمعصيته، والمسلم داعية إلى الله بفعله وقوله، فلا يليق به أن يكون سببا في الاعتداء على فريضة من فرائض الله، حتى لا يبوء بإثم ذلك.

المرأة التي لا يعرف من حولها أنها حائض، فإنها لا تأكل عندهم ولا تشرب؛ لأن هذا يسبب تهمتها بأنها متساهلة بأمر الله، وأنها لا تصوم رمضان.

صاحب الرخصة لا ينبغي له أن يأكل أمام الناس، وهم لا يعرفون حاله؛ بل الواجب عليه أن يختفي بذلك حتى لا يتهم في دينه.

وفي الأخير أقول وبالله التوفيق: على من شاهد المجاهر بالفطر، ولو بعذر؛ أن ينصحه بالتي هي أحسن، وأن يبين له أثر فعله على الناس.

ثانيا: سؤال؛ هل يجوز للزوجين المفطرين بعذر شرعي المعاشرة في نهار رمضان؟

رأينا أن الضرورة تقدر بقدرها، وغالبا ما لا تكون ضرورة لهذه الفعل.

وكما لا ينبغي له أن يأكل أمام الناس لأنه ينتهك حرمة رمضان بين الناس، فلا ينبغي له أن يجامع أهله؛ لأنهما ينتهكان حرمة رمضان في نفسيْهما، وبينهما وبين الله تعالى. ولا يليق به كذلك أن يكون سببا في الاعتداء على فريضة من فرائض الله، وحتى لا يشارك الاثم مع من يعتدي على فريضة من الفرائض.  والله أعلم.

ثالثا: الخطأ والنسيان وما شابه ذلك.

1- تذكير بالحديث الشريف:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه)[1].

2- من النوازل المرتبطة بالخطأ والسهو والنسيان، نسجل ما يلي:

حكم من أفطر ظانًا غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر

حكم صوم من أكل أو شرب شاكًا في طلوع الفجر.

حكم من أفطر قبل غروب الشمس والجو غائم؟

الجواب: من أفطر قبل غروب الشمس والجو غائم، فعليه أن يمسك حتى تغيب الشمس، وعليه القضاء عند الجمهور، ولا إثم عليه إذا كان إفطاره عن اجتهاد وتحر لغروب الشمس، كما لو أصبح مفطرًا في يوم الثلاثين من شعبان، ثم ثبت أنه من رمضان في أثناء النهار فإنه يمسك ويقضي عند الجمهور.

ومن أكل أو شرب شاكًا في طلوع الفجر فلا شيء عليه، وصومه صحيح؛ ما لم يتبين أنه أكل أو شرب بعد طلوع الفجر؛ لأن الأصل بقاء الليل، والمشروع للمؤمن أن يتناول السحور قبل وقت الشك احتياطًا لدينه وحرصًا على كمال صيامه. أما من أكل وشرب شاكًا في غروب الشمس.

أما إذا أكل بعد طلوع الفجر بطل صومه، ووجب عليه القضاء؛ لقول الله سبحانه: “وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفجر”.

3- ترد مجموعة من الأسئلة فيها شُـبُهات، ومنها:

* حكم من أكمل سحوره وشرب ماءه وقت الأذان وهو يعلم.

* حكم أكل السحور عند بدء أذان الفجر وهو يعلم.

* حكم الأكل والشرب أثناء الأذان، وقد سمعه في رمضان أو القضاء أو الكفارة؟

الجواب على مثل هذه الأسئلة:

الواجب على المسلم أن يمسك عن المفطرات من الأكل والشرب وغيرهما، إذا تبين له طلوع الفجر، خاصة كان الصوم فريضة، كرمضان والقضاء وكصوم النذر والكفارات؛ قال تعالى: “وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَد” (البقرة:187).

قال الإمام النووي رحمه الله: (ومن طلع الفجر وفي فيه (فمه) طعام فليلفظه ويتم صومه، فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه، وهذا لا خلاف فيه، ودليله حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ بِلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوم”. رواه البخاري ومسلم. وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْه”. فهذا وإن صح؛ محمول عند جمهور العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم علم أنه ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر. فيكون خبرا عن الأذان الثاني، ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِه”؛ خبراً عن النداء الأول، ليكون موافقا لحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم. قال: وعلى هذا تتفق الأخبار. وبالله التوفيق، والله أعلم)[2].

وقال ابن القيم رحمه الله: (وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى اِمْتِنَاع السُّحُور بِطُلُوعِ الْفَجْر, وَهُوَ قَوْل الأَئِمَّة الأَرْبَعَة , وَعَامَّة فُقَهَاء الأَمْصَار , وَرَوَى مَعْنَاهُ عَنْ عُمَر وَابْن عَبَّاس. وَاحْتَجَّ الأَوَّلُونَ بِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن اِبْن أُمّ مَكْتُوم, وَلَمْ يَكُنْ يُؤَذِّن إِلا بَعْد طُلُوع الْفَجْر”، -رواه الإمام الْبُخَاري- وَفِي بَعْض الرِّوَايَات؛ “وَكَانَ رَجُلا أَعْمَى لا يُؤَذِّن حَتَّى يُقَال لَهُ : أَصْبَحْت أَصْبَحْت، وَاحْتَجَّ الْجُمْهور بقوله تعَالى: “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الأَسْوَد مِنْ الْفَجْر”، وَبِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن اِبْن أُمّ مَكْتُوم”. وَبِقَوْلِهِ: “الْفَجْر فَجْرَانِ، فَأَمَّا الأَوَّل فَإِنَّهُ لا يُحَرِّم الطَّعَام ، وَلا يُحِلّ الصَّلاة، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ يُحَرِّم الطَّعَام، وَيُحِلّ الصَّلاة” -روَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنه-)[3].

وأما من خالف الجمهور، فقد استدل بأحاديث وآثار منها:

عن ابن عباس قال: (أحل الله الشراب ما شككت، يعني في الفجر).

أورد ابن حزم رحمه الله جملة من الآثار، ومنها؛ أن عمر بن الخطاب كان يقول: إذا شك الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا. وعن مكحول قال: رأيت ابن عمر أخذ دلوا من زمزم وقال لرجلين: أطلع الفجر؟ قال أحدهما: قد طلع، وقال الآخر: لا ; فشرب ابن عمر. قال ابن حزم معلقا على الحديث المسئول عنه وجملة من الآثار المشابهة: “هذا كله على أنه لم يكن يتبين لهم الفجر بعد، فبهذا تتفق السنن مع القرآن”)[4].

إذن الأولى والأحوط الأخذ برأي الجمهور؛ لأن أكثر المؤذنين اليوم يعتمدون على الساعات والتقاويم، لا على رؤية الفجر، وهذا لا يعتبر يقينا في أن الفجر قد طلع، فمن أكل حينئذ، فصومه صحيح، لأنه لم يتيقن طلوع الفجر ، لكن الأولى والأحوط أن يمسك عن الأكل.

وكذلك؛ من كان داخل المدن التي فيها الأنوار الكهربائية لا يستطيع أن يعلم طلوع الفجر بعينه وقت طلوع الفجر. وإن كان لا يعلم حال المؤذن هل أذن قبل الفجر أو بعد الفجر، فإن الأولى والأحوط له أن يمسك إذا سمع الأذان، ولا يضره لو شرب أو أكل شيئا حين الأذان لأنه لم يعلم بطلوع الفجر. لذلك عليه أن يحتاط بالعمل بالأذان والتقويمات التي تحدد طلوع الفجر بالساعة والدقيقة، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُك”، وقوله عيه السلام: “مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ”.

فإذا سمع الأذان وعلم أنه يؤذن على الفجر فعليه الإمساك؛ وجوبا أو احتياطا.

رابعا: ما يتعلق بآداب الصيام.

الصيام عبادة من أفضل القربات، شرعه الله تعالى ليهذب النفس، ويعودها الخير. فينبغي أن يتعفف الصائم من الأعمال التي تخدش صومه، حتى ينتفع بالصيام، وتحصل له التقوى التي ذكرها الله في قوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون”.

وليس الصيام مجرد إمساك عن الأكل والشرب، وسائر ما نهى الله عنه. فعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)[5]. وعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم.. إني صائم)[6].

ومن النوازل التي تكثر في آداب الصيام:

هل يجوز للصائم وضع العطور ووضع الكحل؟

الجواب: يجوز، لكنه مكروه كراهة تنزيه.

حكم استعمال معجون الأسنان، واستعمال السِّواك؟

الجواب: تنظيف الأسنان بالمعجون أو السواك لا يفطر به الصائم، وعليه التحرز من ذهاب شيء منه إلى جوفه، فإن غلبه شيء من ذلك بدون قصد فعليه القضاء.

حكم المضمضة والاستنشاق في نهار رمضان، وتذوُّق الطعام؟

الجواب: فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً، أمر بإسباغ الوضوء ثم قال: “وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما”.

وكذلك الأمر بالنسبة لـتذوُّق الطعام. والله أغلم.

خامسا: آثار الجنابة على صيام رمضان والقضاء والكفارات.

– حكم صيام مَن أدركه الفجر وهو جُنُب؟

– حكم من يتعذر عليه الغسل لمرض أو ما شابه ولأيام من الصيام؟

الجواب: لا شيء عليه، وعليه أن يجتهد ويتحرى أول فرصة للغسل من الجنابة.

– من جامع أهله في آخر الليل، ثم أصبح قبل أن يغتسل؟

الجواب: لا حرج، وصومه صحيح، والله أعلم، فقد ورد عن النبي ﷺ، أمه كان يأتي أهله ثم يصبح جنبا، ويغتسل عليه السلام بعد الصباح.

والحمد لله رب العالمين.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – حديث حسن رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما.

[2] – المجموع، للإمام النووي، ج:6/ص:333.

[3] – تهذيب السنن، لابن القيم.

[4] – المحلى، لابن حزم. ج:4/ص:367.

[5] – رواه النسائي وابن ماجه وغيرهما.

[6] – رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.

 * ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.





البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع