البحث

التفاصيل

من فقه الصيام: الصيام…أحكام ومسائل

الرابط المختصر :

من فقه الصيام: الصيام…أحكام ومسائل

بقلم: د. عبدالله بن محمد عبدالله الخديري 

 

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على نبينا محمد وصحابته اجمعين وبعد 

فسنتكلم بشكل سريع مختصر ونشير اشارات خشية الاطالة عن احكام الصيام الاصلية واهم مسائله المعاصرة 

فنقول وبالله التوفيق ومنه نستمد العون. 

* الصيام لغة: الإمساك. 

وشرعا: الامساك والامتناع عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر حتى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله تعالى.

- وله ركنان النية والامساك. 

فأما النية فيقصد بها وجه الله تعالى؛ لأن بالنية تتميز العبادات عن بعضها وعن غيرها.

لقوله صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين- " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.."

وأما الإمساك لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ).

والمقصود بالخيط الابيض والاسود بياض النهار وسواد الليل كما في الصحيح. 

واما حكمه: فهو ركن من أركان الإسلام معلوم من الدين بالضرورة، ثابت بالكتاب والسنة واجماع الامة ولذلك فإن من ينكر فرضية صوم رمضان، أو يستخف بها، او يشكك فيها -عالما بوجوبها- فإنه يكون بذلك مرتدا عياذا بالله، ويعذر الجاهل إذا كان حديث عهد بإسلام او نحوه على تفصيل في مكانه.

-وقد فرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ولذلك توفي النبي- صلى الله عليه وسلم – وقد صام تسع رمضانات.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها، تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة، لما توطّنت النفوس على التوحيد والصلاة، وألفت أوامر القرآن، فنقلت إليه بالتدريج.

وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات" ا.هـ 

وكان فرضه على ثلاث مراحل:

- المرحلة الأولى:

التخيير بين الصوم، أو الإفطار مع إطعام مسكينٍ عن كل يوم.

لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)،

وروى البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال "لما نزلت: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) كان من أراد أن يفطر يفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها".

المرحلة الثانية: إلزام المستطيع بالصوم، ورفع التخيير.

قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

قال سلمة ابن الاكوع كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين، حتى أنزلت هذه الآية: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).

وروى البخاري بسنده الى ابن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)، وعلى هذا قراءة الجمهور (يُطِيقُونَهُ) أي يقدرون عليه؛ لأن فرض الصيام هكذا: من أراد صام ومن أراد أطعم مسكينا. 

والحديث علقه الامام البخاري في صحيحه بصيغة الجزم. 

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "التخيير في الصوم في أول الإسلام بين الإطعام وبينه، لما كان غير مألوف لهم ولا معتاد، والطباع تأباه؛ إذ هو هجر مألوفها ومحبوبها، ولم تذق بعد حلاوته وعواقبه المحمودة وما في طيه من المصالح والمنافع، وخيّرت بينه وبين الإطعام، وندبت إليه.

فلمّا عرفت علّته وألفته، وعرفت ما ضمنه من المصالح والفوائد: حُتِم عليها عينا، ولم يقبل منها سواه.

فكان التخيير في وقته مصلحة، وتعيين الصوم في وقته مصلحة، فاقتضت الحكمة البالغة شرع كل حكم في وقته؛ لأن المصلحة فيه في ذلك الوقت" انتهى. 

المرحلة الثالثة: كان الصائم في بداية فرض الصوم إذا نام بعد غروب الشمس، ولم يفطر: حرم عليه الأكل والشرب والجماع إلى الليلة التالية.

ثم نسخ هذا الحكم، فشرع للصائم أن يأكل ويشرب، ويجامع أهله في الليل، في أي ساعة شاء، قبل نومه أو بعده.

حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء - رضي الله عنه - قال: كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الرجل صائمًا فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يُمسي وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك وكان يومه يعمل فغلبته عيناه فجاءته امرأته فلما رأته قال: خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) ففرحوا بها فرحًا شديدًا ونزلت: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) صحيح البخاري. 

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وكان للصوم رتب ثلاث، إحداها: إيجابه بوصف التخيير.

والثانية: تحتمه، لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يطعم، حرم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة، فنسخ ذلك بالرتبة الثالثة، وهي التي استقر عليها الشرع إلى يوم القيامة".

ثم شرع سائر تطوع الصيام شيئا فشيئا، كما هي سنّة التشريع.

- ويثبت دخول شهر رمضان بأحد أمرين، إما برؤية الهلال او بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما 

وكذلك بقية الشهور نفس الشيء.

فإذ تراءى الناس الهلال ليلة الثلاثين، ولم يروه لزمهم إتمام الشهر، ولذلك كان ترائي الهلال من واجبات الكفاية.

والرؤية البصرية هي الاصل في رؤية الهلال، وهو عمل السلف والخلف، ولا بأس بالاستعانة بالحسابات الفلكية وبالمراصد إلا أنا نفضل الاعتماد على الرؤية البصرية عملًا بالاصل ولأنها بعيدة عن التكلف "صوموا لرؤيته...". 

- ويكفي لثبوت رؤية الهلال شهادة عدل واحد. 

- إذا رؤي الهلال في بلد دون بقية البلاد، فلا يزال العلماء مختلفين في هذه المسألة بناء على اختلاف المطالع وجعل بعضهم مسافة القصر هي الفيصل في القرب والبعد والكلام كثير مبسوط في مكانه، لكننا نقول ان لكل بلد مطلعه عملا بالاصل وهي قاعدة "صوموا لرؤيته.." ولا شك ولا ريب قديما وحديثا أن المطالع كانت وما تزال مختلفة عن بعضها بسبب بعد المسافات. 

- حكم صوم رمضان:

صوم رمضان واجب على المسلم البالغ العاقل المقيم الصحيح، وحرام على الحائض والنفساء، ومكروه في حق المسافر إذا كان الصوم يضعفه، ومستحب في حق الصبيان.

- يسن للصائم تعجيل الفطر، إذا تحقق من غروب الشمس لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" خرجه الشيخان. 

- الافضل للصائم وهي السنة ان يفطر على هذا الترتيب: 1- رطبات فإن لم يجد ف 2- تمرات فإن لم يجد فعلى ماء؛ لحديث أنس: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر على رُطَبات، فإن لم يجد أفطر على تمرات، فإن لم يجد حَسَوات من ماء" يفطر قبل ان يصلي. 

- يسن أن يقال عند الإفطار ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله".

- السنة تأخير السحور، والحكمة في ذلك حتى يكون عونا على الصيام؛ فقد تسحر النبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت، فلما فرغا من سحورهما، قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فصلى، قلنا لأنس كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية.

- واما فضله فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "تسحروا فإن في السحور بركة" خرجه البخاري. 

والبركة في السحور تحصل بأشياء عديدة منها: التقوى به على العبادة، والزيادة في النشاط، واتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام.

- والبلوغ يحصل بواحد من ثلاثة بالنسبة للذكر: إتمام خمس عشرة سنة وإنبات العانة، وإنزال المني بشهوة، وللأنثى بأربعة أشياء هذه الثلاثة السابقة ورابع، وهو الحيض، فإذا حاضت فقد بلغت حتى ولو كانت في سن العاشرة.

- ومن كان جنونه متقطعا فعليه الصيام في المدة التي يعود عقله إليه فيها فقط.

- ومن أصيب بإغماء، أو غيبوبة مرضية، أو كان يعيش تحت أجهزة الإنعاش الصناعي، أو كان مغيب العقل بالبنج كالمرضى الذين يخضعون للعمليات الجراحية، فجمهور العلماء يوجبون عليهم قضاء ما فاتهم من رمضان وقت كان عقلهم غائبا، وبعض الفقهاء يرى أن ذلك ليس واجبا عليهم؛ لأنهم ساعتها لم يكونوا مكلفين، وهناك رأي وسط وهو أن الإغماء الطويل لا تكليف معه، وأما القصير الذي لا يزيد عن اليومين فهو لا يرفع التكليف، وهذا رأي سديد.

- ومن بلغ به الكبر حدّ الخَرَف فلا يجب عليه الصيام لسقوط التكليف، فإن كان يميز أحيانا ويهذي أحيانا وجب عليه الصوم حال تمييزه ولم يجب حال هذيانه. 

- واما الحائض والنفساء إذا طهرتا أثناء نهار رمضان فيستحب لهما الإمساك ساعة الطهر مراعاة لحرمة الشهر، ومن استخدمت علاجاً ليرفع حيضها لتنعم بالصيام فلا بأس بشرط أن لا يكون في ذلك ضرر عليها. 

- وصفة الحيض دم اسود معروف بغلظه ونتن رائحته، وما سواه من إفرازات بنية أوترابية أو كدرة أو صفرة أو غيرها فليس من الحيض سواء أكان ذلك قبل الحيض أم بعده على الصحيح، وفي المسألة اختلاف كثير. 

- والنزيف المهبلي هو استحاضة لا يمنع الصوم ولا يأحذ أحكام الحيض. 

- والنفساء متى انقطع عنها الدم انقطاعا لا رجعة بعده فقد أصبحت طاهرا ولو بعد الولادة بساعة.

- والفطر في حق المسافر رخصة إن شاء أفطر وإن شاء صام، حتى وان سافر بالطائرة فيجوز له الفطر، لكني أفضل له الصيام إذا لم يجد مشقة ونحوها. 

- ومن سافر صائما وعلم أنه سيصل إلى بلده قبل الغروب، فقد ذهب جمهور العلماء الى جواز الفطر له، على تفصيل في مكانه.

- ومن عزم على السفر في رمضان صبيحة يومه فلا ينوي الفطر حتى يسافر بالفعل؛ فقد يعرض له ما يمنعه من السفر.

- السفر المبيح للفطر هو نفس السفر المجيز للقصر، وعليه فإن الجمهور لم يجوزوا الفطر إلا حيث جاز له القصر وهو مجاوزة البنيان، وهذا هو الأقوى والأحوط. 

-وقصر الصلاة إذا فارق بنيان البلد قصر، ولا يقصر قبل مفارقتها وإن فارق منزله وبهذا قال ابو حنيفة ومالك وأحمد وجماهير العلماء.

- صالة المغادرة في المطارات الجوية والموانئ البحرية لها حكم السفر فيجوز للانسان الترخص برخص السفر من حيث الجملة على تفصيل.

- ومن أصبح السفر عادته مثل: (أصحاب سيارات الأجرة والطيارين والملاحين) جاز لهم الفطر حتى لو كان سفرهم يوميا، وعليهم القضاء، فإذا كان واحد من هؤلاء ليس له بلد يأوي إليه، كالملاح الذي معه في سفينته امرأته وجميع مصالحه فلا يرخص له حينئذ في الفطر.

- الصيام واختلاف المواقيت بالنسبة للبلاد التي يضطرب فيها أوقات الليل والنهار ، فهي على ثلاثة أحوال:

- الأولى: البلاد التي يستمر فيها الليل أو النهار أربعًا وعشرين ساعة، ففي هذه الحالة تقدَّر وتقاس مواقيتُ الصلاة والصِّيام وغيرهما على توقيت أقرب بلدٍ لها فيكون حكمها حكم تلك البلد. 

- الثانية: البلاد التي لا يَغيب فيها شفق الغُروب حتّى يطلع الفجر، بحيث لا يتميّز شفق الشروق من شفق الغروب، ففي هذه الجهات يقدَّر وقت العِشاء الآخرة والإمساك في الصوم وقت صلاة الفجر، بحسَب آخر فترة يتمايَز فيها الشَّفَقان.

- الثالثة: البلاد التي يظهر فيها الليل والنّهار خلال أربع وعشرين ساعة وتتمايَز فيها الأوقات، إلا أنّ الليل يطول فيها في فترة من السنة طولاً مُفْرِطًا، ويطول النهار في فترة أخرى طولاً مُفرِطًا. 

ومَن كان يقيم في هذه البلاد، وَجَبَ عليه أن يُمسك كلّ يوم عن الطعام والشّراب وسائر المُفْطِرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس حالهم كحال بقية البلاد الطبيعية مادام النهار يتمايز عندهم عن الليل.

- ومَن عَجَز عن إتمام صوم يوم لطوله، أو عَلِمَ بالأمَارات، أو التَّجرِبة، أو إخبار طبيب أمين حاذِق، أو غلب على ظنِّه أن الصوم يُفضي إلى مرضه مرضًا شديدًا، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطءِ بُرْئِه، أفطرَ ويقضِي الأيام التي أفطرَها في أي شهر تمكَّن فيه من القضاء.

- ومن أدركه العيد في بلده فسافر بلدا فوجد أنهم لا يزالون صائمين بسبب طول شهر رمضان عندهم فالاصح انه يمسك بقية اليوم، وهناك خلاف في المسألة، وفي قول لا يجب الامساك معهم بل يفطر.

- وكذلك من سافر بعد الغروب فوجد الشمس في البلد التي سافر إليها لم تغرب بعد فلا يجب عليه أن يمسك.

- ومن بدأ صيام رمضان في دولة ما ثم سافر إلى أخرى فجاء عليه العيد وكان مجموع ما صامه في البلدين أقل من تسعة وعشرين يوما فعليه أن يفطر مع المسلمين في يوم العيد، ثم عليه بعد العيد أن يتم ما فاته ليكون مجموع ما صامه تسعة وعشرين يوما؛ فإن الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين يوما. -راكب الطائرة متى عرف طلوع الفجر في سماء البلد الذي هو فيه فعليه أن يمسك، ثم له أن يفطر إذا حل عليه الغروب في أية لحظة حتى لو كان مجموع صيامه في ذلك اليوم أقل من خمس ساعات، وحتى لو كان مجموع صيامه أكثر من عشرين ساعة، فالعبرة بميقات البلد الذي هو فيه، وتحديدا بميقات الجو لا الأرض.

- يجوز الترخص بقول الطبيب غير المسلم إذا كان كفؤا مشهورا بالصدق، خصوصًا في بلاد الغرب. عملًا بقاعدة " المشقة تجلب التيسير".

- وإذا تحامل المريض فصام أجزأه، وقد يكره ذلك إذا كان المرض شديدا، ويحرم إذا كان الصيام مع المرض مهلكا.

- ومن كان مريضا فله أن ينوي الفطر من الليل، ولا يضره احتمال تعافيه نهارا؛ لأن الأصل أنه مريض. -وإذا عرف من نفسه أو من الطبيب أن الصيام يسبب له الإغماء فله أن يفطر، وعليه القضاء كما قرره العلماء. 

- ومن أغمي عليه أثناء النهار ثم أفاق قبل الغروب أو بعده فصيامه صحيح مادام قد صام جزءً من النهار، وإذا طرأ عليه الإغماء من الفجر إلى المغرب فالجمهور على عدم صحة صومه؛ لأنه شامل لجميع النهار.

- الشيخوخة والكبر والأمراض المزمنة إذا بلغت بالإنسان مبلغًا بحيث لا يستطيع الصيام بسببها فيرخص له في الفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا، والفدية تكون طعاما او نقدا على التيسير.

ومقدار ذلك {كيلو ونصف تقريبا} من جنس ما يأكل.

- وإذا أعسر المريض الذي افطر في نهار رمضان ولم يستطع اطعام مسكين؛ فإن الإطعام يسقط عنه؛ لأنه لا واجب مع العجز، لعموم قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) وقوله: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" والإطعام هنا ليس له بدل. ويمكننا ان نلحق بهذه الفئة أصحاب الأعمال الشاقة الذين لا يحتملون الصيام معها، كعمال الافران والمناجم ونحوهم ممن لا يجدون فرصة للقضاء، فهؤلاء يفطرون، وإذا سنحت لهم فرصة في القضاء؛ فعليهم ذلك وإلا أطعموا مسكينا عن كل يوم.

- يجوز للعمال والخبازين والطباخين ونحوهم -الذين يباشرون هذه الأعمال في نهار رمضان- تذوق الأطعمة والمشروبات، بمعنى وضعها في الفم فقط للتعرف على الطعم والتأكد من مقادير المواد المضافة إليه كالملح أو السكر، أو لمعرفة إذا كان قد تم إنضاجه أم لا، ثم عليهم لفظها وإذا سقط شيء من هذه الأطعمة أو المشروبات إلى الحلق رغما عن صاحبه بعد توقيه الحذر فلا يؤثر على الصيام. 

- يجوز للحامل او المرضع -اذا تعبت وخافت على صحتها- الفطر والقضاء بعد ذلك، او خافت على جنينها فيجوز لها الفطر ويمكنها القضاء والاطعام بعد ذلك على خلاف في المسألة ليس محل بسطه هنا.

-قضاء رمضان واجب ويكون على الفور او التراخي بحسب القدرة بدليل أن عائشة رضي الله عنها كانت تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان.

-والتطوع قبل القضاء محل خلاف، والراجح عندي أنه يبدأ بالقضاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر" وإذا لم يصم بعض الايام التي افطرها في رمضان فكيف يتبعه ستًا من شوال.

- ومن مات وعليه صوم صام عنه وليه كما في الصحيحين. 

- وقد تترك الحائض والنفساء قضاء ما عليهما سنوات طويلة حتى يتراكم عليهما أيام كثيرة، إما ضعفًا ومرضًا او تكاسلًا وتشاغلا. فأما من أخرت القضاء لمرض او ضعف او جهل فلا إثم عليها، ويجب عليهن جميعا القضاء.

- هناك امور كثيرة معاصرة ليست من المفطرات في مجال التداوي، وقد تكلمنا عنها قبل عامين في صفحتنا على تويتر بشكل تغريدات مبسطة او في فتاوينا المتلفزة، وسنذكرها هنا على سبيل الاجمال لمن فاته ذلك حتى تُحفظ، ومنها:

1– قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو غسول الأذن، أو قطرة الأنف، أو بخاخ الأنف، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

 2 – الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. 

3 – ما يدخل المهبل – فرج المرأة من تحاميل، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي.

 4 – إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم.

 5 – ما يدخل الإحليل – أي مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى – من قسطرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة.

 6 – حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

7 – المضمضة، والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. 

8 – الحقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية، باستثناء السوائل والحقن المغذية. 

9 – غاز الأكسجين. 

10- غازات التخدير (البنج) ما لم يعط المريض سوائل (محاليل) مغذية.

11- ما يدخل الجسم امتصاصًا من الجلد كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية.

 12- إدخال قسطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب أو غيره من الأعضاء.

 13- إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها. 

14- أخذ عينات (خزعات) من الكبد أو غيره من الأعضاء ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل. 

15- منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل (محاليل) أو مواد أخرى. 

16- دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي. 

17- القيء غير المتعمد، وعلى الطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل ما لا يضر تأجيله إلى ما بعد الإفطار.

18- التبرع بالدم سواء للمنقول منه، أو المنقول إليه.

19- قطرة وبخاخ الربو.

20- الحقن المستعملة في علاج الفشل الكلوي. 

21- منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل. 

22- الحجامة، والاحتلام وارتجاع المري وهو ما تقذفه المعدة عند امتلائها – خارج من الحلق ما لم يتعمد رده. 

 23- الدم الخارج من الأسنان أو الجوف، ما لم يتعمد بلعه.

24- المضمضة إذا دخلت الحلق من غير تعمد. 

25- الكحل – وإن بلغ إلى الحلق نهارًا أو ليلاً – بعقاقير أو بغيرها.

26- غبار طحن، أو غربلة دقيق، أو حناء، أو غير ذلك أو عطر، أو حنظل، أو أي شيء كان كالذباب يدخل الحلق بدون تعمد. 

27- مضغ طعام – حتى يستسيغه الطفل – أو ذوقه، ما لم يتعمد بلعه.

28- مداواة جرح الرأس.

29- طعام وجد سابقا بين الأسنان؛ فلا يضر.

30- السباحة في الماء، سواء كان بحرا او نهرا او حوضا صغيرا او بركة وسواء قصد بها التبريد او النظافة. 

31-ولا يفطر بابتلاع ريقه ولو كثر، والنخامة (البلغم والمخاط) لا تفطر كما هو المعتمد عند المالكية، ولكنه مستقذر الا لضرورة كمن لا يقدر على دفعه لسبب من الاسباب الصحية مثلا. 

32-وإذا ابتلع ما علق بين أسنانه بغير قصد أو كان قليلا يعجز عن تمييزه ومجّه فهو تبعا للريق ولا يفطّر، فإذا كان في لثته قروح أو دميت بالسواك فلا يجوز ابتلاع الدم وعليه إخراجه.

33- واستنشاق بخار الماء كالطباخ مثلا او العاملين في محطات تحلية المياه لا يضرّ صومهم بشرط عدم تعمد ذلك. 

34- ويجوز للصائم الجنب -سواء كانت جنابة من جماع او احتلام- الغسل إلى الصباح فلا يفطر بذلك، ولكن عليه أن يبادر بالغسل ليدرك صلاة الفجر.

35- الاحتلام في نهار رمضان لا يفسد الصيام، فقط عليه الاغتسال وصومه صحيح. 

36- ومن أكل أو شرب ناسيا فقد أطعمه الله وسقاه كما في الصحيح، ولا إثم عليه ولا قضاء ولا كفارة سواء أكان صوم فريضة أو نافلة.

37- ومن ظن أن الشمس غربت فأفطر فبان خطؤه فالجمهور على أن عليه القضاء، والراجح أنه لا قضاء عليه.

38- ومن تسحر وهو يظن أن الفجر لم يطلع فبان خطؤه فلا قضاء عليه، وإن كان الجمهور يوجبون القضاء في الحالتين. 

39- ومن جامع ناسيا فلا يفطر إلحاقًا بمن أكل وشرب ناسيًا بجامع النسيان بينهما. 

40- ومن اتى مفطراً من مفطرات الصيام جاهلا فلا يفسد صومه ويجب على المسلمين تعليمه لذلك.

41- ومن أكره على عمل ما يفطر فالراجح أنه لا يفطر خلافا للجمهور؛ لانه مكره فهو في حكم العاجز ونحوه، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" حديث حسن. 

42-والدم الخارج من اللثة لا يفطر الصائم مالم يتعمد ابتلاعه.

واما الحقن المغذية مثل الجلوكوز فإنها تفطر. وضابط ما يفطر الصائم من المفطرات الاختيارية هو الطعام والشراب وما في معناهما، والدواء المأخوذ من طريق الفم، والجماع.

تذكير مهم

المعاصي تنقص ثواب الصيام، بل ذهب بعض العلماء ومنهم الامام الاوزاعي الى بطلان صوم العاصي وأن من ارتكب معصية في صومه فعليه القضاء، وهو ظاهر ما روي عن بعض الصحابة والتابعين، وأيد هذا ابن حزم من الظاهرية. 

وهذا التخويف والتهويل من شدة تأثير المعصية على الطاعة عندهم إذ أنها تذهب حلاوة الطاعة وروحانيتها وجوهرها، وان كنا نرى نقصان الثواب وليس البطلان، وهو قول الجمهور.

وكفى تخويفا في هذا كله قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".

اللهم وفقنا وجميع المسلمين والمسلمات للصيام والقيام إيمانًا واحتسابا، وتقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال وفرج عن اخواننا المستضعفين في كل مكان واحقن دماء المسلمين وانصرهم على القوم الكافرين.. آمين آمين. 

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين

 

ـــــــــــــــــــــ

* د. عبدالله بن محمد عبدالله الخديري: عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأستاذ الفقه والقضايا المعاصرة.

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.





التالي
متظاهرون مؤيدون للقضية الفلسطينية لمبنى صحيفة نيويورك تايمز احتجاجاً على انحيازها لإسرائيل في الحرب على غزة
السابق
الرئيس والأمين العام يلتقيان مع أعضاء الاتحاد المقيمين في تركيا للتشاور حول التحديات ودعم غزة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع