البحث

التفاصيل

الأعذار المبيحة للفطر في رمضان (1)

الرابط المختصر :

(سلسلة فتاوى حول الصيام في رمضان) | الأعذار المبيحة للفطر في رمضان (1)

بقلم: د. أحمد الإدريسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

أولا: تقديم:

يتساءل كثير من الناس عن الأعذار التي تبيح الفطر في رمضان، مُباحات الصيام ومبطلاته، كما يتساءلون: هل يجوز الأخذ برخصة الإفطار في رمضان بالنسبة لعدد من الحالات.

وقبل التفصيل في هذه القضايا، يجمل بنا أن نذكر ببعض أحكام الصيام، وبالأعذار المبيحة للفطر في رمضان، مع بيان آراء الفقهاء في هذه الأحكام. وبالله التوفيق.

ثانيا: أحكام الصيام:

1- شروط الصيام: لا بُدّ من توفُّر عددٍ من الشروط في الصيام؛ ليجبَ على المسلم، ويصحَّ منه، وبيان هذه الشروط آتياً:

- شروط الوجوب: وهي الشروط التي يجب بتحقُّقها الصيام على العبد، وهي: الإسلام. البلوغ. العقل. الاستطاعة والقدرة على الصيام.

- شروط الصحّة: وهي الشروط التي لا يصحّ الصيام إلّا بها، وهي:

* النيّة: وهي شرط صحّةٍ للصيام عند جمهور العلماء، وذهب بعض الشافعيّة والمالكيّة بأنّها رُكنٌ لا شرطٌ.

* الطهارة من الحيض والنفاس؛ فلا يصحّ صيام المرأة الحائض، أو النفساء، ويجب عليهما القضاء.

2- فرائض الصيام:

تعدّدت أقوال الفقهاء في تحديد أركان الصيام، وبيان أقوالهم فيها آتيا:

- القول الأوّل: قال الحنفيّة، والحنابلة بأنّ للصيام رُكناً واحداً؛ وهو الإمساك عن المُفطِرات.

- القول الثاني: قال المالكيّة بأنّ للصيام ركنَين، وهما: النيّة، والإمساك عن المُفطِرات.

- القول الثالث: قال الشافعيّة بأنّ للصيام ثلاثة أركانٍ يلتزمها، وهي: النيّة، والإمساك، والصائم.

3- سُنَن الصيام:

يُستحسَن للمسلم اتِّباع هَدْي النبيّ عليه الصلاة والسلام في الأمور كلّها؛ لِما في ذلك من الأجر والبركة العائدة عليه، وعملاً بقَوْل الله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، وللصيام عدّة سُنَن واردة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يُذكَر منها:

* السَّحُور؛ فقد قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: (تَسَحَّرُوا فإنَّ في السَّحُورِ بَرَكَةً)،

وأفضل السَّحُور التمر؛ لِما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه من أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: (نِعم سَحورُ المؤمنِ التَّمرُ). ويُسَنّ تأخير السَّحُور قَدر المُستطاع.

* تعجيل الإفطار، وأن يكون على رُطَبٍ، وإلّا على تَمرٍ، وإلّا فعلى ماءٍ؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يُفطِرُ علَى رُطَباتٍ قبلَ أن يصلِّيَ فإن لم تكن رُطَباتٌ فعلى تَمراتٍ فإن لم تَكُن حَسا حَسَواتٍ مِن ماءٍ)،[١٦] وورد عن ابن عمر رضي الله عنهما: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا أفطرَ قالَ ذَهَبَ الظَّمأُ وابتلَّتِ العُروقُ وثبَتَ الأجرُ إن شاءَ اللهُ).

* الإكثار من الطاعات والأعمال الصالحة، والمُداومة عليها، والحرص على قراءة القرآن، والذِّكْر، وسَدّ حاجات الناس، والمُسارعة في التوبة. الإعراض عن المُشاحَنات؛ عَملاً بوصيّة الرسول عليه الصلاة والسلام: (فإن سابَّك أحدٌ أو جهِل عليك فقل: إني صائمٌ، إني صائمٌ لا تُسابِّ وأنت صائمٌ).

* تفطير الصائمين؛ لِما في ذلك من عظيم الأجر؛ قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: (من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجرِه، غير أنه لا ينقُصُ من أجرِ الصائمِ شيءٌ).

4- مُباحات الصيام: أباح الشرع عدّة أمورٍ في نهار رمضان، ومن ذلك:

* يُباح تأخير الغُسل من الجنابة وتأخيره إلى طلوع الفجر بإجماع العلماء؛ استدلالاً بما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها أنّها قالت: (كان رَسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وهو جُنُبٌ مِن أهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، ويَصُومُ)

ويُقاس على ذلك الحيض، والنفاس. تُباح المضمضة والاستنشاق للصائم، وتُكرَه المبالغة فيهما؛ فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: (وبالغْ في الاستنشاقِ، إلا أن تكونَ صائمًا).

* تُباح مُقدِّمات الجِماع لِمَن يستطيع امتلاك نفسه؛ من تقبيل وملامسة، ولا تجوز لِمَن لا يستطيع امتلاك شهوته؛ فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهو صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهو صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لإِرْبِهِ).

5- مُبطِلات الصيام:

* الإفطار تعمُّداً.

* الجِماع؛ فمَن جَامع في نهار رمضان لا بُدّ له من التوبة، والاستغفار، وقضاء ذلك اليوم، وترتُّب الكفّارة المُغلَّظة عليه أيضاً؛ وذلك بعِتْق رقبةٍ، فإن لم يجد فصيام شهرَين مُتتابعَين، فإن لم يستطع، فإطعام ستّينَ مسكيناً؛ لِما ثبت في صحيح البخاريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: (بيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: ما لَكَ؟ قَالَ: وقَعْتُ علَى امْرَأَتي وأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَ: لَا، فَقَالَ: فَهلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا).

* القيء عَمداً.

* الحَيض والنفاس؛ فالحائض والنفساء تُفطران في شهر رمضان، ويترتّب عليهما القضاء؛ لِما ثبت في الصحيح عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه عن النبيّ عليه الصلاة والسلام: (أليسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ ولَمْ تَصُمْ).

* الاستمناء، ويُراد به: إخراج المَني بشهوةٍ دون جِماعٍ، كإخراجه باليَد، وغير ذلك من الوسائل، ويُشار إلى أنّ هذا الفِعل مُحرَّم؛ لِقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)، ويترتّب على إنزال المَني بُطلان صيام ذلك اليوم، ويجب على من أنزل قضاء اليوم فقط دون ترتُّب الكفّارة.

أما الاحتلام في نهار رمضان لا يُفسِد الاحتلام في نهار رمضان الصيامَ، ولا يُبطله؛ لأنّه خارج عن إرادة الإنسان، ولم يفعله بإرادته، إلّا أنّه يلزمُه الغُسل، والمُسارعة فيه؛ لأداء الصلاة المكتوبة عليه.

ثالثا: الأعذار المبيحة للفطر في رمضان.

من الأعذار المبيحة للفطر في رمضان:

* السفر: يُشرَع للمسافر الفِطر في شهر رمضان؛ لِما ثبت في القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع العلماء، قال تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ)، وقال أيضاً: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، وأخرج الإمام مسلم أنّ حمزة بن عمرو الأسلميّ قال: (يا رَسولَ اللهِ، أَجِدُ بي قُوَّةً علَى الصِّيَامِ في السَّفَرِ، فَهلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: هي رُخْصَةٌ مِنَ اللهِ، فمَن أَخَذَ بهَا، فَحَسَنٌ وَمَن أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فلا جُنَاحَ عليه. قالَ هَارُونُ في حَديثِهِ هي رُخْصَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ: مِنَ اللهِ)، وقد تعدّدت آراء الفقهاء التّفضيل بين الفِطر والصيام للمسافر القادر عليه، وذهبوا في ذلك إلى قولَين:

القول الأوّل: قال جمهور العلماء من الشافعيّة، والحنفيّة، والمالكيّة بأنّ صيام المسافر أفضل إن كان قادرا عليه؛ واستدلوا بقوله تعالى: (وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، وأنّ المسارعة في أداء الفريضة أفضل، كما استدلوا بأنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام كان يصوم وهو مسافرٌ.

القول الثاني: قال الحنابلة بأنّ الفِطْر أفضل من الصيام للمسافر؛ أَخذاً بالرُّخصة؛ إذ قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: (عليكُم برُخصةِ اللهِ الَّتي رخَّصَ لكُم).

* الحمل والرضاع: يجوز للحامل أو المُرضع الإفطار في رمضان إن خافتا على نفسَيهما، أو على ولدَيهما، أو على نفسَيهما مع ولدَيهما، وقد فصّل العلماء في ترتُّب الفِدية عليهما مع القضاء، وبيان التفصيل فيما يأتي:

- الشافعيّة والحنابلة: قالوا بترتُّب الفِدية على الحامل والمُرضِع مع القضاء في حالةٍ واحدةٍ؛ وهي الخوف على الولد فقط دون الخوف على النفس.

- الحنفيّة: قالوا بعدم ترتُّب الفِدية على المُرضع أو الحامل في أيّ حالٍ من الأحوال، بل ترتُّب القضاء فقط.

- المالكيّة: قالوا بترتُّب الفِدية مع القضاء على المُرضِع دون الحامل إن خافت على نفسها، أو على ولدها، أو على نفسها مع ولدها.

* المرض: أباح الشّرع الإفطار في رمضان للمريض مرضاً يشقُّ عليه الصيام بسببه؛ ثمّ يقضي الأيّام التي أفطرها؛ لقوله تعالى: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).

* إنقاذ مُحترم: وهو ما له حرمة في الشرع كالمشرف على الهلاك، فإنه إذا توقف إنقاذ هذه النفس أو جزء منها على إفطار المُنقذ جاز له الفطر دفعًا لأشد المفسدتين، بل قد يكون واجبا كما إذا لم يكن من ينقذ هذه النفس غيره، ويجب عليه القضاء بعد ذلك.

* الكبير في السنّ الذي لا يستطيع الصيام أبداً، أو المريض مرضاً لا يُرجى الشفاء منه، فإنّه يُفطر في رمضان، ولا يقضي الأيّام التي أفطرَها، بل تترتّب عليه الفِدية.

والفِدية هي: ما يُقدِّمه المُكلَّف من عِوضٍ وبَدَلٍ عمّا ارتكبه ممّا نهى عنه الشرع، ومن الأسباب التي شُرِعت لها الفِدية: العَجز عن الصيام، والمرض الذي لا يُرجى الشفاء منه. وهي إطعام مسكينٍ عن كلّ يومٍ أفطرَه.

* المشقة الزائدة غير المعتادة؛ كأن يشق على الإنسان الصوم لمرض يرجى شفاؤه، أو أصابه جوع أو عطش شديدان وخاف على نفسه الهلاك.

خـاتمــة:

أختم بإشارة مهمة، لابد للمسلم أن يعرفها، وهي أن؛ قضاء أيام رمضان تجري عليه جميع الأحكام السابقة.

وسأناقش في المقالات الموالية، بإذن الله تعالى، هل يجوز الأخذ برخصة الإفطار في رمضان بالنسبة لعدد من الحالات، مع بيان آراء الفقهاء في هذه المسائل، والرأي الراجح فيها.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.





السابق
رئيس الاتحاد يدعو لدعم غزة وجنوب إفريقيا قضائيًا ضد إسرائيل ويحث على التضامن في شهر رمضان

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع