البحث

التفاصيل

الأخوة بين اليهود والمنافقين

الرابط المختصر :

الأخوة بين اليهود والمنافقين

بقلم: فرج كُندي

 

ينص القرآن الكريم على وجود أواصر أخوة بين اليهود والمنافقين الذين عاشوا في المدينة متحالفين ضد الإسلام والمسلمين، وهذه الأخوة التي قررها القرآن الكريم ليست نسبية؛ بل هي أخوة النفاق والتكذيب والكذب على الله ورسوله.

فالمنافقون هم من يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر، واليهود هم الذين كذبوا على الله وقتلوا الأنبياء وقالوا {عزير ابن الله} وقالوا {إن الله فقير ونحن أغنياء}.

قرر القرآن الكريم صلة الأخوة وهذا النسب بين الفريقين الذين اختلفوا في كل شيء إلا في عدائهم لله ورسوله وحربهم على الإسلام والمسلمين {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب). والمنافقون هم الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر من أتباع عبد الله بن سلول (مؤسس مدرسة النفاق) زعيم المنافقين وقدوتهم إلى يومنا هذا. من الذين نطقوا بالشهادتين (أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله) وأسروا في قلوبهم الكفر، وأهل الكتاب المعنيين في سياق الآية هم اليهود من سكان المدينة أثناء هجرة الرسول ﷺ إليها من مكة، وهم بنو قريظة وبنو قينقاع وبنو النضير.

يقول الأستاذ الشهيد سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية: وأول لفتة هي تقرير القرابة بين المنافقين والذين كفروا من أهل الكتاب؛ فأهل الكتاب هؤلاء كفروا والمنافقون إخوانهم، ولو أنهم يلبسون رداء الإسلام.

وهؤلاء الإخوة – المنافقين واليهود - توجد بينهم أواصر المحبة والنصرة والدفاع المشترك حتى أن المنافقين يعطون المواثيق لإخوانهم اليهود بأنهم لو خرجوا يخرجون معهم، وإن قوتلوا لينصرونّهم.

وفي هذا السياق- وعد المنافقين لإخوانهم اليهود- يقول الأستاذ سيد رحمه الله: ثم هذا التوكيد الشديد في وعد المنافقين لإخوانهم {لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدًا وإن قوتلتم لننصرنكم} إلا أن الحقيقة الجوهرية المحضة أنهم كاذبون.

فلا هم نصروهم ولا هم قاتلوا معهم بل خذلوهم وتخلوا عنهم وهذا خلق المنافقين وسلوك اليهود الذي يعتبر صفة دائمة ملازمة لهم في نقض الميثاق، والكفر بالله وقتل الأنبياء ومحاربة الصالحين من المؤمنين. فهم قوم بهت؛ كما وصفهم عبد الله بن سلام رضي الله عنه لرسول الله، الذي كان من أحبارهم وسيدهم وابن سيدهم قبل إسلامه، واتبع دين الحق وآمن برسالة الإسلام.

يقول سيد رحمه الله: والله الخبير بحقيقتهم – المنافقين واليهود- يقرر غير ما يقررون ويؤكد غير ما يؤكدون {والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون}، ثم يقرر حقيقة قائمة في نفوس المنافقين وإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب – في كل مكان وفي كل زمان {لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون}. رهبة المنافقين والذين كفروا من أهل الكتاب سنة سارية منذ عهد المعنيين في سياق الآية من ﷺ وأصحابه، وتستمر هذه الرهبة في قلوبهم ممن سار واستمر على نهجه من القرون التالية إلى يومنا هذا، وما تلاه من أيام تالية في تاريخ هذه الأمة في صراعها مع المنافقين والذين كفروا من أهل الكتاب فلطالما كان هناك تحالف بين حركة النفاق (التطبيع) والذين كفروا من أهل الكتاب.

فهم يرهبون المؤمنين أشد مما يرهبون الله، ولو خافوا الله ما خافوا أحدا من عباده؛ فإنما هو خوف واحد ورهبة واحدة. ولا يجتمع في قلب خوف من الله وخوف من شيء سواه، إلا خوف الذين كفروا من أهل الكتاب فهذه صفتهم. الخوف من المؤمنين أشد في قلوبهم من الخوف من الله ولكن الذين لا يفقهون هذه الحقيقة "الخوف من الله وحده" يخافون من عباد الله أشد مما يخافون الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون). فهذه الآية تكشف عن حقيقة القوم الواقعية التي هي لسان حالهم ومقالهم معًا.

وهذه حقيقة أخرى يقررها القرآن الكريم في جبنهم وحرصهم على حياتهم واختلاف قلوبهم وجبنهم وعداء بعضهم لبعض، وبأسهم بينهم شديد أشد مما نرى، وأنهم قوم لا عقول لهم، ولا بصائر يدركون بها الحق {لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون).

يقول الأستاذ سيد رحمه الله: وما تزال الأيام تكشف حقيقة الإعجاز في تشخيص حالة المنافقين وأهل الكتاب حيثما التقى المؤمنون معهم في أي زمان، وكل مكان بشكل واضح للعيان. ولقد شهدت الاشتباكات الأخيرة في الأرض المقدسة – حرب فلسطين ١٩٤٩- بين المؤمنين الفدائيين وبين اليهود مصداق هذا الخبر. فما كانوا يقاتلونهم إلا في المستعمرات المحصنة في أرض فلسطين فإذا ما انكشفوا لحظة واحدة ولوا الأدبار كالجرذان حتى لكأن هذه الآية نزلت فيهم ابتداء، وسبحان الله العليم الخبير!  وما عشناه اليوم بالصوت والصورة في معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 هو استمرار لما قاله سيد رحمه الله في تقرير حقيقة خبر الآية الكريمة حول صدق الخبر الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه {ومن أصدق من الله حديثا} والذي يقرره القرآن الكريم أن المنافقين (المطبعين) والذين كفروا من أهل الكتاب لا ينتصرون ولا يتمكنون إلا عندما تتفرق قلوب المسلمين فلا يعودون يمثلون حقيقة المؤمنين التي عرضتها الآية الكريمة.

فأما في غير هذه الحالة فالمنافقون (المطبّعون) في غير هذه الحالة أضعف وأعجز، وهم الذين كفروا من أهل الكتاب متفرقو الأهواء والمصالح والقلوب بأسهم بينهم شديد فاليهود لن يتركوهم وشأنهم بل سوف يقلبون لهم ظهر المجن في أول فرصة تواتيهم لمن طبع معهم وسار في ركبهم؛ فالغدر والخيانة سجية مطبوعة فيهم، ولكن المطبعين لا يفقهون ولا يتعظون.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* فرج كُندي؛ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، رئيس مركز الكندي للدراسات والبحوث – ليبيا.

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.





السابق
رئيس الاتحاد البروفيسور علي القره داغي يستقبل وفدًا من مؤسسة التنمية والحضارة AXIS المقدونية لبحث سبل التعاون ونشر الإسلام في بلاد البلقان

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع