البحث

التفاصيل

استخدام السينما لشيطنة مسلمي الهند

الرابط المختصر :

استخدام السينما لشيطنة مسلمي الهند

بقلم: ظفر الإسلام خان

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

بعد إحكام السيطرة شبه الكاملة على أجهزة الإعلام والقنوات التليفزيونية الرئيسية والتوغل بكثافة فى منصات التواصل الاجتماعي، تحاول الحركة الهندوسية الآن استخدام السينما الهندية لشيطنة مسلمي الهند ولخدمة مآربها السياسية. فقد خرجت عدة أفلام فى الشهور الأخيرة لتشويه سمعة المسلمين. ومما يدل على وقوف حكام الهند الحاليين وراء هذا النشاط الجديد أن زعماء الحزب الحاكم وحكوماتها بالولايات تؤيد هذه الجهود بدون حياء وتعمل الدعاية لها وتعفى هذه الأفلام من رسوم الترفيه لكي يتمكن عامة الناس من مشاهدتها بتذاكر رخيصة. وهم لايكتفون بهذا بل ينظّمون عروضا خاصة لهذه الأفلام يدعى إليها الناس لمشاهدتها مجانا أو هم يشترون تذاكر بالجملة ويوزعونها بين الهندوس ليذهبوا لمشاهدتها فى دور السينما.

ملفات كشمير

كان أول هذه الأفلام "ملفات كشمير" Kashmir Files الذي ادعى أن مسلمى كشمير اضطهدوا الهندوس وأجبروهم على النزوح من كشمير، فى إشارة إلى نزوح عشرات الآلاف من الهندوس من وادي كشمير فى سنة 1990 عندما كانت الحركة الانفصالية المسلحة فى أوجها والتى راح ضحيتها بعض الهندوس ولكن نسبة الضحايا المسلمين الذين قتلوا خلال تلك الحقبة بنيران المسلحين الانفصاليين أو الجيش تبلغ أضعاف أضعاف خسائر الهندوس. ثم إن السبب الدقيق لخروج هؤلاء من وادي كشمير غير معروف إلى اليوم.

ويعتقد أن حاكم كشمير آنذاك (جاغموهان) ، المعروف بعدائه للمسلمين ، طلب من هندوس وادى كشمير مغادرة الوادى لبضعة أسابيع حتى يلقن المسلمين درسا ويتمكن من إطلاق النار بحرية على الشوارع. وهو ما فعله (جاغموهان) فور نزوح الهندوس من وادى كشمير حين أمر بإطلاق النار على موكب جنائزي فأردى فوق 40 شخصا قتلى فى دقائق. وهذا الحاكم هو الذى وفّر عربات الجيش لنقل هؤلاء إلى منطقة جامو ذات الأكثرية الهندوسية حيث بنيت لهم بيوت وتعطى لهم مرتبات وتسهيلات أخرى كثيرة الى هذا اليوم وهى تسهيلات لم تعط قط للنازحين المسلمين نتيجة الاضطرابات الطائفية.

ولم تعين حكومة كشمير أو الحكومة الهندية المركزية لجنة قضائية إلى اليوم لتقصى حقائق خروج الهندوس من وادى كشمير. ولكن هذا لا يمنع غلاة الهندوس من اتهام المسلمين بأنهم أخرجوا الهندوس من كشمير بينما مسلمو كشمير أنفسهم كانوا ولا يزالون مغلوبين على أنفسهم وهم يعانون من قهر الجيش الذى يتواجد بكثافة فى وادى كشمير ويحمى القانون تعدياته فى حق المواطنين الكشميريين. وهذا الفيلم "ملف كشمير" يحاول ترديد تلك الأكاذيب لنشر رسالة إلى عامة الهندوس بأن المسلمين ظلموا الهندوس فى المنطقة الوحيدة (كشمير) التى بها أكثرية إسلامية فى البلاد.

قصة كيرالا

وبعد "ملف كشمير" جاء فيلم "قصة كيرالا" Kerala Story الذى يدعى أن (32000) فتاة هندوسية تم إغراؤهن لاعتناق الإسلام ثم تم إرسالهن إلى معسكرات داعش فى سوريا… وهى أكذوبة لا أصل لها لأن أعداد المسلمين الهنود الذين ادعت السلطات الهندية طوال هذه السنوات بأنهم غادروا الهند للالتحاق بمعسكرات داعش هى فى حدود المائة شخص تقريبا بما فيهم الرجال والنساء.

وحين سألنا (كاتب هذه السطور) وزارةَ الداخلية الهندية (فى إطار القانون الهندي لحق المعلومات) عن أعداد الذين التحقوا بمعسكرات داعش ردّت علينا الوزارة بأنه لا توجد لديها معلومات، وحين طرحنا على رئيس شرطة ولاية كيرالا نفس هذا السؤال ، أجاب بأنها معلومات سرية لا يمكن الإدلاء بها. فمن أين حصل مخرجو هذا الفيلم عن معلوماتهم؟ وحين ثارت الضجة وذهب بعض المسلمين إلى القضاء وأعلن آخرون عن جوائز كبيرة لمن يثبت صحة ادعاء الفيلم، تراجع مخرجو الفيلم فقالوا أن ثلاثة (3) فتيات هندوسيات اعتنقن الإسلام ثم توجهن إلى معسكرات داعش!...

وقد عرض فيلم "قصة كيرالا" فى المهرجان الهندي الدولي للأفلام فى نوفمبر الماضى وكانت المفاجأة أن رئيس لجنة التحكيم المخرج الإسرائيلي نداف لبيد خرج ببيان باسم أعضاء لجنة التحكيم بأنه "فيلم دعائي هابط ومبتذل ولم يكن يليق لكى يعرض فى المهرجان". وثارت ضجة ضد هذا البيان ، وسط مطالب لطرد هذا المخرج الإسرائيلي من الهند، لأن إسرائيل محسوبة كصديق حميم لغلاة الهندوس ، فما كان من السفير الإسرائيلي بالهند إلا أن أدلى ببيان اعتذار وقال أن ذلك البيان يمثل رأى المخرج الإسرائيلي الشخصي!

ورغم انكشاف كذبتهم ، لايزال هذا الفيلم معروضا فى دور السينما فى أنحاء الهند لتسميم أذهان الناس ويثنى عليه زعماء حزب الشعب الهندى الحاكم بما فيهم رئيس الوزراء ناريندار مودى نفسه!. وقد قامت حكومات هذا الحزب فى عدة ولايات هندية بإعفاء هذا الفيلم من ضريبة الترفيه (لكى تكون التذاكر رخيصة) كما نظم زعماء الحزب عرضه مجانا فى عدة أماكن بل واشتروا تذاكر السينما ووزعوها بين عامة الهندوس ليشاهدوا الفيلم.

72حوريـة

وفى الطريق فيلم ثالث بعنوان "72 حورية" 72 Hoorain وعماده أن المسلمين يرتكبون الإرهاب ويحبون الشهادة لأن دينهم يقول أن من يموت شهيدا سيحصل على "72 حورية" فى الجنة. وقد ادعى مخرج الفيلم أن هذا الفيلم سيقضى على الإسلام!! وسيعرض هذا الفيلم فى دور السينما ابتداء من يوم 7 يوليو 2023.

ويدعى مخرجو هذه الأفلام أنها أعمال فنية قائمة على قصص روايات ليست صحيحة بالضرورة ولكن من المؤكد أن ملايين الهندوس السذّج الذين يشاهدون هذه الأفلام يخرجون بانطباع بأن الإسلام هو دين الهمجية والإرهاب وأن المؤمنين به إرهابيون عملا بدينهم.

فيلم يثير الهندوس!

وهناك فيلم رابع فى هذه السلسلة ظهر قبل أسابيع بتأييد ودعم زعماء الحركة الهندوسية وهو فيلم "آدى بوروش" Adipurush  (الإنسان الأصيل) وهو يحكى قصة رمايانا الأسطورية التى تتناول حياة إله الهندوس الأسطوري (راما) وزوجته (سيتا) وصديقهما الوفي باجرانغ (القرد الإله) . وقد ظهر (رام) فى هذا الفيلم بمظهر محارب ومتطرف بدلا من صورته المعتادة كرجل غاية فى الكرم والسخاء والإنسانية ظل الهندوس ينظرون إليه إلى الآن كمثال أعلى للإنسانية ولكن الحركة الهندوسية السياسية تريد تحويل الأساطير إلى أسلحة فى أيديها لتثوير الشباب الهندوس وحملهم على التطرف والإرهاب. وقد قامت أزمة فى البلاد بسبب هذا الفيلم إذ بدأ زعماء أحزاب المعارضة يهاجمون هذا الفيلم وحزب الشعب الهندي لأنه يستغل رموز الهندوسية لمآربه السياسية. وبلغ الأمر بحكومة نيبال أنها حظرت عرض هذا الفيلم فى أراضيها.

تمويل مشبوه

ويبقى سؤال فى نهاية الأمر: من يموّل هذه الأفلام التى يعتقد أن عدة أفلام أخرى مثلها قادمة وسيتم عرضها فى دور السينما الهندية قبيل الانتخابات العامة فى مايو 2024. من المعروف أن إنتاج الأفلام عملية مكلفة ماديا وبما أنه لايتوقع أن مثل هذه الأفلام ستحقق أرباحا كبيرة - على عكس أفلام بوليوود الترفيهية العادية - فلابد أن هناك أيد خفية تموّلها لكى تستفيد منها سياسيا. ولعل حزب الشعب الهندي، وهو أثرى حزب سياسي فى العالم، أو مؤيدوه من التجار ورجال الأعمال هم من يقوم بتمويل هذه الحملة لتشويه الإسلام والمسلمين لأجل الاستفادة منها سياسيا عملا بسياسة الحزب الحاكم القائمة على تنشيط كراهية المسلمين لأجل إحداث استقطاب طائفي حاد يستفيد منه الحزب فى الانتخابات.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ظفر الإسلام خان / نيودلهي، الهند؛ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، صحفي وباحث هندي.

 * ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين





التالي
الاحتلال يشن سلسلة غارات على رفح جنوب غزة تودي بحياة عشرات الضحايا بينهم أطفال ونساء
السابق
الرباط.. عشرات الآلاف من المغاربة في مسيرة احتجاجية للمطالبة بوقف العدوان على غزة والتضامن مع الفلسطينيين

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع