البحث

التفاصيل

(3) الحرب على غزة حرب دينية وعقدية

الرابط المختصر :

سلسلة: الحرب على غزة تكشف عن المستور

(3) الحرب على غزة حرب دينية وعقدية

بقـلم: الدكتور أحمد الإدريسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

*******

                                           اقرأ: حقائق تاريخية (1) الحرب على غزة تكشف عن المستور؛

اقرأ: الكشف عن زيف حقوق الإنسان (2) الحرب على غزة تكشف عن المستور؛

*******

 

منذ بداية الحرب على أهل غزة؛ ونحن نسمع دائما كل من نتانياهو والرئيس الأمريكي وبعض رؤساء الدول الأوروبية وعدد من الصحف المؤيدة للصهيونية، نسمعهم يقولون: “إن غزة وحماس يشكلان خطرا على إسرائيل وعلى الغرب”، فنجدهم مثلا يكررون مقولة نتنياهو أثاء تبريره للحرب على غزَّة أنه استدعى نبوءة إشعياء[1]، حيث قال: “يجب أنْ تتذكَّرُوا ما فعله العماليقُ بكم، كما يقول لنا كتابنا المقدَّس، ونحن نقاتل بجنودنا الشجعان، وفرقنا الذين يقاتلُونَ الآن في غزَّة وحولها".

وقد عُرف بنوا إسرائيل بتزويرهم للكتاب المقدس، حيث تزورن النصوص، أو يقتبسونها بعد إخراجها من سياقها والتلاعب في معناها أو في حرفيتها.

وسأكتفي في هذا المقال بذكر بعض الحقائق الدينية، والتي تُبين أن الحرب على غزة حرب دينية وعقدية منذ استعمار فلسطين، والتخطيط لإسرائيل الكبرى.

أولا: حقائق دينية وعقدية

يعتبر “سفر إشعياء” نصا رئيسا من العهد القديم، وجُمِعَ على مدار قرنين، بدءًا من النِّصف الثَّاني من القرن الثَّامن قبل الميلاد، إلى النِّصف الثَّاني من القرن السَّادس قبل الميلاد، وهو ليس بنبوءة واحدة، وإنَّما عدَّة نبوءات، منها: تناول نهاية منفى الشعب اليهوديِّ، ونهاية الزَّمان، وهو حسب غالبيَّة الدِّراسات الكتابيَّة عمل جماعيٌّ، نصفه تقريبًا كتب النبيِّ إشعياء، والباقي تلاميذه نقلًا عنه.

لكن لم تتحقـق نبوءة إشعياء؛ لأنَّ اليهود الذين سبوا في بابل، رفضوا العودة عندما طلب منهم قورش الفارسي العودة-، بالإضافة إلى إعادة بناء الهيكل في القدس -الهيكل لا أثرَ له في القدسِ-، وقد سمَّاه اليهود بـ”بيت الرَّب”، أي المكان الذي يسكنُ فيه على الأرض، ولا تجوز الصلاة إلَّا فيه، وعندما جاء المسيح عليه السلام صحَّح بأنَّ اللهَ يقبل العبادة في أيِّ مكان، وهو بذلك أنهى دور الهيكل في حياة اليهود. وممَّا يثير الدَّهشة والاستغراب أنَّ المسيحيِّين يؤيدُون عمليَّات الحفر التي تقوم بها السُّلطات الإسرائيليَّة في المسجد الأقصى؛ بحثًا عن الهيكل المزعوم؛ ممَّا يعرِّض المسجد الأقصى للانهيار، وهم يعلمُون بنبوءة المسيح عليه السلام بعدم إعادة بناء الهيكل؛ عقابًا إلهيًّا لليهود على كفرهم. ويستند اليهود إلى النصِّ العبريِّ في سفر الرُّؤيا 16، بأنَّ المعركة المسمَّاة معركة هرمجدون ستقع في الوادي الفسيح المحيط بجبل مجدون في أرض فلسطين، وأنَّ المسيح سوف ينزل من السماء، ويقود جيوشهم، ويحقِّقون النَّصر على الكفَّار.

ومصطلح أبناء النُّور وأبناء الظَّلام، هو مصطلح دينيٌّ، ظهر في القرن الثاني قبل الميلاد في أدب الرُّؤيا، بعد انتهاء النبوة في إسرائيل، وهذا الأدبُ يُعبَّر عنه في الأناجيل، برؤيا يوحنا اللاهوتيِّ التي تتكلَّم عن آخر الزَّمان قبل مجيء المسيح المخلص، ستحدث حربٌ كبيرةٌ مدمِّرةٌ بين أبناء النُّور والظَّلام.

ثانيا: لماذا قلنا؛ إن الحرب على غزَّة دينيَّة؟

الحرب على غزَّة دينيَّة، وذلك لأسباب عدة، نذكر منها:

1- قول نتنياهو إنَّه سيحقِّق نبوءة إشعياء التي تتنبَّأ بالخراب لمصر، والظَّلام لفلسطين، والنُّور لإسرائيل، وهذه نبوءة مَن وضعَ كتاب العهد القديم، ورد في الإسرائيليَّات أنَّ النبيَّ إشعياء نبيٌّ من أنبياء الله عند اليهود، ولُقِّب بـ»النبيِّ الإنجيليِّ»؛ لكثرة كتابته عن المسيح، ويعتبره اليهود أحد أعظم أنبياء العهد القديم.

2- كلمة العماليق: تحيل إلى قبيلة من البدو الرحَّل، سكنوا شبه جزيرة سيناء وجنوبي فلسطين، وتعني في الثَّقافة اليهوديَّة "ذروة الشرِّ الجسديِّ والروحيِّ".

3- العماليق مصطلح له دلالة دينيَّة ورد في التَّوراة المحرَّفة، أنَّ الرَّبَ يأمرهم بسحق ذكر العماليق من تحت السَّماء، فجاء في سفر صموئيل الأول: “اذهب وحارب عماليق، هم وكل ما لهم. لا تشفق عليهم، اقتل جميع الرِّجال والنِّساء والأطفال والرُّضَّع، واقتل ثيرانهم وغنمهم وجمالهم وحميرهم، وحاربهم حتى يَفنوا.

4- معسكر أبناء النُّور الذي يعنيه نتنياهو، يشمل إسرائيل وأمريكا وبريطانيا وفرنسا، وفق تفسير رؤيا يوحنا اللاهوتيِّ، أمَّا أبناء الظَّلام هم الفلسطينيُّون ومَن يدعمهم، وصدرت قوانين في أوروبا لإبادة أبناء الظَّلام.. فهي حربٌ دينيَّةٌ للقضاء على أبناء الظَّلام تنفيذًا لأمر الرَّب.

5- يعمل الساسة الاستعماريون جاهدين على تثبيت فكرة المعركة بتفسيرها اليهودي لدى الشعوب؛ للحصول على مكاسب سياسية، وتنفيذاً لمآرب الصهيونية العالمية، وإرضاءً لدولة إسرائيل، ومن الأمثلة على ذلك:

- صرَّح الرئيس الأمريكيُّ ريغان عام 1980 في مقابلة متلفزة: (إنَّنا قد نكونُ الجيل الذي سيشهد معركة هرمجدون).

- نقلت مجلَّة دير شبيغل الألمانيَّة عن جورج بوش الثاني ما يلي: (منذ ذلك الوقت، أصبح بوش واحدًا من السِّتين مليون أمريكي الذين يؤمنون بالولادة الثَّانية للمسيح).

- تقول الكاتبة الأمريكية جريس هالسل في كتابها النبوءة والسياسة: (إن النبوءات التوراتية تحولت في أمريكا إلى مصدر يستمد منه عشرات الملايين من الناس نسق معتقداتهم، ومن بينهم أناس يرشحون أنفسهم لانتخابات الرئاسة الأمريكية، وكلهم يعتقدون قرب نهاية العالم، ووقوع معركة هرمجدون، ولهذا فهم يشجِّعون التسلُّح النوويَّ ويستعجلُونَ وقوع هذه المعركة؛ باعتبار أنَّ ذلك سيُقرِّب مجيء المسيح).

وهنا نلاحظ أن قادةُ دول “عظمى” يؤمنون بالمسيحيَّة، والتي جاء من تعاليمها المحبَّة والتَّسامح، بما يناقضها من خرافات وأساطير وضعها كُتَّاب التلمود والعهد القديم، التي تدعو لحروب إبادة للأطفال والنِّساء والمدنيِّين من العرب والفلسطينيِّين، وتدمير مدنهم؛ ليعود المسيحُ، وينسبُونَ ذلك إلى الله تعالى، وأنَّه يأمرُ بقتلهم؟، فهي تتناقضُ مع تعاليم المسيح عليه السلام.

ثالثا: الغرب والحرب على غزة.

يرى الغرب أن الإسلام يُشكل خطرا كبيرا بانتشاره في الغرب، حيث تؤكد الدراسات ان المسلمين سيشكلون %30 من أوروبا بعد 50 عاما، وأن الإسلام سيكون الدين العالمي الأكبر، لذلك وعملوا على زرع الظلم في بلاد المسلمين حتى يتولد عنه التطرف، فيوظفونه في الدعاية ضد الإسلام. وعملت المنظومة الصهيونية على تشويه الإسلام بقوة واظهاره دينا إرهابيا يقوم الكراهية للآخرين ويبيح قتل الناس بدم بارد.

ومن جهتهم يرى الكثير من مفكري الغرب وقياداته أن الإسلام هو الخطر الأكبر الذي يهدد الحضارة الغربية، ولذلك يشنون عليه وعلى أتباعه حربًا ضروسًا لا تهدأ بغية القضاء على الإسلام واستئصال شأفة المسلمين. ويرون أنه لكي تبقى هذه الحضارة قوية، فإنه يجب الحرص على ما يلي:

- منع الشعوب العربية من التحرر.

- إنهاء وجود غزة ومقاومتها.

- زرع الحروب والخلافات بين الدول العربية والإسلامية.

- تمكين جمعيات الNGO من الوصول الى مواقع القرار، وهي منظمات وجمعيات، تسعى إلى ضرب كل الهويات لصالح هوية واحدة؛ هي هوية الاستلاب الثقافي، والتبعية الطوعية لأميركا ومن يدور في فلكها من دول ومنظمات دولية، تبعية ناعمة وفق حرب معرفية، عبر عنها موشي يعالون الاسرائيلي بأنها؛ “المعرفة التي يجب ان يزرعوها في اللاوعي الجمعي أو الفردي للمجتمعات المعادية، تجعلهم يتصرفون وفق مصالح الامبراطور".

- نشر الفسوق والرذيلة في الدول العربية، بدأ من الدول المجاورة للكيان الإسرائيلي.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – نبوءة إشعياء؛ هي إحدى أساطير العهد القديم.

 * ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين





التالي
دور القاضي الفاضل في عهد صلاح الدين الأيوبي
السابق
الجحيم السوري: صرخات الألم في عتمة السجون

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع