البحث

التفاصيل

نساء المقاومة في غزة ومشاهد حضارية

الرابط المختصر :

نساء المقاومة في غزة ومشاهد حضارية

بقلم: عصام تليمة

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

تابع العالم من مشرقه إلى مغربه، لقطات تسليم أسرى الكيان الصهيوني لدى المقاومة الإسلامية في غزة، وكيف كانت عملية التسليم رغم بساطة الصور، إلا أنها كانت لافتة للعالم كله، من حيث دلالتها وأهميتها، وانتهت متابعة العالم لهؤلاء الأسرى، بمجرد تسليم المقاومة لهم إلى الصليب الأحمر.

فالإعلام بمستوياته كلها وباللغات المختلفة، لم يول اهتمامًا سوى للقطات التي تلتقط من غزة، ولم نجد بعد ذلك أية لقطة لهم داخل الكيان، ولا عند تسليمهم لأهاليهم في الأراضي المحتلة، ولعل الخوف من ذلك ناشئ عن تجربتهم السابقة مع الأسيرة المسنة التي خرجت وامتدحت “حماس” والمقاومة، وأرادوها أن تغيّر كلامها فرفضت، كما أن المشاهد التي تبث عند وداع الأسيرات للمقاومة كلها لقطات لصالح المقاومة، فهي تدل على حسن معاملة، وعندما يفتح باب الحديث الحر عن هذه التجربة ستكون شهادة موثقة منهم ومنهن، لهذه التجربة العسكرية الأخلاقية.

صورة خادعة لرجال ظنوها نساء:

ومن الصور التي انتشرت وظن جل من رآها أنها لنساء المقاومة في غزة، ما بثته القنوات والصفحات، ووسائل التواصل الاجتماعي لصور الأسرى عند تسليمهم، وكان برفقتهم رجال المقاومة، وصور لشباب يمسكون بأيدي الأسيرات المسنات لمساعدتهن على ركوب السيارات وعلى التحرك، فظنوا أنهن نساء، والحقيقة أن كل من في الصورة كانوا من رجال المقاومة، والصورة كما صحح لي أصحاب الشأن، أنها لشباب المقاومة، ولكن لأنهم صغار في السن لا يزيدون عن عشرين عامًا، وقد رزقوا وسامة، فالتبس الأمر على البعض.

تطور ملموس لنساء المقاومة:

وهو ما لا ينفي وجود نساء في المقاومة، وهن القائمات على أمر الأسيرات في هذه العملية، وهو ما اعترفت به بعض الأسيرات اللاتي أطلقن سراحهن، وقد تحدثت إحداهن للإعلام، وقالت: إنهن نساء على مستوى من الثقافة والتعامل الحسن، ويحسن الاهتمام بالنظافة للمرأة.

وهو ما يجعلنا نحتاج لإلقاء بعض الضوء على هذا التطور في فكر المقاومة وأدائها في غزة، وفي فلسطين بوجه عام، لعل ذلك يفيد في حركاتنا الإسلامية في بلداننا للاستفادة من هذا التطور الفكري الإيجابي، الذي يشكل انفتاحًا ملموسًا، مع تمسك بالثوابت، لا يشك فيه أحد، ويحقق نجاحًا على مستويات عدة، سواء السياسية أو الفكرية أو الاجتماعية، كما أنه يرد ردًا واقعيًا على افتراءات نتنياهو وبايدن، وأتباعهما في بلدانهم وبلداننا.

ما تمتاز به نساء المقاومة:

هناك مساحات عند التأمل سنجد أن نساء المقاومة سبقت في أدائها، عددًا من النساء الإسلاميات في بلدان عربية كبرى، فعلى المستوى الاجتماعي، رغم الالتزام الديني الواضح والبارز في نساء غزة عمومًا، ونساء المقاومة خصوصًا، إلا أن هذا الالتزام لم يمنع من الانفتاح الاجتماعي، من حيث التواصل مع الجنس الآخر، وفق الضوابط الشرعية، بل لم يمنع من إقدام المرأة في العمل المقاوم، رغم ما يترتب على ذلك من مخاطر.

والحقيقة أن الفقه الاجتماعي عند نساء المقاومة، متقدم جدًا مقارنة بما لدينا في المشرق العربي، وفي بلدان كبرى مثل: مصر، فلوجود حالات الشهداء الكثيرة في صفوف المقاومين، لم نجد حرجًا لدى كثيرات منهن من قضية الزواج بعد استشهاد الزوج، رغم ما يمثله الزوج من قيمة وتاريخ ورمزية، إلا أن ذلك لم يكن مانعًا من زواج أرملة الشهيد بعد وفاته.

ولم نجد من مجتمعها عتابًا أو لومًا، على أنها لم تظل على ذكراه، فهذا تفكير عاطفي لا يفيد القضية، ولا يفيد أولادها الذين يحتاجون لرجل في حياتهم يسد مسد الأب الذي توفي، وبخاصة لو كان من المقاومين، فيكمل معهم المشوار، وهو ما وجدناه في زوجات قيادات استشهدت، دون ذكر للأسماء، وقد نشر موقع إسلام أون لاين منذ سنوات طويلة، تحقيقًا، عن عدد هذه الحالات، ومقابلات مع زوجات شهداء قيادات كبرى في المقاومة.

فتارة تجد من يتزوج أرملة الشهيد يكون شابًا بكرًا لم يسبق له الزواج، وتارة يكون شخصًا متزوجًا وله زوجة وأولاد، ولا يوجد هذا الجو المشحون من الناس تجاه قضية التعدد، التي تعد في مثل هذه المجتمعات قضية اجتماعية، وهي كذلك في بلادنا، لكن دخلت أطراف في الموضوع فحولته لقضية نسوية، بل إلى معركة كل طرف يريد النصر فيها ولو على حساب الحقائق والمجتمع.

دور منشود للمرأة في المقاومة:

ولا أدري هل للمرأة القسامية، أو في المقاومة دور في القرار والمشاورة أم لا؟ فربما تكون هذه مسائل داخلية لا يعلن عنها، لكنها ستكون مأخذًا إن لم يكن لها أي تمثيل أو دور في القرار والمشاورة، وبخاصة أن المرأة في غزة وعلى كل ثرى فلسطين، تستشهد كما يستشهد الرجل، وتعتقل، ويعتدى عليها، كما الرجل الفلسطيني والغزاوي تمامًا.

فإذا كانت شريكة في الضريبة، وشريكة في الأجر، فلا أقل من أن تكون شريكة في صنع القرار، أو المشاركة فيه، بأي مستوى تمثيلي يعبّر عن هذه الشريحة التي هي عماد المجتمع المقاوم، في كل مراحله ومستوياته.

لعل هذه الفقرات القليلة التي كتبناها عن المرأة في المقاومة، يفتح شهية بعض الباحثين النابهين للتطرق إليه، ودراسته دراسة مستفيضة، من جميع جوانبه، وليس المستوى العسكري فقط، أو الداعم والمؤيد، بل الدخول في مساحات مهمة، تعطي صورة أقرب للمتكاملة عن المقاومة في فلسطين.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 * ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين





التالي
كيف أثّر البعد الشرعي عند عمر المختار في تحديد خياراته السياسية
السابق
الهدنة في الإسلام بين المشروع والممنوع

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع