البحث

التفاصيل

من حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ تعظيمه وتوقيره

الرابط المختصر :

من حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ تعظيمه وتوقيره

بقـلم: الدكتور أحمد الإدريسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

أولا: وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم.

من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته أن نهابه ويعظَّمه ويوقًّره، وأن يُجَلُّ أكثر من كل ولد لوالده، ومن كل عبد لسيده، فهذا حق من حقوقه الواجبة له مما يزيد على لوازم الرسالة. قال تعالى: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ (الأعراف:157). وقال عز من قائل: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ (الفتح:8-9).

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فالتسبيح لله وحده، والتعزير والتوقير للرسول، والإيمان بالله ورسوله)[1]. وقال رحمه الله: (التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير؛ اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار)[2].

هذه الآيات وغيرها نزلت لتبيِّن مقام شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم منزلته عند ربه؛ مما يوجب على المؤمنين برسالته أن يكونوا في غاية الأدب معه والإجلال والتعظيم.

ثانيا: لا يتم إيمان المؤمن إلا بتعظيمه صلى الله عليه وسلم.

يعتبر القيام بحقوق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من؛ “الإيمان الواجب الذي لا يتم إيمان العبد إلا به، بل إن الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة إنما يكون لمن جمع بين الإيمان به وتعزيره، ولا خلاف في أن التعزير ها هنا التعظيم". [3]

قال الحليمي رحمه الله: (فمعلوم أن حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل, وأعظم, وأكرم, وألزم لنا, وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم, والآباء على أولادهم؛ لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة، وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا، وأعراضنا، وأموالنا وأهلينا وأولادنا في العاجلة، فهدانا به لما إذا أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم، فأية نعمة توازي هذه النعم, وأية منة تداني هذه المنن، ثم إنه جل ثناؤه ألزمنا طاعته، وتوعَّدنا على معصيته بالنار، ووعدنا باتباعه الجنة، فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة، وأي درجة تساوي في العلا هذه الدرجة، فحق علينا أن نحبه ونجله ونعظمه ونهابه أكثر من إجلال كل عبد سيده، وكل ولد والده، وبمثل هذا نطق القرآن، ووردت أوامر الله جل ثناؤه)[4].

ثالثا: نماذج من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم:

كان الصحابة الكرام يحبون النبي ﷺ أشد الحب، ويوقرونه أعظم التوقير، وأخبارهم في ذلك كثيرة، قال إسحاق التجيبي: كان أصحاب محمد ﷺ بعده، لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرّت جلودهم وبكوا. وقال مروان في صفتهم رضي الله عنهم: (كان الصحابة إذا أَمَرَهم النبي ﷺ ابتدروا أمرَه، وإذا تكَلَّم خَفَّضُوا أصواتَهم عندَه، وإذا توضأَ كادوا يَقْتَتِلون على وضوئِه، وما يُحِدُّون إليه النظرَ؛ تعظيمًا له)[5]. وعلى منهاجهم سار التابعون رحمهم الله ورضي عنهم، والصالحون من هذه الأمة، ومن ذلك:

عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس، فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فلا يرفع أحد منهم إليه بصره إلا أبو بكر وعمر، فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما، ويبتسمان إليه ويبتسم إليهما)[6].

  عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم إذ جاءه ناس، فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله تعالى؟ قال: “أحسنهم خلقًا”، وقال: ورواته محتج بهم في الصحيح، فأنت ترى أن الصحابة يهابون أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا ينتظرون أن يأتي أعرابي فيسأل، فيسرون بذلك)[7].

 

عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: (ما كان أحدٌ أحبَ إليَّ من رسول الله ﷺ ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئلتُ أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه)[8].

عن المسور بن مخرمة ومروان، قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، وساقا الحديث حتى بلغا: ثم إن عروة رضي الله عنه جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه، قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكًا قط يعظِّمه أصحابه مثل ما يعظم أصحاب محمد محمدًا صلى الله عليه وسلم)[9].

لما ناقش عمرُ رضي الله عنه رسولَ الله ﷺ في شأن صلح الحديبية، ندم على ذلك مع أنه كان يريد عِزّ الدين ونُصرة المسلمين، قال رضي الله عنه: “فعملتُ لذلك أعمالا”.

أي؛ عملتُ أعمالا صالحة تُذهب تلك الخطيئة.

وفي حديث الهجرة، قال أبو بكر رضي الله عنه: (فأتينا ظل صخرة فنزلنا عندَهُ، وسوَّيْتُ للنبيِّ ﷺ بيدي مكانًا ينامُ عليهِ، وبسطتُ فيهِ فروةً، وقلتُ: نَمْ يا رسولَ اللهِ، ثمّ انطلقت إلى راعي غنم فحلب لي كُثبة من لبن، فبرّدته للنبي ﷺ، ثم أتيتُ فوجدتُه قد استيقظ وهو عَطِش، فقلت: اشرب يا رسولَ الله، فشرب حتى رضيت)[10].

عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس، فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فلا يرفع أحد منهم إليه بصره إلا أبو بكر وعمر، فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما، ويبتسمان إليه ويبتسم إليهما)[11].

ويخبر الإمام مالك رحمه الله عن شيخه أيوب السختياني رحمه الله، فيقول: حججت معه حجتين، وكان إذا ذكر النبي ﷺ بكى حتى أرحمه، قال: فلما رأيتُ ما رأيت منه من إجلال للنبي ﷺ كتبتُ عنه الحديث. قال: ولقد كنت أرى جعفر بن محمد -وكان كثير الدعابة والتبسم- فإذا ذُكر عنده النبي ﷺ اصفرَّ وجهه.

قال رحمه الله: ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر -وكان سيد القراء- لا نسأله عن حديث إلا يبكي حتى نرحمه. وقال: ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يَذْكُر النبيَّ ﷺ فيُنْظَرُ إلى لونه كأنه نزف منه الدم وقد جف لسانه في فمه هيبة لرسول الله ﷺ. قال: ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير، فإذا ذُكر عنده الرسول ﷺ بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع.

وقال رحمه الله: ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يَذْكُر النبيَّ ﷺ فيُنْظَرُ إلى لونه كأنه نزف منه الدم وقد جف لسانه في فمه هيبة لرسول الله ﷺ.

وكان الإمام مالك رحمه الله، من أشد الناس تعظيماً للنبي ﷺ ولسنته ولحديثه، كان لا يُحدِّث بأحاديث النبي ﷺ إلا وهو على طهارة، وكان ربما ذُكر عنده الحديث فيتغير لونه خشوعاً وإجلالا، ولقد لدغته مرةً عقربٌ وهو يُحدّث، فما قطع التحديث مع أن لونه كان يمتقع من شدة الألم، إجلالا لحديث النبي ﷺ.

وأختم بهذه الأبيات لمحب هائم:

لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ ** وبفيضها شهِد اللسانُ وعبّرا

لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ ** فاقتْ محبةَ كل مَن عاش على الثرى

لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ ** لا تنتهي أبداً ولن تتغيرا

لك يا رسول الله منا نصرةٌ ** بالفعل والأقوال عما يُفترى

نفديك بالأرواح وهي رخيصةٌ ** من دون عِرضك بذلها والمشترى.

اللهم أدّ عنا حقوق نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، واجعلنا من أحبابه وأتباعه وأنصاره، ءامين والحمد لله رب العالمين

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – ابن تيمية؛ بغية المرتاد. تحقق: موسى بن سليمان الدويش. (مكتبة العلوم والحكم. الطبعة الثالثة: 1422–2001). الصفحة:504.

واسم الكتاب؛ “بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية أهل الإلحاد من القائلين بالحلول والاتحاد".

[2] – ابن تيمية؛ بغية المرتاد. الصفحة: 511.

[3] – الجامع لشعب الإيمان، للإمام البيهقي. تحقيق: مختار أحمد الندوي وعبد العلي عبد الحميد حامد. (مكتبة الرشد، الطبعة الأولى: 1423 –2003م). ج:2 / ص:125.

[4] – الجامع لشعب الإيمان. ج:2 / ص:302-303.

[5] – رواه الإمام البخاري في صحيحه.

[6] – رواه الإمام الترمذي.

[7] – أخرج الطبراني وابن حبان في صحيحه.

[8] – رواه الإمام مسلم في صحيحه.

[9] – رواه الإمام البخاري في صحيحه.

[10] – رواه الإمام البخاري في صحيحه.

[11] – رواه الإمام الترمذي. وقال حديث حسن صحيح.





التالي
الهبات الربانية لنبي الله سليمان عليه السلام
السابق
الفلسطينيون يحشدون لإحياء ذكرى المولد النبوي في المسجد الأقصى المبارك

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع