البحث

التفاصيل

تهديم الأخلاق والقيم الإنسانية

الرابط المختصر :

تهديم الأخلاق والقيم الإنسانية|سلسلة؛ أنقذوا مكـارم الأخلاق

بقلم: الدكتور أحمد الإدريسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

يمر العالم المعاصر بأزمة أخلاقية شملت كل مجالات الحياة، كما أجمعت أغلب المرجعيات الفكرية والفلسفية والدينية، وشهد المجتمع في عصرنا الحالي انحدارا أخلاقيا وقيميا، أصبح معه الإنسان سجين غرائزه باحثاً عن اللذة والمتعة بأي وسيلة، وسقوط نحو الهاوية بدون توقف أو رادع. وبالتالي أصبحت النزعة العدوانية سائدة كخطاب داخل المجتمع، خطاب العنف، والتعبير عن رفض الواقع المعيشي أو الرأي المخالف بالعنف اللفظي والمادي.

ومن أبرز أدوات التدمير؛ سحق القيم والأخلاق، وتخريب الضمائر والذمم، لأنهما العاملان الرئيسان اللذان بُنيت عليهما حضارات، وعلى أساسهما تدشن الحضارات المعاصرة، وتنهض الأمم.

والإسلام يدعو إلى مكارم الأخلاق ويعظم من شأنها ويعلى درجتها. فالقرآن الطريم فيه آيات كثيرة تدعو إلى الالتزام الأخلاقي بما يصلح شأن الناس في الدنيا والآخرة. وينذر حينا من كوارث قد تداهم المجتمعات عندما يسود خراب الضمائر، وتنتشر ممارسات التحلل من قيم الرشد والحق والعدل. وبعث النبي صلى الله عليه وسلم بمكارمها وفضائلها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)[1].

أولا: أهم مراحل تهديم الأخلاق والقيم.

لقد عاش الآباء والأجداد في أمن وأمان[2]، وعلى الرغم من أن الحياة كانت بسيطة، فقد كان ثمة نسيج قوى من الإيمان بالقيم الفضلى، بيوتهم تبدو كتلة واحدة فلا أسوار عالية ولا نوافذ مصممة، ومع ذلك كان من النادر أن يعتدي جار على جاره أو يسرقه أو يخون أمانته، أو يعتدي على حرماته، فكانت الرجولة والشهامة والحياء والغيرة، والأخلاق العالية.

وأول من دشن للسفالة والانحطاط الأخلاقي هم نشطاء وأدعياء الثورية، ونشطاء الماسونية والحركات الفوضوية، ودعاة المساواة ومن سار في ركبهم، سلاحهم؛ تخريب القيم والأخلاق، وإفساد الضمائر والذوق السليم. ولذلك لاحظنا ويلاحظ الجميع أن الإنسان كاد يفقد المعنى والغاية من وجوده. وكأن صوت الوعي الأخلاقي الفطري والمتوارث قد خفت في ضمير الإنسان المعاصر، وتراجع معه الإحساس بأهمية القيم والفضائل الأخلاقية؛ من أجل تحقيق مصالح دنيوية، ونزوات وشهوات طارئة أضرت بإنسانيته.

وبسبب تطور النزعة العدوانية وانتشارها كخطاب داخل المجتمع، بسبب ذلك انتقل العنف من عموم الأفراد، إلى الطبقة السياسية والنخبة المثقفة، فأصبحت المنابر الإعلامية ساحة لتبادل الشتائم وهتك الأعراض وحتى التهديد بالاستئصال بعيداً عن الحوار العقلاني، والبحث عن الحلول للمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية. والنتيجة أن المجتمع أصبح مسرحا لكل المظاهر السلبية الضاربة لكل القيم النبيلة عرض الحائط، فلا الصداقة أصبحت رمزا للوفاء، ولا بقيت في المجتمع غيرة ولا حياء، ولا الحب بقي في معناه السليم، فغلبت المصلحة الذاتية قبل مصالح المجتمع، وطغت الانتهازية على طباع البشر، وطمست معالم العقلانية في سلوكه الحياة اليومية للإنسان.

 ثانيا: وسائل تدمير القيم والأخلاق.

لما أراد أعداء الدين، وأعداء الإنسانية هدم الإنسان والأوطان، عمدوا إلى تدمير القيم الأخلاقية، وتخريب الضمائر، فقد أكد  توماس شومان؛ “عميل جهاز المخابرات السوفياتي السابق، “كى جى بى”، الذى شرح خطوات تخريب المجتمعات، موضحا أن؛ “المجتمع المستهدف تخريبه وتدميره، حتى ولو يتمتع بديمقراطية راسخة، يبدأ الأعداء في البحث عن عديمي الضمير والقيم الأخلاقية، ومتعددي الولاءات، وعن المجرمين البسطاء، والمختلفين سياسيا وأيديولوجيا مع الدولة، وبعض المضطربين نفسيا، المعادين لكل شيء، علاوة على مجموعة صغيرة من عملاء الدول الأجنبية، يتم تجميعهم في بوتقة واحدة، وتحريكهم في اتجاه واحد”، وما هي إلا سنوات قليلة، حتى بدأ المجتمع في الانزلاق التدريجي في مستنقع الفوضى.

ولأجل تدمير القيم الأخلاقية، فإنهم يسعون إلى:

تشويه الدين وتدمير التديّـن في النفوس.

الهجوم على القيم النبيلة ومحو الفطرة السليمة، ونشر الكراهية والاستكبار والفوضى، والأنانية والتفاهة والانحلال الخلقي.

إفساد الأذواق السليمة، وإفساد الضمائر.

تشويه الكيانات الدينية الراسخة، المنوطة بالدفاع عن صحيح الدين

إحياء النعرات الطائفية، وإشعال نار الفتنة بينها، ثم يتم الدفع بجماعات وتنظيمات، ترتكب من الخطايا ما يسهم بشكل فاعل في النفور من الدين.

- الدعوة لتدمير الوعي المستمد من التعليم، عن طريق التسفيه والتسخيف من العملية-التعليمية، والتقليل من شأنها.

ثالثا: أهداف تدمير القيم والأخلاق.

من أهم أهداف تدمير القيم والأخلاق، نسجل ما يلي:

السعي إلى نشر الفساد؛ نظرا لوجود علاقة طردية بين انتشار الفساد وتدهور الأخلاق وبين التخلف والانحطاط، فما تدهورت الأخلاق والقيم الفضلى إلا وتدهور الوضع العام إجمالاً، وانتشرت نوازع الشر وأخذت تختفي نوازع الخير. قال الشاعر:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

صناعة الخلل وتوسيعه في منظومة القيم، إنها يمكن لها أن تقتل البشر وتدمر الحجر وتحرق الشجر.. لأن الدولة لن تقوى عن انتزاع ما غرس في صدور الناس من قيم عزيزة وكريمة.. ولكن إذا انتزعت هذه القيم وتهشمت، وحل محلها ما يناقضها فسيكون ذلك أشد تأثيراً وأفدح مصاباً. قال الشاعر:

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم … فأقم عليهم مأتماً وعويلا

الخراب الأخلاقي تعظم من حجم التدهور، فالكذب يجر للكذب، والفساد يراكم الفساد وينتج فسادا، والجرأة على الحرمات يهتك أستار المجتمعات،

السعي إلى تضعضع المجتمعات من داخلها، والمؤشر عليه هو تدهور المنظومة الأخلاقية فيها، وحينئذ؛ فلا قيمة لمنظومة أخلاقية تتلى على المنابر ما لم تصل إلى مستوى الممارسة الحقيقية والسلوك اليومي والوقوف دون حصون الأخلاق الفاضلة من كل ما يؤدي إلى تدميرها وهدم مكوناتها.

– إشاعة الفساد لترويج الانحطاط والتهاون بالقيم الفاضلة يدمر ما بقي من ممانعة ذاتية للمجتمع الإنساني، حتى تستوطنه الأمراض والأسقام الأخلاقية وهي أشد تأثيراً وتدميراً من أسقام الجسد وعلله.

خاتمة:

الأخلاق ليست مجرد كلمة عابرة في مفردات اللغة. بل هي منظومة كبرى دونها ستكون المخاطر المحدقة بالمجتمع مواتية لهدم النسيج وتدمير الروابط وتمكين الخلل.

لذلك ينحاز الناس إلى منظومة أخلاقية وقيم فضلى لأنها ضرورة من ضرورات الحياة السوية. فحياة الناس لا تستقيم دون الشعور بالأمن بمفهومه الأوسع، ولا يصنع هذا الشعور سوى الثقة التي تبنيها منظومة أخلاقية لا تقبل الكذب ولا الغش ولا الجور ولا الخداع ولا التضليل. وفي المقابل اقتنع أن حياته لن تكون حياة سوية إذا نزعت منها تلك القيم بل ستكون خراباً وكوارث وآلاما طويلة.

وهدفنا من هذه السلسة الدعوة إلى الالتزام بمكارم الأخلاق وفضائل القيم، والابتعاد عن سفاسف الأمور، وعن كل ما يهدم الأخلاق والقيم. فقد أدرك الإنسان، على مر العصور أن خط الممانعة في أي مجتمع يبدأ من منظومة القيم الفاضلة والأخلاق العالية، فإذا انتهك هذا الخط أو كثرت فجواته أو تهاوت جدرانه، فسيكون من السهل إحداث أكبر الخلل في المجتمعات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – رواه الإمام أحمد في مسنده، مسند أبي هريرة.

[2] – ما عدا في بعض المناطق القليلة، والحالات الناذرة.





السابق
احتجاز طبيبة مسلمة واجبارها على نزع الحجاب في ولاية كنتاكي الأميركية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع