البحث

التفاصيل

خطورة خرق المقدس الديني وآثاره الاجتماعية

الرابط المختصر :

خطورة خرق المقدس الديني وآثاره الاجتماعية

بقلم: شيروان الشميراني

 

من الصعب المرور على حوادث انتهاك كرامة الإنسان من الذي يحدث دوما في السويد وحرق نسخ من القرآن الكريم، في التعليق على هذا الفعل المشين نوضح 3 نقاط أساسية:

"الاستهزاء والاستخفاف والهمز واللمز والسخرية كلها من المحرمات في الميزان الإسلامي، والتعزير لكل من يتجاوز على كرامة الإنسان بناء على الدين أو المذهب أو الطائفة"

أولا: المقدسات في الإسلام

من أهم المقدسات الإسلامية: الخالق جل جلاله، وكلامه سبحانه "القرآن الكريم"، ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن أحكام وأسس التعامل مع المقدس، أنه يتعين احترامه بإطلاق والامتناع عن مساءلته أو مناقشته، أو الدخول معه في سجال.. فلا فسوق ولا فجور ولا جدال، ولا تعد أو تطاول بالقول أو الفعل أو الانفعال على المقدس، ومن هذا المنطلق ينظر الإسلام إلى المعتقد والأفكار ليس داخل الدائرة الإسلامية فحسب، وإنما داخل الدائرة الإنسانية، من أهل الأديان الأخرى، كقضية متعلقة باحترام للإنسان، فالاستهزاء والاستخفاف والهمز واللمز والسخرية كلها من المحرمات في الميزان الإسلامي، والتعزير لكل من يتجاوز على كرامة الإنسان بناء على الدين أو المذهب أو الطائفة.

"للإعلام الدور الأبرز في نشر هذا النوع من الخطاب المدرج في إطار ممارسة حرية الرأي والتعبير، خاصة الإعلام الإلكتروني وسائل التواصل الاجتماعي، حيث السباب والشتائم والقذف بالباطل"

ثانيا: الممارسات الغربية قديما وحديثا

لكن في الغرب -الأوروبيين على وجه الخصوص- تم اخترق جدار احترام المقدس تحت لافتة حرية التعبير، لحد انتهاكه والاستخفاف به، والإشكالية هنا ليست ممارسة حق حرية التعبير والنقد، وإنما عدم استصحاب القيم التي توجب احترام الآخرين، وتقضي بأن التعاطي معها -حرية التعبير- يجب أن يكون في نطاق احترام حريات الآخرين، بمعنى عدم الفصل بين الحق في التعبير والقيم الإنسانية العامة التي تمس جميع مجالات الحياة، وتكون حاضرة فيها.

في السابق، لم تكن ممارسة حق التعبير عن الرأي بهذا الشكل الفج، في ممارسة متزامنة مع تخطي كل الحدود الأخلاقية، إلا نادرا، كانت باقية في إطار النقد العلمي المباشر، لكن دون الوصول إلى الازدراء المتعمد، والاستخفاف إلى حد عدم الاكتراث بإشعال الحروب وزعزعة استقرار مجتمع متنوع الثقافات والأديان، و تفكك الروابط عبر زرع بذور الكراهية بين أفراده كما يحدث في الوقت الراهن، وقد بلغ الاستخفاف توجيه الإهانات إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- من الصحف المكتوبة إلى الرسوم الساخرة إلى الأفلام، في الدانمارك وهولندا وفرنسا، وحرق نسخ المصحف على مرأى من الناس ومسمع كما هو الآن في السويد.

الخلاف بين المنظومتين الفكريتين والقيميتين هو الكامن وراء الاختلاف في الموقف الإسلامي عن الموقف الغربي، فالغربيون يرون أن المحرم في التناول هو الأشخاص وليس الأديان والأفكار، وبالتالي إن تناول كل شيء ديني مباح تحت عنوان حرية التعبير حتى لو آذى الأتباع جميعا.

وكان للإعلام الدور الأبرز في نشر هذا النوع من الخطاب المدرج في إطار ممارسة حرية الرأي والتعبير، خاصة الإعلام الإلكتروني وسائل التواصل الاجتماعي، حيث السباب والشتائم والقذف بالباطل، ونشر كلمات التحقير والتصغير، وتوزيع الإهانات.

كما لعبت السياسة دورا كبيرا في بث هذه الروح التي تتجاوز على الآخر -الإسلامي- في الغرب، من أجل كسب معارك انتخابية ودحر منافسين سياسيين على مستوى البلاد، حركات اليمين المتطرف في النمسا وهولندا وفرنسا، التي تتغذى على محاصرة المسلمين داخل المجتمعات، وتأتي في الإطار ذاته تصريحات رؤساء الولايات المتحدة "دونالد ترامب" والفرنسي "إيمانويل ماكرون" عن المسلمين، بل التحرش بالإسلام ذاته كدين.

وهكذا شكلت السياسة وغاياتها سببا مباشرا في النفخ بنار التعصب الديني، وخرق المقدس بقسوة وعنف، وتم ذلك على أيدي بقايا الاستشراق العرقي والأصولية الدينية المسيحية، والمسيحية المتهودة، وسياسيين متعصبين دينيا وسياسيا.[1]

"جاء المنع -الديني الإسلامي- وضبطه للحرية في الرأي والتعبير وتهذيبها، فهي قضية تربوية قبل كونها قانونية"

ثالثا: الآثار الاجتماعية للحادثة

الآثار الاجتماعية التي تركها انتهاك المقدس، والمقدس الإسلامي في المقدمة، تتمثل في ظاهرتين خطيرتين، هما نشر الكراهية وتهديد السلم الاجتماعي.

نشر الكراهية، لا يمكن لأحد يواجه موجات متتالية من الإهانات والسخرية، عبر جميع فنون التعبير ووسائله، ويبقى كاظما للغيظ لا مباليا، عديم الاكتراث، الطبيعة البشرية في تلك الحالات تتحرك فيها المشاعر السلبية تجاه الآخر، وتبدأ بالكره وجمع الحقد والتربص، فالكراهية حالة نفسية دفينة، إثارتها تجعل العقل يتفاعل معها، ومن ثم تتحول إلى نوع من التواصل الاجتماعي السلبي، وعواقبها تكون وخيمة تتجلى في تهديد السلم الاجتماعي.

وهذه نتيجة مباشرة للكراهية التي تتولد من ازدراء الآخرين، وقد تبقى داخل التفاعل المجتمعي المشحون بالبغضاء، وقد تنفجر وتتحول إلى مشكلة، والسبب هو أن ردود فعل المستهدفين تجاه خطاب الازدراء والكراهية ليست كلها منضبطة وعلى صورة واحدة، فالنفوس في تلقيها الإهانات أو الشعور بالاحتقار، ليست متشابهة، يكفي رد فعل سلبي غاضب من شخص واحد بالتسبب في نشر العنف في البلاد كلها والقضاء على السلم، كما حدث من هجمات على "شارلي إيبدو" في فرنسا.[2]

وأوضح ما جسد هذه المخاطر على الأرض ما حصل في الهند بحق المسلمين من السكان الأصليين، ففي الأول من يونيو/حزيران 2022 وجه نافين كومار جندال المتحدث باسم الحزب الهندي الحاكم "بهارتا جاناتا" وصفا مهينا وخبيثا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعقبته هجمات "بالبلدوزر" على منازل العائلات المسلمة ومحلاتهم التجارية، ووصف البرلماني الهندي المسلم الديمقراطية الهندية بـ "ديمقراطية البلدوزر".

إدراكا لكل هذه المخاطر وحماية للمجتمع الواحد من التفكك، جاء المنع -الديني الإسلامي- وضبطه للحرية في الرأي والتعبير وتهذيبها، فهي قضية تربوية قبل كونها قانونية.

 

مصادر

- [1] فهمي جدعان، تحرير الإسلام، مصدر سابق، ص 294. وقد لخص تلخيصا مفيدا قصة الرسوم والأفلام المسيئة للإسلام ورسوله –عليه الصلاة والسلام– أنظر ص 295.

- [2] المصدر نفسه، ص 300.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* شيروان الشميراني؛ كاتب و باحث مدير المنتدى العالمي للوسطية - كوردستان مؤلف ٤ كتب و مئات المقالات في الصحف و مراكز البحوث بالعربية و الكوردية

 





التالي
داعية إسلامي يحث الجاليات المسلمة في الغرب على استعادة حقوقها الكاملة بوسائل قانونية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع