البحث

التفاصيل

أحكام العيدين

الرابط المختصر :

P

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

مقدمة

ليس للمسلمين سوى أعياد ثلاثة لا رابع لها:

أولها: عيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم عيداً؛ حيث روى ابن خزيمة رحمه الله تعالى في صحيحه (باب الدليل على أن يوم الجمعة يوم عيد، وأن النهي عن صيامه إذ هو يوم عيد) حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {إن يوم الجمعة يوم عيد؛ فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده}

الثاني: عيد الفطر من صوم رمضان، وهو مرتب على إكمال صيام رمضان، الذي فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهو يوم الجوائز لمن صام رمضان فصان الصيام، وقام فيه فأحسن القيام، وأخلص لله تعالى في أعماله، وهو يوم واحد أول يوم من شهر شوال.

الثالث: عيد النحر؛ وهو ختام عشرة أيام هي أفضل الأيام، والعمل فيها أفضل من العمل في غيرها، حتى فاق الجهاد في سبيل الله تعالى الذي هو من أفضل الأعمال، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {ما من الأيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد؛ إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء} وهذا العيد هو اليوم العاشر من ذي الحجة، وقبله يوم عرفة وهو من ذلك العيد أيضاً، وبعده أيام التشريق الثلاثة وهي عيد أيضاً، فصارت أيام هذا العيد خمسة؛ كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب} وهذا العيد أعظم من عيد الفطر، قال ابن رجب رحمه الله تعالى: وهو أكبر العيدين وأفضلهما وهو مرتب على إكمال الحج.

 وقال شيخ الإسلام بعد ذكره قول الله تعالى {ليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً} ولهذا أنزل الله هذه الآية في أعظم أعياد الأمة الحنيفية؛ فإنه لا عيد في النوع أعظم من العيد الذي يجتمع فيه المكان والزمان وهو عيد النحر، ولا عين من أعيان هذا النوع أعظم من يوم كان قد أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعامة المسلمين)

                                     أحكام تتعلق بالعيد

أولاً: حكم صلاة العيد

 اختلف العلماء في ذلك، ولهم ثلاثة أقوال:

  أ ـ أنها واجبة على الأعيان وهو قول الأحناف

  ب ـ أنها سنة مؤكدة، وهو قول مالك وأكثر أصحاب الشافعي

 ج ـ أنها فرض كفاية، وإذا تمالأ أهل بلد على تركها يُقاتلون وهو مذهب الحنابلة، وقال به بعض أصحاب الشافعي، ولعل القول بالوجوب أظهر وأرجح وقد اختاره ابن القيم والشوكاني وابن سعدي وابن عثيمين رحمهم الله جميعاً لتظاهر الأدلة على ذلك ومنها:

  أمر الله تعالى بها {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} والأمر يقتضي الوجوب، وأمره صلى الله عليه وسلم النساء أن يخرجن إليها.

  مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها وعدم تخلفه عنها.

  أنها من أعلام الدين الظاهرة، وأعلام الدين الظاهرة فرض كالأذان وغيره

ثانياً: حكم التنفل قبل صلاة العيد وبعدها:

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافاً لمن قاسها على الجمعة، وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص؛ إلا إن كان في وقت الكراهة الذي في جميع الأيام، ورجّح عدم المنع ابن المنذر.أ.هـ والدليل على ما قاله الحافظ رحمه الله حديثان:

  عن ابن عباس رضي الله عنه {أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصلّ قبلها ولا بعدها}

  وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال {كان رسول صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئاً؛ فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين}

ثالثاً: مكان صلاة العيد 

 علل الشافعي رحمه الله تعالى خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصحراء لصلاة العيد بكون مسجده صلى الله عليه وسلم لا يتسع لهم؛ بدليل أن أهل مكة يصلون في المسجد الحرام، ومقتضى ذلك أن العلة تدور على الضيق والسعة لا لذات الصحراء؛ لأن المطلوب حصول عموم الاجتماع فإذا حصل في المسجد مع أفضليته كان أوْلى.

والذي يظهر أن ذلك مرجوح، ومقابل لفعله صلى الله عليه وسلم، قال ابن قدامة: ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى المصلى ويدع مسجده وكذلك الخلفاء من بعده، ولا يترك النبي صلى الله عليه وسلم الأفضل مع قربه، ويتكلف فعل الناقص مع بُعده، ولا يشرع لأمته ترك الفضائل.. ثم ذكر أن ذلك إجماع المسلمين.أ.هـ وأما صلاة أهل مكة في المسجد الحرام فلأن مكة جبال والصحراء فيها بعيدة.

رابعاً: وقت صلاة العيد

من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال، قال ابن بطال: أجمع الفقهاء على أن صلاة العيد لا تُصلى قبل طلوع الشمس ولا عند طلوعها، وإنما تجوز عند جواز النافلة.أ.هـ وقال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يؤخر صلاة عيد الفطر ويعجِّل الأضحى، وكان ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة لا يخرج حتى تطلع الشمس.أ.هـ وقد علل ابن قدامة تقديم الأضحى وتأخير الفطر بأن لكل عيد وظيفة، فوظيفة الفطر إخراج الزكاة ووقتها قبل الصلاة، ووظيفة الأضحى التضحية ووقتها بعد الصلاة.

خامساً: لا نداء لصلاة العيد

روى ابن عباس وجابر رضي الله عنهم قالا {لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى}

وروى جابر بن سمرة رضي الله عنه قال {صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة}

قال مالك: وتلك هي السّنة التي لا اختلاف فيها عندنا، ونقل الإجماع عليه ابن قدامة، ولم يكن يُنادى لها بالصلاة جامعة أو غير ذلك، بل كان عليه الصلاة والسلام إذا انتهى إلى المصلى صلى

سادساً: تقديم الصلاة على الخطبة

نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة، وقال ابن المنذر: فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة في يوم العيد، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون المهديون، وعليه عوام علماء أهل الأمصار.

سابعاً: التكبير في الصلاة

 قال شيخ الإسلام: واتفقت الأمة على أن صلاة العيد مخصوصة بتكبير زائد.أ.هـ وأحكامها هي:

  عدد التكبيرات: يُكبّر في الأولى سبعاً دون تكبيرة الركوع، وفي الثانية خمساً دون تكبيرة النهوض، وهذا مذهب الفقهاء السبعة. وجاء فيه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده {أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر ثنتي عشرة تكبيرة: سبعاً في الأولى، وخمساً في الأخرى} وورد عن الصحابة رضي الله عنهم اختلاف في عدد التكبيرات، ولذلك وسَّع فيه الإمام أحمد.

  يكبر المأموم تبعاً للإمام.

يرفع يديه مع كل تكبيرة، وفيه حديث وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير، فهذا عام في العيد وغيره. وورد في تكبيرات الجنازة والعيد مثلها عن ابن عمر مرفوعاً وموقوفاً. وذكر الحافظ ثبوت رفع اليدين عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو قول عطاء والأوزاعي والشافعي وأحمد.

الذكر بين التكبيرات: لم يرد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وإنما قال عقبة بن عامر رضي الله عنه سألت ابن مسعود رضي الله عنه عما يقوله بعد تكبيرات العيد قال {يحمد الله ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم}

حكم التكبيرات الزوائد: قال ابن قدامة: سنة وليس بواجب، ولا تبطل الصلاة بتركه عمداً ولا سهواً، ولا أعلم فيه خلافاً.

إذا دخل المأموم مع الإمام وقد فاته بعض التكبيرات الزوائد فإنه يكبر مع الإمام ويمضي مع الإمام، ويسقط عنه ما فاته من التكبيرات.

ثامناً: القراءة في صلاة العيد

قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يواظب في صلاة العيد على قراءة مخصوصة وهي:  

في الركعة الأولى بسورة (ق) وفي الثانية بسورة (القمر) كما في حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه.

أو في الركعة الأولى بسورة (الأعلى) وفي الثانية بسورة (الغاشية) كما في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما

تاسعاً: قضاء صلاة العيد

إذا لم يعلموا بالعيد إلا بعد زوال الشمس صلوا من الغد؛ لحديث عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال {غُمّ علينا هلال شوال فأصبحنا صياماً، فجاء ركب في آخر النهار فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يفطروا يومهم، وأن يخرجوا غداً لعيدهم}

إذا أدرك الإمامَ في التشهد جلس معه، فإذا سلم قام فصلى ركعتين يأتي منهما بالتكبير.

إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام فلا يقضيها؛ لأنها إذا فاتت لا تصلى إلا بدليل يدل على قضائها إذا فاتت، وليس هناك دليل على قضائها إذا فاتت، ولا يصح قياسها على الجمعة؛ لأن من فاتته الجمعة يصلي الظهر فرض الوقت، وأما العيد فصلاة اجتماع إن أدرك الاجتماع فيها وإلا سقطت عنه. حكاه العبدري عن أبي حنيفة ومالك والمزني وداود، ورجحه الشيخ العثيمين.

عاشراً: إذا اجتمع جمعة وعيد

عن إياس بن أبي رملة قال: شهدت مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وهو يسأل زيد بن أرقم t قال: أشهدتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم! قال فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: {من شاء أن يصلي فليصلّ}

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال {قد اجتمع في يومكم هذا عيدان؛ فمن شاء أجزأه من الجمعة؛ وإنّا مُجمِّعون}

عن عطاء قال {صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدنا، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا ذلك له، فقال: أصاب السنة.

  وبناء على ما سبق فإن من صلى العيد تكفيه عن الجمعة على الصحيح، ولكن بعض العلماء اشترط أن يصلي الظهر؛ لأن فرض الظهر لا تسقطه صلاة العيد، ويعكِّر على هذا فعل ابن الزبير وتصويب ابن عباس له، وأجابوا عنه بأنه لا يمنع أن يكون ابن الزبير صلى في بيته فرض الظهر، والأحوط أن يصلي الظهر.

حادي عشر: أحكام خطبة العيد

حكم حضورها: سنة على الصحيح؛ لحديث عطاء عن ابن السائب قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال {إنا نخطب؛ فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب}

خطبة أم خطبتان؟ ذكر الفقهاء أنه يخطب خطبتين يجلس بينهما؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال {خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فخطب قائماً، ثم قعد قعدة ثم قام} وهذا حديث ضعيف رواه ابن ماجه وفي سنده إسماعيل بن مسلم المكي.  والذي يظهر أنها خطبة واحدة لما روى جابر رضي الله عنه {قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصلى، فبدأ بالصلاة ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكّرهن وهو يتوكأ على يد بلال. فذكر في هذا الحديث خطبة واحدة، ولا يمكن أن تعد موعظة النساء خطبة ثانية؛ لأنه إنما نزل إليهن ليسمعهن موعظته؛ إذ المتصور كثرة الجمع في العيد مما يجعل النساء في بُعد عنه لا يسمعن خطبته. قال الشيخ العثيمين: ومن نظر في السنة المتفق عليها في الصحيحين وغيرها تبين له أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب إلا خطبة واحدة.

التكبير في الخطبة، وفيه مسألتان:

أ ـ افتتاح الخطبة بالتكبير: الأولى بتسع والثانية بسبع؛ لما روى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال {السنة التكبير على المنبر يوم العيد؛ يبتدئ خطبته الأولى بتسع تكبيرات قبل أن يخطب، ويبدأ الآخرة بسبع} وعبيد الله تابعي، وهذا اجتهاد منه رحمه الله تعالى وإلا فإن السنة أن يفتتحها بحمد الله تعالى.

قال شيخ الإسلام: لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبة بغير الحمد لا خطبة عيد، ولا خطبة استسقاء، ولا غير ذلك.

قال ابن القيم: وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير.

وقال أيضاً: وأما قول أكثر الفقهاء: إنه يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وخطبة العيدين بالتكبير فليس معهم فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم البتة، وسنته تقتضي خلافه وهو افتتاح جميع الخطب بـ (الحمد لله).

ب ـ التكبير في تضاعيف الخطبة وفيه حديث عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد المؤذن: حدثني أبي عن أبيه عن جده قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر بين أضعاف الخطبة، يكثر التكبير في خطبة العيدين) وهو حديث ضعيف.

 ومن قال بامتداد وقت التكبير إلى ما بعد خطبة العيد فللتكبير في أضعافها وجه، ومن اعتبر أنه من جملة الذكر المحمود في الخطبة فحسن، لكن الإشكال في تخصيص خطبة العيد به دون غيرها، ولعلهم يستأنسون بقول الزهري: كان الناس يكبرون في العيد حيث يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى حتى يخرج الإمام، فإذا خرج سكتوا، فإذا كبر كبروا) ولكن هذا في الصلاة ولا يدل على التكبير في الخطبة.

  4- موضوع الخطبة: جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول ما يبدأ به الصلاة ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، وإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف)

واستحسن جمعٌ من الفقهاء أن يكون موضوعها في الفطر عن الفطرة وثوابها، وقدر المخرَج وجنسه وعلى من تجب.. وفي الأضحى عن الأضحية وأحكامها، وذكر الأضحية في الأضحى جيد، وأما ذكر الفطرة فلا فائدة منه؛ لأن وقتها انتهى بالصلاة، والحديث لم يخصص شيئاً، بل يعظهم بما يناسب الحال ويصلح المآل.

  5- موعظة النساء: السنة أن يخصص للنساء موعظة لما جاء في حديث جابر رضي الله عنه {فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكّرهن وهو يتوكأ على بلال}

ثاني عشر: السنن والمندوبات في العيد:

  أولاً: التكبير في العيد؛ يستحب للناس التكبير في ليلتي العيدين في مساجدهم ومنازلهم وطرقهم مسافرين كانوا أو مقيمين؛ لظاهر الآية {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}، ويكبرون في الطريق إلى العيد، ويرفعون أصواتهم به، وقد جاء فيه آثار كثيرة جداً عن الصحابة والتابعين.

والنساء يكبرن ولكن بخفض الصوت، لما جاء في حديث أم عطية: (حتى نخرج الحُيّض فيكُنّ خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم ويدعنّ بدعائهم ...

ثانياً: الغسل والزينة: قال البخاري: باب في العيد والتجمل فيه، ثم ساق فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ابتع هذه تجمّل بها للعيد والوفود)

قال ابن قدامة: وهذا يدل على أن التجمل عندهم في هذه المواضع كان مشهوراً. وكان ابن عمر يلبس في العيد أحسن ثيابه. وقال مالك: سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد. وفي الغسل ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى. والتجمل يكون في اللباس والهيئة من إحفاء الشوارب وتقليم الأظافر ولبس أحسن الثياب؛ وذلك يختلف باختلاف الناس واختلاف البلاد

ثالثاً: الأكل قبل العيد: 

أ- قال أنس بن مالك رضي الله عنه (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات) وفي رواية: (ويأكلهن وتراً).

ب- وفي لفظ آخر قال أنس: (ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر حتى يأكل تمرات ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً) قال الحافظ: وهو صريح في المداومة على ذلك.

ج ـ وعن بريدة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم النحر حتى ينحر). فدلت الأحاديث السابقة على أنه كان يداوم على الأكل في الفطر قبل الصلاة، ويؤخر الأكل يوم النحر حتى ينحر ليأكل من أضحيته. قال الإمام أحمد: وإذا لم يكن له ذبح لم يبالِ أن يأكل وقال ابن المنير: وقع أكله- في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما، فإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها.

  وتلمّس الحافظ بعض الحِكَم لتعجيل الأكل يوم الفطر، ومنها: 

1-حتى لا يظن اتصال الصيام إلى صلاة العيد.

2-المبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى بالفطر.

ويرى بعض العلماء أنه لو أكل التمرات بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الفجر حصل المقصود؛ لأنه أكلها في النهار، والأفضل إذا أراد الخروج للعيد.

رابعاً: التبكير في الخروج للعيد؛ قال الله تعالى {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} والعيد من أعظم الخيرات، وقد دلت النصوص على فضيلة التبكير إلى الجماعات والجمعات، والدنو من الإمام، وفضيلة الصف الأول؛ والعيد يدخل في ذلك.

ب- قال البخاري: باب التبكير إلى العيد، ثم ساق حديث البراء رضي الله عنه قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ...

قال الحافظ: هو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها، ومن لازِمِهِ أن لا يُفعَل قبلها شيءٌ غيرها، فاقتضى ذلك التبكير إليها.

خامساً: خروج النساء والصبيان:

 أ-أما النساء ففيه حديث أم عطية: أمرنا رسول الله e أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق وذوات الخدور، فأما الحُيّض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين.

ويجب عليهن التستر وعدم السفور والطيب والزينة التي فيها فتنة للرجال، وذلك لنصوص أخرى ليس هذا مجال سردها.

ولم يُصِبْ من رأى منعهن في الأزمنة المتأخرة لكثرة الفساد، ولو حصر المنع في السافرات المتساهلات بالحجاب لكان صحيحاً، أما التعميم فلا؛ لأمرِ النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى قال شيخ الإسلام: وقد يقال بوجوبها على النساء.

ب- وأما خروج الصبيان فقد بوّب عليه البخاري ثم ساق حديث ابن عباس رضي الله عنهما خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خطب...

وفي رواية: (ولولا مكاني من الصغر ما شهدته) أي لولا منزلتي عند النبي صلى الله عليه وسلم ما شهدته.

واشترط ابن بطال في خروج الصبي أن يضبط نفسه عن العبث، وأن يعقل الصلاة ويتحفظ مما يفسدها.. وتعقبه الحافظ: بأن مشروعية إخراج الصبيان إلى المصلى إنما هو للتبرك وإظهار شعائر الإسلام بكثرة من يحضر منهم، ولذلك شرع للحُيّض؛ فهو شامل لمن تقع منهم الصلاة أو لا.

سادساً: المشي إلى المصلى: جاء في المشي إلى المصلى ثلاثة أحاديث مرفوعة وكلها ضعيفة كما قال الحافظ، وورد عن علي رضي الله عنه قوله: (من السنة أن يأتي العيد ماشياً) قال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهـل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً، وأن يأكل شيئاً قبل أن يخرج.

وفي سُنّية المشي إلى العيد حديثان مرسلان صحيحان عن ابن المسيب والزهري.

قال مالك: نحن نمشي ومكاننا قريب، وإن بَعُدَ ذلك عليه فلا بأس بالركوب.

وقال أحمد: يستحب أن يذهبوا رَجّالة إلى العيدين والجمعة.

وقال ابن المنذر: المشي إلى العيد أحسن وأقرب إلى التواضع ولا شيء على من ركب.

سابعاً: التهنئة بالعيد:

 أ-عن جبير بن نفير قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبّل الله منا ومنك).

  ب-وعن محمد بن زياد الألهاني قال: (كنت مع أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك).

وصيغة التهنئة بالعيد تكون بحسب عرف أهل البلد ما لم تكن بلفظٍ محرم أو فيه تشبه بالكفار؛ كأن يأخذ ألفاظ تهنئتهم بعيدهم.

ثامناً: مخالفة الطريق: روى جابر رضي الله عنه (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق). وفعله صلى الله عليه وسلم تلمّس له العلماء حِكَماً عديدة جمع الحافظ منها أكثر من عشرين حكمة، وذكر منها: 

1- لإظهار شعائر الإسلام.

2 - ليشهد له الطريقان.

3- لإظهار ذكر الله تعالى.

4- لإغاظة المنافقين أو اليهود.

5- السلام على أهل الطريقين.

6- أو تعليمهم.

7- أو الصدقة.

8- أو ليصل رحمه.

قال ابن القيم بعد ذكر عدد من الحِكَم: وقيل وهو الأصح: إنه لذلك كله ولغيره من الحِكَم التي لا يخلو فعله عنها.

تاسعاً: الفرح بالعيد:

أ- روت عائشة رضي الله عنها: (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي؟! فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (دعهما) فلما غفل غمزتهما فخرجتا) وفي رواية: (تغنيان بدف).

قال الحافظ: وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أوْلى، ومنه أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين.

فتأمل فضل الله تعالى: يفرح المسلمون بالعيد ويؤجرون على هذا الفرح؛ لأنه من شعائر الدين.

ولكن ليُعلمْ أن هذا الفرح يجب أن يكون في حدود المشروع، وأما إشغال الأعياد بالمنكرات والغناء فليس من الفرح المشروع بل من نزغ الشيطان، ألا تراه في الرواية الأخرى قال: (تغنيان بدف) فيقتصر على ذلك، والزيادة عليه ممنوعة لنصوص أخرى ليس هنا مجال ذكرها.

ب-اجتماع الناس على الطعام في العيد سنة؛ لما فيه من إظهار هذه الشعيرة العظيمة، قال شيخ الإسلام: جمع الناس للطعام في العيدين وأيام التشريق سنة وهو من شعائر الإسلام التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

                                                              





التالي
حجاج بيت الله الحرام يفدون إلى عرفات لأداء ركن الحج الأعظم
السابق
أحكام في عيد الأضحى

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع