البحث

التفاصيل

أثر المعاصي على محق الطاعات

الرابط المختصر :

أثر المعاصي على محق الطاعات

بقلم: وائل محيي الدين الزرد

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

اعتدنا أن نسمع كثيرًا من العلماء والدعاة قول الله تعالى {إنَّ الحَسَناتِ يُذهِبنَ السَّيئَات} ويؤكدون ذلك بكثير من الأحاديث النبوية، القاضية بأن الله يتوب على من تاب، وبأن اتباع السيئة الحسنة تمحها، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تشجع العبد على فعل الطاعات، وتضمن له -بإذن الله- محو السيئات، بل وتبديلها إلى حسنات {فَأولَئكَ يُبدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِم حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.

 وما سبق ليس بحاجةٍ لبيان، فهو أشهر من أن يُذكر، ذلك لأن العلماء يعلنونه صباحًا ومساءً، ويسهمون في ذلك في فعل الطاعات رجاء مغفرة السيئات، وفي فعل القربات كي تُذهب الخطيئات، ولكن عنوان المقال خلاف ما ذكرنا، فإن عنوان المقال هو: "أثرُ المَعَاصِي عَلَى مَحْقِ الطَّاعَات" فهل صحيح؟

* نعم صحيح، فالأدلة من الآيات والأحاديث تؤكد أن بعض السيئات والمعاصي تُذهب الحسنات والطاعات، ويكفي أن نقول ابتداءً: إن الكفر -كونه أكبر المعاصي- لا يُبقي حسنةً للعبد، فهو مُذهبٌ للطاعات، مُمحقٌ للحسنات، وصدقَ اللهُ القائلُ {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]، وكذلك القرآن قضى بأنَّ من ارتدَّ عن دين الله، فاستبدل الحق بالباطل، والإيمان بالكفر، فإنَّ ردَّته لن تُبقِ له حسنة ولا طاعةً، والله -عزَّ وجلَ- يقول {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]

 والمقال يقضي بأن يبقى العبد على حذر، خوفًا من فعل معصية تودي بحسناته، بل إن العبد ينبغي أن يكون حريصًا على حسناته وبقائها، أكثر من أي شيء آخر، ذلك لأن مصيره يوم القيامة مرتبط بهذا الأمر لا غير.

 ومن الأدلة التي تشير بشكل واضح إلى محق المعاصي للطاعات، ما رواه أصحاب السنن في كتبهم من أحاديث ثبتت صحتُها، ومنها:

* شرب الخمر: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً" رواه الإمام أحمد في المسند: 4917 والحديث حسن

#إتيانُالكاهنوسؤاله: عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً". رواه الإمام مسلم في صحيحه: 2230.

* سؤال الكاهن وتصديقه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ" رواه الإمام أحمد في مسنده: 9536 والحديث حسن.

* العبد الآبق: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ" رواه الإمام مسلم في صحيحه: 70.

 كل هذه الأحاديث وغيرها، قاطعٌ بأن المعاصي والسيئات لها أثرها الماحق للطاعات والقربات، فمع كثرة الصلاة والصيام والصدقة لامرأة من أهل المدينة، حكمَ لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنها "فِي النَّار" لأنها كانت "تُؤذِي جِيرَانَهَا"، وإنَّ بعضَ الرجَال يَأتُون يومَ القِيامة "بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا" فتُجعل هباءً منثورًا، مع أنَّهم مِن إِخوانِنا ومِن جِلدتِنا، ولَهُم نَصيبٌ مِن الليل، "وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا" كما جاء في سنن ابن ماجه، حديث رقم: 4245.

 هؤلاء هم المفلسون الحقيقيون، الذين يتعبون في الدنيا، ويأتون يوم القيامة بحسنات كالجبال، قد جمعوها من صلاة وصيام وحج وزكاة، ولكنه "يَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيُقْعَدُ، فَيَقُصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" كما رواه الإمام أحمد في المسند: 8029 وهو حديث صحيح.

* وأخيرًا:

إنَّ الكَّيس الفطن هو الذي يحرص على بقاء حسناته، رصيدًا له يوم القيامة، ويظل طوال حياته محافظًا على عدم ضياعها ومحقها، وإن أكثر ما يُذهب الحسنات -فيما أرى- سوء المعاملة وقلة الأدب، وفسادُ الأخلاق وجفاءُ التعامل مع بني آدم، فالحذرَ الحذر من ذهاب الحسنات، والحذر الحذر من سيئات لا تُبقي للعبد حسنة.

نسألُ اللهَ العَفوَ والعَافيةَ، وَحُسنَ الخِتَام.





التالي
صحيفة فرنسية: الهند تسلح مليشيات هندوسية في جامو وكشمير تنشر العنف ضد المسلمين

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع