البحث

التفاصيل

من مواعظ ابن الجوزي في مجالس رمضان

الرابط المختصر :

من مواعظ ابن الجوزي في مجالس رمضان

بقـلم: د. أحمد الإدريسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى ءاله وصحبه، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

شهر رمضان هو شهر القرآن، شهر الدعاء والرجاء، والتوبة والإنابة، وشهر الاستغفار والعتق من النار، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا جاء شهر رمضان يُنادي منادٍ كل ليلة: يا باغي الخير هلمَّ، ويا باغي الخير هلمّ، ويا باغي الشر أقصر، هل من داع يُستجاب له؟ هل من سائلٍ فيُعطى؟ هل من مستغفرٍ فيُغفر له؟ هل من تائبٍ فيُتاب عليه؟ ولله تبارك وتعالى فيه عتقاء من النار كل ليلة عند الفطر حتى ينسلخ رمضان)[1].

وقد اخترت موعظة بليغة للإمام أبي الفرج ابن الجوزي رحمه الله، وهي في مجلس رمضاني من كتابه “المُرْتجل”[2].

قال في مقدمة الكتاب: (لمّا حُبِسْتُ بــ "واسط" رأيت شابًّا حسنَ السمت يصلح أن يكون واعظًا، فشكى إليّ تخليطَ الوعاظ، فأمليتُ هذا الكتاب من خواطري مرتجلاً، والله ينفعنا به وجميع المسلمين، إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه).

ومما جاء في المجلس الثالث عشر، موعظة في تفسير قول الله تعالى:

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ. أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ. فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.(البقرة:185).

قال رحمه الله:

1- قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾؛ قال قومٌ في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقريبٌ ربنا فنناجيه أم بعيدٌ فنناديه؟ فنزَلَت.

يا شرفَ القاصدين،

ويا قرةَ عين العابدين.

ويا قوتَ المتقين.

ويا بلوغَ آمال المحبين في توفير النصيب، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾.

يا قومَنا: كم ذا التقاعد؟، يا مُعرضين: كم ذا التباعد؟

لو وقعَ مِنَ القلبِ والنفسِ تَساعُد. وبين الزفراتِ والدموعِ تَصاعُد.

لدنونا من الحبيب، ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾.

حاضرٌ إنما القلب يغيب، ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾.

أين تقلقلُ القلوب؟ أين الخوفُ مِنْ قبح المكتوب؟

أين الصدقُ في ترك الذنوب؟ أين طلبُك الدواء يا مطبوب؟

غفلتُك عن صلاتك عجيب، ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾.

كم قرَّبْنا مِن بعيدٍ؟ كم أحضَرْنا مِنْ قلب شريد؟ كم لنا من رقيبٍ عتيد؟

احذروا عقوبتي؛ فقد عرفتم التهديد. واطلبوا مني أوفرَ النصيب، (إِنِّي قَرِيبٌ).

قد أوضحْتُ للخلق دليلي. وبيَّنْتُ للسالكين سبيلي.

وهذا القرآن كلُّه قِيلي. أنا خاطبْتُ كليمي، ونجّيْتُ خليلي.

قصَدَتْهُ النار فقلتُ: أعرضي عنه وميلي. فبردتْ حتى لا تصلحُ لتعذيب، ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾.

2- قوله تعالى: ﴿ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾.

يا مشغولاً عن الباقي بالفاني.

يا مؤثرَ الدنيا يجتهدُ في طلبها ويُعاني.

يا مَنْ لا تحرِّكه الألفاظ والمعاني..

فتقربَّوا مني وخذوا أماني، ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾.

لا تلتفِتْ إلى غيري.

يكفيك – يا هذا- خيري.

عطائي وافرٌ وإنعامي وخيري.

واحذرْ عقوبتي وشدةَ ضيري.

فما يُطيقه الصابرُ ولا المعاني، ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾.

3- قوله تعالى: ﴿فَـلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.

سبحان مَنْ لطف بعباده لو يعلمون. ودلَّـهم على المصالح لو يفهمون.

وأربحهم في معاملته لو كانوا يعلمون، ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.

خُلِقتم للمعالي فلم اخترْتم الدُّون؟

ما هذا الإيثار؟ غافل مغبون.

تقديمُ ما يفنى على ما يبقى جنون.

عندنا من الخير ما لا يدركه الظنون، ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.

إنْ عامَلْتموني أربحتُكم.

وإن استعنتم بي أصلحتُكم.

وإن اعتذرتم إليّ سامحتُكم.

تميلون عني فما هذا النظر المأفون؟ ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.

عندنا جنات وعيون. فيها ما لم يخطرْ على الظنون.

أفنانُها مختلفة الفنون.

نادِ العقلاء لعلهم يسمعون،

إذا تزلزلت الأبدانُ وسالتِ العيون، ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.

اغتنموا الصحةَ والسلامة.

واطلبوا الفوزَ والكرامة.

وصحِّحوا الحضورَ والاستقامة.

قبل النزول إلى اللحد قدر بسطةٍ وقامة.

قبل أنْ تتغيرَ الأحوال.

قبل أنْ يأخذَ الوارثُ المال.

قبل أنْ ينزلَ منكر ونكير للسؤال.

قبل أنْ تخيبَ من المؤمّلين الآمال.

ويجري ما لم يخطرْ على الظنون، ﴿ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾.

أيقظَنا اللهُ وإياكم قبل الممات.

ونبَّهنا اللهُ لاستدراك ما قد فات.

وأحيا منا كلَّ قلبٍ مات.

وقال رحمه الله:

إخواني: اسمعوا نُصحَ ربِّ السماوات فقد بالغَ في اللطف لو تسمعون، ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾.

 

اللهم اغفرْ لنا، واسترْ خللنا، وتقبّلْ عملنا، وبلّغْ أملنا، وابعث التوفيقَ للعصاة الذين يمرحون، ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.

وقلت: ءامين، والحمد لله رب العالمين.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – أخرجه الإمام الترمذي، حديث رقم: 682. والإمام ابن ماجه، حديث رقم: 1642.

[2] – سمّاه: “المُرْتجل” لأنه ارتجله ارتجالاً في حبسه في مدينة واسط حين نفاه الخليفة إليها، وهو في أربعة عشر مجلسًا. وقد ذكره ابن رجب في “الذيل” (2/496) وقال: “في الوعظ، مجلد كبير”.





البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع