البحث

التفاصيل

المعايير والضوابط الشرعية الحاكمة للمعاملات المالية في تكنولوجيا الميتافيرس

الرابط المختصر :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين، وبعد ،

فإن العالم اليوم يتطور بشكل هائل ، ولا سيما في عالم التكنولوجيا والتقنيات غير الملموسة، حتى وصل إلى هذه التقنية الجديدة التي تسمى ( الميتافيرس) بمشاريع مبتكرة ، ولن يقف عند هذا الحد، فالعلم لا نهاية له ( وَفَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ عَلِيمٌ ) حيث يدل على أنه مهما بلغتَ مِنْ عِلْمْ فهناك مَنْ سبقك أو سَيسبقك.

ونحن في هذا البحث نتطرق إلى التعريف بهذه التقنية الجديدة التي ظهرت بشكل واضح في عام 2021م، مبيناً مخاطرها، وايجابياتها وسلبياتها، ومدى إمكانية الاستفادة منها في المعاملات المالية والصيرفة الإسلامية ، والمؤسسات المالية ، والزكاة، والأوقاف ونحوها.

ومن الإعجاز التشريعي للإسلام أن النوازل مهما كانت جديدة فإن الباحث المتدبر في الآيات القرآنية الكريمة والسُنّة النبوية المطهرة ، يصل إلى حكمها من خلال النصوص العامة ، والمبادئ الكلية ، والقواعد الأساسية.

وهنا نحن أولاء نبحث بهذا الإيمان، ووفق المنهاج السابق وفقه الميزان ، سائلين الله تعالى أن يكتب لنا التوفيق والسداد والرشاد، وأن يتقبل منا ما نقدمه بقبول حسن، وأن يلهمنا الصواب ، ويعصمنا في الخطيئة والزلل والخلل في العقيدة والقول والعمل، فهو حسبنا ومولانا ، فنعم المولى ونعم الموفق والنصير والهادي إلى سواء السبيل.

التعريف بـ ( ميتافيرس Metaverse ) : ميتا فيَرس كلمة إنجليزية تتكون من مفردتين ، هما: (Meta) بمعنى: (ما وراء) ، و(Verse) ومعناها: (مصاغ من عدة قطع) ، ولكن معنى الكلمة المركبة (الميتافيرس) هو: (ما وراء العالم) ، أي عالم الخيال. وكأن أول استخدام لهذا المصطلح في رواية الخيال العلمي (تحطم الثلج) عام 1992م، حيث تخيّل كاتبها (نيل ستيفنسون) وجود فضاء افتراضي ثلاثي الأبعاد يتفاعل فيه شخصيات خيالية ، ثم استخدم هذا المصطلح في منصات العالم الافتراضي كمنصة (سكند لايف) منذ عام 2003م، ثم استخدم منذ عام 2019م للمحاكاة ثلاثية الأبعاد، ومتصلة بشكل دائم بالعوالم الافتراضية التي يمكن الولوج إليها عبر نظارات الواقع الافتراضي ، والحواسب المكتبية ونحوها.

ومن أهم تطبيقاته ألعاب الفيديو المتصل بالانترنيت والمتصف بعالم الخيال ثلاثي الأبعاد، والواقع الافتراضي.

أما أهم معداته، فهي أجهزة الحاسوب ، والهواتف الذكية، والواقع المختلط (Augmented Reality. AR) ، والواقع الافتراضي (Virtual Reality. VR) وتقنيات العالم الافتراضي التي أدت إلى تطور الميتافيرس ، وانتشاره ، وبرمجته .

والخلاصة أن الميتافيرس عالم افتراضي موحد يقوم على مساحات افتراضية ثابتة ثلاثية الأبعاد مرتبطة مع العالم المادي، بحيث يدخل المستخدمون باستخدام الصور الرمزية ، فيتفاعل بعضهم مع بعض، ومع التطبيقات والخدمات التي تتوافر في هذا العالم (فهو مكان افتراضي نعمل فيه، ونتعلم، ونُرّفه عن أنفسنا ، ونكسب الأموال ، ونُنفقها) .

والميتافيرس بهذا المعنى يُعدّ نقلة نوعية ، وقفزة للانترنيت المادي إلى الانترنيت الافتراضي، حيث يمكن الوصول إلى المساحات الافتراضية بين العالم، والعالم الافتراضي، بحيث يُستخدم التكنولوجيا والأجهزة المستخدمة في الميتافيرس بإدخال الأوامر ، وتلقي التعليقات منه، بما في ذلك واجهات التفاعل بين الدماغ والحاسوب التي صممت لتجميع ومعالجة الإشارات الكهربائية التي تحدث في الدماغ البشري ، وتحويلها إلى مدخلات ذات مغزى لجهاز حاسوب ، أو أي جهاز خارجي ، حيث يشارك الميتافيرس في إجراء تجارب وتعليقات متعددة سواء كانت عن طريق الغرسات التي تثبت في الدماغ أو طرق أخرى.

بداية الطريق للميتافيرس:

لم تنتشر تقنية الميتافيرس بشكل واسع ، ولكن شركات التكنولوجيا الكبرى مثل شركة ميتا (Meta) -أي الفيس بوك سابقاً- ، وشركة (مايكروسوفت Microsoft) ضختا مليارات الدولارات للاستثمار في تطوير الميتافيرس، ووظفت ميتا (Meta) عشرة آلاف فني من ذوي المهارات العالية ، وخصصت أيضاً عشرة مليارات من الدولارات لتحقيق الإصدار الأول من تكنولوجيا الميتافيرس، وهكذا تفعل شركة (مايكروسوفت Microsoft) ، وهما في تسابق كبير في الاستحواذ على الشركات التي تعمل في هذا المجال، وأخيراً أعلنت شركة (فارجو رياليتي كلاود Varjo Reality Cloud) انتهاء العمل في نسختها التجريبية، وتستعد للإصدار الأول .

الميتافيرس قادم:

ولذلك فإن الميتافيرس قادم، ويجلب معه ايجابياته وسلبياته، وتحدياته ، ومخاطره، ومع ذلك فهو يحمل معه فرصاً طيبة علينا الاستفادة منها للتقدم في مجالات الخدمات المالية ، والتصنيع ، والترفيه ، وعلينا جميعاً : حكومات، وعلماء الإسراع بوضع القوانين المناسبة لحماية القيم السامية ، والخصوصية ، وتعزيز وجود الدولة في هذا المجال الحيوي استفادة ، وحماية ، وتقدّما وتطوراً.

ومن الجدير بالتنويه به أن صراع شركات التكنولوجيا الكبرى ليس من أجمل حماية الخصوصية ، بل على الثراء والسبق والعلمي بأيّ ثمن كان، لذلك تركز شركة ميتا (Meta) على المستهلك والإيرادات، وبهذا تختلف نسختها عن غيرها، في وضع قيود الأداء، وطريقة الاستعمال مثل اشتراط توفير وجود سماعات ، أو نظارات الواقع الافتراضي (Oculus AR) للدخول في الميتافيرس، وأما شركتا (فارجو-إنيفيديا Varjo-Nvidia) فتركزان على الأداء الأقوى وتشارك في صناعة هذا العالم شركات عالمية أخرة ، مثل: (أمازونAmazon)، (، و (آبل Apple) و(جوجل Googol) ، و(مايكروسوفت Microsoft)، وتسعى لتنظيم حقبة الميتافيرس، وتستعد لإطلاق منتجات كبرى، حيث تقدر شركة (ماكنزي للاستشارات الإدارية) حجم الاستثمارات في هذا العالم الافتراضي في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022م بنحو (120 مليار دولار) .

كيف نستفيد ، وندخل في عالم الميتافيرس؟

الميتافيرس هو تطوير للانترنيت نفسه ، وتطوير للحوسبة نفسها، وتفرّد تكنولوجي باستخدام نظارات العالم الافتراضي، وقفازاته الخاصة بهذا الواقع، فهو تكنولوجيا ثلاثي الأبعاد، فتشمل (البلوك تشين Blockchain) أو (السلاسل الخوارزمية Algorithm) و(الواقع المعزز Augmented Reality. AR ) و(الواقع الافتراضي Virtual Reality.AR)، وإعادة بناء ثلاثية الأبعاد معتمداً على (الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence.AI) و (انترنيت الأشياء Internet of Things. IoT) ونحو ذلك .

ويتم الدخول إلى الميتافيرس عن طريق استخدام نظارات الواقع الافتراضي(Oculus AR)، وقد استطاعت الشركات الكبرى التي أنشأت هذه التقنية صناعة توأم رقمي خيالي للمستخدم يحضر في قاعات افتراضية فيمكنه أن يبقى في مكتبه جالساً لابساً نظارات (الواقع الافتراضيVirtual Reality.AR )، وأن التوأم (آفاتارAvatar) الذي يمثله يحضر ذلك الاجتماع ، أو التجول في شوارع مكة أو إسطنبول .

الفرق بين (الواقع المعزز Augmented Reality. AR) و(الواقع الافتراضي Virtual Reality.AR):

يمكن الفرق الأساسي بين الواقعين التكنولوجيين فيما يأتي:

1- في أن (الواقع المعزز Augmented Reality. AR) يستخدم عناصر وشخصيات بصرية رقمية لتحويل العالم الحقيقي الذي يمكن الوصول إليه أكثر من الواقع الافتراضي، بحيث يكون استخدامه متاحاً على أي جهاز هاتف ذكي ، أو جهاز رقمي ذات كاميرا، وبالتالي يمكن لمستخدميه مشاهدة ما يحيط بهم من خلال المرئيات الرقمية التفاعلية على غرار ما لدينا في لعبة الهاتف المحمول (بوكيمون) فيقوم اللاعبون بفتح الكاميرا على هواتفهم أو أجهزتهم.

2- أما (الواقع الافتراضي Virtual Reality.AR) فهو يختلف عن الأول ، وذلك بأن المستخدم يقوم بصنع بيئة افتراضية مصنوعة بالإنترنيت يراها المستخدمون من خلال استخدامهم للنظارات أو القفازات الخاصة بالعالم الافتراضي (Oculus AR) -كما سبق- .

3- وأن أجهزة الاستشعار (VR) تظهر طريقة عمل الواقعين ، فالواقع الافتراضي نموذج مبتكر للميتافيرس حيث يعمل على إنشاء عالم رقمي يشتمل على محتوى مرئي خيالي ، ويمكن أن يوسع هذه التجربة لتشمل المحاكاة الفيزيائية، وذلك باستخدام معدات الواقع الافتراضي Virtual Reality.AR .

مخاطر استخدام تقنية الميتافيرس: سنقوم بتقسيم المخاطر في هذا الصدد إلى قسمين أساسين، وهما: القسم الأول للمخاطر العامة ، والقسم الثاني: نخصصه للمخاطر الخاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية من خلال تطبيق تقنية الميتافيرس.

القسم الأول: المخاطر العامة :

أولاً: المخاطر الأساسية التكنولوجية:

1- إن مما لا شك فيه أن التقنيات التكنولوجية المتطورة الجديدة -مع إيجابياتها- أصبحت في معظمها أو في معظم حالاتها تتم على حساب الخصوصية، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال الشبكات الاجتماعية التي استغلت في بعض الأحيان للتشهير، والتشويه، بل يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حالات التهديد -كما لا يخفى-.

وإنه حسب ما أفاد به الخبراء، فإن (المعلومات الشخصية والحساسة التي ستتسرب عبر الميتافيرس ستتضمن عدداً كبيراً من المعلومات الحقيقية حول عادات المستخدم وخصائصه الفسيولوجية... التي من الصعب جداً الحصول عليها عبر الانترنيت في الوقت الحاضر، ولكن سيكون من السهل الوصول إليها في عالم الميتافيرس نتيجة للرابط الأوثق بين العالمين: الافتراضي والمادي) .

وللأمان من هذه المخاطر الجوهرية وعلاجها بشكل مقبول نوعا ما، لا بد من وضع تقنيات عالية القدرة في التحكم في الدخول إلى عالم الميتافيرس، منها وضع برنامج يتحكم في المصادقة على الشخص الراغب مع الحفاظ على خصوصيات الجميع بقدر الإمكان .

2- مخاطر عدم القدرة من التعرف على الهوية، والتجسس ، والمطاردة، والهكر، والاختراق ونحوها من تقنيات الانترنيت الجديدة، فحسبما يؤكد المطلعون على أنه لا توجد عملية رسمية للتحقق من الهوية في الميتافيرس ، وهذا بلا شك يسهل انتحال الهوية الرقمية والتجسس عليها ، وهو بلا شك من الجرائم المحتملة التي قد تمرّ دون رادع .

ولمعالجة هذه المخاطر أو تخفيفها، يمكن استعمال الوسائل الحالية المعهودة للتقليل من هذه المشاكل، ولكن الحل يكمن في بذل جهود كبيرة من قبل المتخصصين بدراستها وبحثها من خلال دراسات وبحوث علمية لحماية الخصوصية بشكل أكثر قوة ومنعة .

ثانياً: مخاطر الغموض: ويسند البعض خطر غموض هذه التقنية، حيث نشر موقع ريدرز دايجست مقالة للكاتبة (ميمونا كونته) ، أن هذه التقنية يشوبها غموض ، وأضافت أن هواة ألعاب الفيديو هم مَنْ يحصلون على الاستفادة القصوى من الميتافيرس .

وقد أكد (ساتيانا ديلا الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت) على أن هذه التقنية ( لن تغير فقط الطريقة التي نرى بها العالم فقط، بل ستؤثر أيضاً على كيفية مشاركتنا فيه، من المصنع إلى غرفة الاجتماعات) .

لذلك لا يستبعد أن يرتدي عشاق الرياضة والموسيقى نظارات الواقع الافتراضي ، والظهور على الهواء مباشرة من دون الحاجة إلى مغادرة منازلهم على الإطلاق .

ثالثا: مخاطر ثقافة سلب الحساسية، والإدمان السيبراني: إن الشركات المنتجة لا تولي هذا الجانب العناية المطلوبة، وهذه المخاطر بأنواعها ستكون آثارها سلبية جداً بخاصة على الأطفال، حيث ستؤدي إلى الإدمان السلبي.

رابعاً: مخاطر فقدان التنوع الثقافي: ونقصد بمخاطر فقدان التنوع الثقافي، هو أن هذ التقنية ستتسبب في دمجها في ثقافة واحدة من خلال الارتباط بالعالم الافتراضي، الذي سيقضي المشتركون معظم أوقاتهم فيه، حيث يؤدي إلى عدم العناية بالعالم المادي، وعدم الاعتراف بالثقافة والتقاليد والفنون الخاصة بالشعوب.

خامسا: مخاطر زيادة العاطلين وارتفاع البطالة: ومن بين أبرز المخاطر التي قد تتسبب بها تقنية الميتافيرس، ما يترتب عليها من زيادة في عدد العاطلين عن العمل ، حيث يؤدي إلى زيادة عددهم، بالإضافة إلى أنها ستزيد الشركات الكبرى غنى وثراءً فاحشاً ، والفقراء فقراً وكدحاً.

سادساً: مخاطر صناعة توأم رقمي للمستخدم: بيّن الخبراء أن لتقنية الميتافيرس قدرات هائلة وخارقة ، فتستطيع إنشاء توائم رقمية للمستخدمين في العالم الافتراضي ، وهذا يضعنا أمام تحديات كبيرة .

وبناء على هذه المعلومات فإن تقنية الميتافيرس تتدخل في حياتنا وثقافتنا ، وهويتنا ، وشخصيتنا إذا لم توضع لها قوانين ومواثيق أخلاقية لحماية ما بقي من خصوصية الإنسان.

سابعاً: صعوبة إثبات الجرائم الافتراضية وإثبات الخسارة، أو الأضرار التي لحقت بالهوية الرمزية: فقد قامت وكالة أبحاث الواقع الافتراضي ( العقول الممتدة) عام 2018م بدراسة حول هذه المسألة، وأفادت أن 36% من الذكور ، و 49% من الإناث من مستخدمي تقنيات الواقع الافتراضي قد تعرضوا للتحرش الجنسي، لكن المتحرشين استطاعوا إخفاء هوياتهم خلف الهوية الرمزية، وأكدت أيضاً شركة كومون سينس ميديا ذلك ، وأن المخاطر التي تعرّض لها الأطفال كانت مرتفعة.

ثامناً: صعوبة إثبات الملكية في عالم الميتافيرس: ولذلك يجب السعي تقنياً وقانونياً للوصول إلى طريقة آمنة لإثبات الملكية ، وكذلك لنقلها. ويرجى الخبراء أن الطريق الأفضل للإثبات في هذا العالم الافتراضي هو الإثبات الرقمي للملكية ، ومن خلال الرموز غير القابلة للتبادل بحيث لا يمكن نسخها ، أو تزويرها إطلاقاً ، وهذا يتطلب استخدام تقنية البلوك تشين .

تاسعاً: صعوبة الحوكمة العادلة: فقد أصبحت الحوكمة ضرورية وبخاصة في عالم المال والاقتصاد ، ولذلك فإن عالم الميتافيرس بحاجة ماسة إلى تطبيق الحوكمة العادلة، ولكن تحقيقها فيه ليس سهلاً، فهي بحاجة ماسة إلى وضع تقنيات عالية لتحقيقها في ظل وجود قوانين ملزمة .

القسم الثاني: المخاطر الخاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية من خلال تطبيق تقنية الميتافيرس :

فبالإضافة إلى المخاطر السابقة التي تتسم بالعموم والشمول، فإن هناك مخاطر أكثر خطورة تختص وتتعلق بالمؤسسات المالية الإسلامية ، من خلال استخدام هذه التقنية لأغراض إجرامية مالية، مثل التلاعب بالسوق ، والاختراقات الالكترونية ، والهجمات الالكترونية ، وانتهاك خصوصيات المؤسسات المالية ، وغسيل الأموال، والتحويلات غير القانونية، والتجسس على هذه المؤسسات، وسرقة أسرارها، أو بعضها، أو على حسابات وأموال العملاء، حيث لا يستعبد الخبراء أن يؤدي ذلك إن انهيار المراقبة، ونمو الشبكات الإجرامية.

وكذلك يمكن -حسب توقع الخبراء- أن تتخذ العصابات الإجرامية الخاصة بالإلكترونيات بتطوير برامج خاصة بكيفية الاختراق ، وبيع معلومات بطاقات الائتمان ، أو حتى عمليات فحص شبكية العين، ويمكنهم أيضاً من إدخال مواد خارجة عن الذوق والدين والأخلاق .

العلاج ، أو التخفيف من آثار ومخاطر الميتافيرس: أعتقد أن العلاج الجذري صعب جداً، ولكن يمكن التخفيف من آثارها من خلال ما يأتي:

1- تعاون الحكومات ، وبخاصة حكومات الدول الإسلامية في وضع قوانين وتشريعات وإجراءات ولوائح تنظيمية وأخلاقية وتقنية لضبط هذه التقنية ضبطاً محكماً بقدر الإمكان.

2- تعاون الشركات الكبرى المصدرة لهذه التقنية ، أو المطورة ، أو القادرة على التأثير فيها، للتقليل من آثارها السلبية ، وزيادة ايجابياتها، ومعالجة مخاطرها ، وعلى حماية خصوصية الأشخاص ، والأفكار ، والمؤسسات ، ومنع التجاوز على الثقافات.

3- بالإضافة إلى ضرورة تعاون العلماء والخبراء المتخصصين أنفسهم في هذه التقنيات على التقليل من الآثار ، والمخاطر التي تصاحب تقنيات الميتافيرس.

4- قيام مراكز البحوث والدراسات العلمية في بلادنا وبالتعاون مع المراكز العلمية المتقدمة التي تشترك في حماية الخصوصية بإجراء الدراسات العملية والتقنية الرصينة لوضع بدائل عملية ناجعة.

5- قيام المؤسسات المالية الإسلامية بتخصيص جزء من أرباحها لمراكز البحث المتخصصة للاستفادة من هذه التقنيات مع التقليل من مخاطرها وآثارها السلبية.

6- قيام المؤسسات المالية الإسلامية بصرف ما يمكن صرفه للوصول إلى البدائل الآمنة المتطورة القابلة للتطبيق والمتفادية كل الآثار السلبية أو معظمها .

إيجابيات الميتافيرس:

مع هذه المخاطر التي أشرنا إليها، وغيرها مما لم نتطرق إليه ، فإن تقنية الميتافيرس تحمل معها إيجابيات وفرصاً ، منها:

1- أنها تدعم مجالات صناعة الخدمات بصورة عامة ، وكذلك تمكن المؤسسات الصحية من التطوير وبخاصة في مجال العمليات الجراحية عن طريق روبوت ، وكذلك تدعم الصناعة المالية والتمويل الإسلامي بصورة خاصة، وكذلك يستفاد منها في مجالات التصنيع ، والترفيه المشروع، والاستفادة منه في دفع عجلة التنمية الشاملة ، من خلال تفعيل مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي أصبحت لا نهاية لها في التقدّم المستمر السريع نحو اقتصاد المعرفة.

2- أيضاً من إيجابيات هذه التقنية أنها تساهم في حلّ مشاكل الازدحام، حيث إن الناس يمكنهم متابعة المشاهد الرياضية ، أو الحفلات دون الخروج من منازلهم ، وذلك من خلال ارتداء نظارات الواقع الافتراضي.

3- ولها كذلك إيجابيات أخرى ، ستظهر عندما تستكمل هذه التقنية تماماً وتصبح قابلة للاستخدام بشكل مقبول .

كيفية الاستفادة من تقنية الميتافيرس في نطاق المؤسسات المالية الإسلامية : ويمكن الاستفادة من تطوير استعمال تقنية الميتافيرس في نطاق المؤسسات المالية الإسلامية، من خلال ما يأتي:

(أ) البلوك تشين (Blockchain) والصيرفة الإسلامية:

ومن المعلوم أن تقنية البلوك تشين (Blockchain) توفر حلاً لا مركزياً وشفافاً للإثبات الرقمي للملكية ، والتحصيل الرقمي ، ونقل القيمة، والحوكمة، وإمكانية الوصول ، وقابلية التشغيل البيْني، والتحويلات ونحوها، لذلك يمكن للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية الاستفادة من هذه التقنية في الأمور السابقة، وفي علم التجارة، وفي عالم الفضاء بشراء الأراضي الافتراضية المشروعة ، والعملات الرقمية الافتراضية المشفرة (على فرض صحتها) .

(ب) الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence.AI) والصيرفة الإسلامية:

وكما هو معلوم فإن الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence.AI) اليوم يستخدم في نطاق واسع في الخطط الاستراتيجية والبرامج والمشاريع الحيوية، واتخاذ القرار، والحوسبة الأسرع وغير ذلك ، ولكن المتخصصين في مجالات الذكاء الاصطناعي بدؤا يستخدمونه في تجربة الميتافيرس أكثر واقعية ، وإنشاء صور رمزية ثلاثية الأبعاد وذلك باستخدام محركات الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور ثلاثية الأبعاد ، أو إنشاء صورة رمزية لتبدو أكثر واقعية ، وأكثر ديناميكية.

والمؤسسات المالية الإسلامية تستطيع الاستفادة من الذكاء الاصطناعي مع تقنية الميتافيرس في كل ما ذكرناها ، وفي معالجات البيانات والتقارير المالية بسرعة البرق، وتقنيات التعلّم الآلي، ومخرجات ورؤى فريدة للمنتجات، وعمليات التحليل ، وتمرير البيانات المكانية ثلاثية الأبعاد إلى أجهزة الكومبيوتر .

(ج) انترنيت الأشياء (Internet of Things. IoT) والصيرفة الإسلامية:

ظهر هذا النوع (IoT) لأول مرة عام 1999م، وهو نظام يربط العالم المادي بالأنترنيت من خلال أجهزة الاستشعار التي يكون لها معرّفٌ فريد ، وقدرة على إرسال المعلومات ، أو تلقيها تلقائياً، مثل توصيل منظمات الحرارة ، ومكبرات الصوت، والأجهزة الطبية بمجموعة واسعة من البيانات .

فمثلاً فإن أحد تطبيقات انترنيت الأشياء (IoT) على الميتافيرس ، هو جمع وتوفير البيانات من العالم المادي ، وبالتالي فيمكنه تغيير طريق أعمال معنية ، وكذلك يساعد انترنيت الأشياء (IoT) في تحسين بيئة الميتافيرس ، كما أنه يمكنه استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي لإدارة البيانات التي تجمعها . فهذه التقنيات الثلاث ، كل واحد منها في غاية من الأهمية فيمكن الاستفادة منها منفردة ، ومجتمعة ، وكذلك مع دمجها في تقنية الميتافيرس.

(د) أدوات الميتافيرس والصيرفة الإسلامية:

ويمكن الاستفادة من الأدوات التي يستخدمها الميتافيرس ، حيث استفاد من استخدام محافظ العملات الرقمية، مثل محفظة (Trust) ومحفظة (Meta Mask) التي تُيح له المجال لخلْق اقتصاد رقمي به أنواع مختلفة من الرموز غير القابلة للتبادل .

السبب في ربط الميتافيرس بألعاب الفيديو: مع أن عالم الميتافيرس واسع، لكن معظم أنشطته مرتبطة بألعاب الفيديو، وذلك بسبب رغبة الناس إلى اللهو واللعب أكثر، وتحقيق الربح الأكبر منهما، فمثلاً أن لعبة (Fortnite) متعدد اللاعبين شارك فيها 12,3 مليون لاعب في الجولة الموسيقية الافتراضية للمطرب ترافس سكوت داخل اللعبة.

وهناك لعبة (Axie Infinity) تهدف إلى تحقيق الأرباح للاعبين من خلال شراء 3 مخلوقات تُعرف باسم (Axies) ، منحها هدية، حيث يمكن للاعب الحصول على رموز (SLP) المميزة، وعند بيع هذه الرموز في السوق المفتوحة يمكن للفرد أن يجني مائتي دولار إلى ألف دولار حسب سعر السوق، ومقدار ممارسته للعبة، وهذه اللعبة نفسها تتيح للاعبين الفرصة في الحصول على وظيفة تشبه عالم الميتافيرس. وهناك ألعاب أخرى تستخدم لشراء الأرض باستخدام العملة الرقمية .

مدى إمكانية استفادة المؤسسات المالية من تقنية الميتافيرس:

يمكن للمؤسسات المالية الإسلامية استخدام تقنية الميتافيرس والاستفادة منها فيما يأتي:

1- الاستثمار في هذه التقنية ، حيث يتوقع أن يصل حجم الاستثمارات إلى تريليون ونصف تريلون دولار ، فقد نشرت بلومبيرج انتليجنس في عام 2021م تقريراً يؤكد أن تكنولوجيا الميتافيرس لها آفاق اقتصادية هائلة، ويتوقع أن تصل إلى 800 مليار دولار بحلول منتصف هذا العقد أي (عام 2025م) وإلى 2،5 تريليون بحلول (عام 2030م) فيمكن للمؤسسات المالية الإسلامية أن تستثمر فيها بضوابط شرعية ، وبعقود شرعية .

2- القيام بالإعلانات والتسويق عبر تقنية الميتافيرس بمساعدة المسوقين الافتراضيين ولذلك لتسويق المنتجات التمويلية والاستثمارية والصكوك والخدمات والمنتجات الاقتصادية.

3- إمكانية عقد صفقات البيع والإجارة ونحوهما من عقود المعاوضات المالية.

مقترحاتي: وإنني أقترح على الدول والمؤسسات وبخاصة المؤسسات المالية الإسلامية أن تسعى لتحقيق ما يأتي:

أولاً: إنشاء المناطق الآمنة المحمية للجميع، بحيث تسمج للمستخدمين الأفراد ، أو المؤسسات ، أو مجموعة متماسكة إنشاء منطقة خاصة محمية مشفرة به كما هو الحال في الواتساب.

ثانياً: صناعة عالم افتراضي خاص بالدعوة إلى الله تعالى، وأتذكر أننا في ( إسلام أون لاين) قمنا بترتيب عالم افتراضي للدعوة ، وخيمة للفكر، وهكذا ، فتجري فيها المناقشات ، والجدال حول معظم القضايا الخاصة بالإسلام، وبخاصة في نطاق الشبهات والشهوات والتأصيل.

ثالثا: وأدعو المؤسسات المالية الإسلامية لإنشاء عالم افتراضي خاص بها ، يتم فيها التعريف بالمصارف الإسلامية ، والمحافظ الاستثمارية، والصكوك، وشركات التأمين التكافلي، وشركات التأجير ، والتمويل وغيرها، وكل ما يتعلق بأنظمتها ، وخدماتها ، وما يتعلق بها من العقود والصيغ التمويلية الشرعية، والصكوك، وبقية المنتجات المالية الشرعية.

فيكون هذا العالم الافتراضي بمثابة معرض عام يعرف بكل ما سبق بجميع الوسائل السباقة صوتاً وصورة ، وأخلاقاً ونحوها. ويمكن أن تضاف سوق تجارية إلى داخل هذا العالم الافتراضي ، لمن أراد أن يعقد أي عقد شرعي على المنتجات الشرعية المتنوعة. كما يمكن تخصيص السوق التجاري بعالم افتراضي خاص بها، وقد يكون ذلك أفضل.

رابعاً: ترتيب عالم افتراضي خاص بالتدريب على العقود والصيغ والمنتجات والآليات الشرعية .

خامساً: ترتيب عالم افتراضي خاص بالاقتصاد الإسلامي وفقه المعاملات تأصيلاً وتنظيراً وتطبيقات.

سادساً: ترتيب عالم افتراضي خاص بفريضة الزكاة من حيث الجمع والصرف، والضوابط والشروط، فيمكن أن يضم هذا العالم الخاص بالزكاة كيفية صرف الزكاة، والإجراءات التي يمكن أن تتم في هذا العالم الافتراضي بدءاً من تعيين الوعاء الحساب الزكوي ، والنصاب ، وحساب الزكاة ، وإخراجها ، وصرفها في مستحقيها.

سابعاً: ترتيب عالم افتراضي خاص بالوقف ، وتأريخه، ودوره ، وأنواعه ، وكل ما يدور حوله وما يتعلق به.

ثامناً: ترتيب عالم افتراضي خاص بالجمعيات الخيرية والإنسانية (أي المؤسسات غير الربحية) لاحتواء كل ما يتعلق بها حول كيفية التنظيم والجمع، والصرف، والتسجيل ، ونحو ذلك.

ضوابط ومعايير تكنولوجيا تقنية الميتافيرس: لضبط تكنولوجيا تقنية الميتافيرس ، يحتاج إلى الضوابط والمعايير الآتية:

أ- ضوابط عقدية ، وأخلاقية، وشرعية في كل ما يتعلق بهذه التقنية في جميع جوانبها، وحيثياتها، بحيث تتقي عن كل ما يتعارض مع عقديتنا ، وقيمنا ، وشريعتنا الغراء.

ب- ضوابط تقنية دقيقة لمنع جميع الجرائم الخاصة بالأعراض والأموال والخصوصية من خلال قوانين رادعة تلزم الشركات المصدرة ، أو المشرفة على هذه التقنية بترتيب تقنيات تحقق التحصين والتشفير لتوفير الحماية الكافية الكاملة، وبدون ذلك لا تسمح الدول بهذه التقنيات ، أو تضع لها غرامات وجزاءات وعقوبات رادعة.

ج- ضوابط متعلقة بالعقود التي تجري في هذا العالم الافتراضي ، بحيث تكون آثارها حقيقية ، وأن يكون محلها شيئاً ( عيناً أو منفعة أو حقاً مالياً) محققاً تحقيقاً حقيقياً ، حتى ولو لم يكن ملموساً مثل البرامج الالكترونية.

ثم داخل العقود الشرعية يجب أن تتوافر في كل عقد أركانه وشروطه، وأن لا يكون عليه أي مانع شرعي أو مخالفة شرعية. وكذلك يجب تحقيق الشروط والضوابط الخاصة بالصكوك ، والمحافظ الاستثمارية.

د- ومن الضروري اليوم التزام المؤسسات المالية الإسلامية بالمعايير الشرعية والمحاسبية الصادرة من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) ومعاييرها الخاصة بالضبط والأخلاقيات والحوكمة والمخاطر ونحوها من المعايير التي أصدرها مجلس الخدمات المالية الإسلامية ، وكذلك القرارات والفتاوى المجمعية المعتبرة.

والخلاصة ، إن " الميتافيرس " قادم ، وهو عالم افتراضي ثلاثي الأبعاد، يجب أن نتهيأ له ، ونستفيد منه ، ونحتمي منه وفق ما ذكرناه في هذه العجالة، وكل ذلك يتحقق بإذن الله تعالى إذا تعاونت الدول الإسلامية، والمؤسسات المالية الإسلامية ، وشركات التقنية، والأمن السيبراني.

ونستطيع أن نلخص ذلك من خلال تحقيق ميزان الإسلام القائم على كفة العلم الدقيق -مهما تطور- وكفة الأخلاق والقيم ، بحيث لا يترتب على التقنيات العلمية الإيذاء والإضرار بالإنسان في جميع ما يخصه، وبالحيوان والبيئة، وهذا هو المنهاج الذي رسمته أول آية تنزل، وهي ( ٱقۡرَأۡ ) أي اقرأ كل شيء وحقق بالعلم كل خير وتقدم، ولكن بشرطين ، أو بتحقيق كفتي الميزان، وهما:

أ‌- ( ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ) أي باسم الربوبية والعقيدة والأخلاق.

ب‌- ( ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ) أي في ظلال كرامة الإنسان وحقوقه.

هذا والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

كتبه الفقير إلى ربه أ.د. علي محيي الدين القره داغي





التالي
الشيخ سلمان الندوي يزور قبر الإمام الترمذي ويتحدث عن سيرته في أوزبكستان.

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع