البحث

التفاصيل

نافذة تاريخية للوجود الإسلامي في مجتمع الغرب بين الرفض والاحتواء

الرابط المختصر :

اجتمعت لجنة الأقليات الإسلامية والقضايا الإنسانية اجتماعها الثاني في مدينة سيدني في أستراليا،  وتم خلال الاجتماع عرض نافذة تاريخية للوجود الإسلامي في مجتمع الغرب بين الرفض والاحتواء 

ففي فترة وجود القطبين ، الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي ، كان قانون التدافع يعمل بجلاء ووضوح ، وكان الوجود الإسلامي في مجتمع الغرب له مبررات استطاع الغرب أن يوظفها في صراع الأيديولوجيات ، فاكثر المهاجرين هاجروا فرارا من الأنظمة الثورية الشمولية التي كانت تسيطر في تلك الفترة ، وبعض هؤلاء المهاجرين كان بينهم وبين الأنظمة صدامات بسبب انتماءاتهم الدينية والأيديولوجية ، ومن ثم كان في مصلحة الغرب أن يستقبلهم ويؤويهم ليحقق بذلك أكثر من هدف في وقت واحد .

1.    فمن ناحية يكتسب الغرب مصداقية في دفاعه عن الحريات وحقوق الإنسان في مواجهة المد الماركسي الذى حقق امتدادا في نصف الكرة الأرضية حيث ارتبطت به أنظمة ومجتمعات دارت في فلكه وكانت تدين له بالولاء الأيديولوجي ، ومن ثم يظهر الغرب هنا حين يستقبل هؤلاء ويأويهم كواحة للحرية وملاذ آمن لحقوق الإنسان
2.    يمكن استعمال هؤلاء المهاجرين كورقة ضغط سياسي في مواجهة الأنظمة التي تعاديه وبعض هؤلاء يشكل طليعة المعارضة السياسية والقوى المضادة للثورات.
3.    وجود هؤلاء في مجتمع الغرب وخصوصا التيار الحركي منهم يجعل نشاطهم تحت سمعه وبصره ومن ثم يمكنه احتوائهم ويعمل على ترويضهم ويستفيد منهم في حال ما إذا تولى هؤلاء السلطة في بلادهم.
4.    كانت وجهة نظر الغرب أن خصائص هؤلاء وهوياتهم ستذوب بعد جيل أو جيلين ومن ثم تنمحي وتتلاشى تلك الخصائص وتتم في هدوء عملية الدمج والذوبان.

وكانت هذه هي الأهداف وراء ترحيب الغرب بالوجود الإسلامي في النصف الثاني من القرن الماضي، لكن الرياح أحيان تأتى بما يشتهى السفن، وأحيانا تأتى عكس ما يشتهى السفن ، فقد سقط القطب الشيوعي وتحلل الاتحاد السوفيتي وانحصر المد الماركسي الذى كانت أمريكا والغرب تخافه وتخشاه.

ثم انكمشت دول عدم الانحياز وانفرد قطب واحد بزمام العالم. وقدمت أكثر الأنظمة التي كانت ثورية أوراق اعتمادها في بلاط النظام العالمي الجديد بعدما أعلنت توبتها وتطهرها من رجس الماركسية والشيوعية، ومن ثم فلم يعد الغرب في حاجة ليسوق نفسه كحام لحمى الحرية وكمدافع عن حقوق الإنسان.

ولم يعد الوجود الإسلامي يستعمل كورقة للضغط على تلك الأنظمة حيث التحقت تلك الأنظمة بقاطرة الغرب نفسه واضحت تأخذ عنه وتتلقى منه وتحولت العلاقة من العداء لتكون سمنا على عسل ، وطبيعي أنه لم يكن في حسبان تلك الأنظمة أن تكون سقفا ومظلة لحماية أبنائها في الخارج إذ الداخل نفسه يعانى ولا يشكل بالنسبة لها هما فكيف تفكر في مصلحة أقلياتها في المهجر؟ 

وبذلك سقطت المبررات الثلاثة: الأول والثاني والثالث من حسابات الغرب في التعامل مع الوجود الإسلامي في مجتمع المهجر.

وكان الغرب يعتقد بفكرة الذوبان والتلاشي بعد جيل أو جيلين أو ثلاثة أجيال على الأكثر، لكن المفاجأة المذهلة أن أجيال الاخلاف نشأت أشد تمسكا بدينها وتماسكا في هوياتها، بل تحولت إلى جزء من النسيج الاجتماعي واللحمة الحضارية لمجتمعات الغرب وظهرت الخصوصيات أكثر فأكثر واضحت ظاهرة التمايز واضحة جلية وبدلا من الذوبان والتلاشي كان التأثير المباشر في النسيج الاجتماعي الغربي،

ومن ثم تم التداخل والمزج بين الديني والاجتماعي فأبناء المسلمين تزوجوا من نساء غربيات وهؤلاء وجدن في الدين الإسلامي وتقاليد الشرق ضالتهن فأسلمن وحسن إسلامهن، وارتبطت حركة التغيير الوجداني بحركة في تغيير المفاهيم والتصورات صاحبها وأعقبها تغيير في السلوك والممارسة، الأمر الذى أضحى من المألوف أن ترى المرأة الأوروبية ترتدى الحجاب وتفاخر به وتعتز كخيار لها وكحق من حقوقها المدنية بجانب كونه واجبا دينيا لا يجوز لأحد أن يمنعها عنه، والأمر كذلك بالنسبة للرجال حيث أصبح من المألوف ان ترى مسلما من أصل أوربي هو الذى يجلس ليفاوض أو يحاور نيابة عن المسلمين في بعض المصالح الحكومية . ومن ثم سقط المبرر الرابع وجاءت الرياح على عكس ما يشتهى السفن.

فإذا أضيف إلى ذلك رد الفعل على الحملة الشرسة التي تولت كبرها مصانع الكذب الإعلامي ودعايات إمبراطورية هوليود بعد أحداث 11 سبتمبر والتكثيف الشديد على اعتماد التشويه والكذب ، هذا الأمر المبالغ فيه جدا دفع الكثير من الناس إلى محاولة معرفة شيء عن هذا المارد المرعب والذى جاء ليحطم الحضارة ويطفئ أنوار الحياة فنفدت كل الكتب التي تتحدث عن الإسلام كما نفدت جميع المصاحف من المراكز والمؤسسات الإسلامية ، ومع البحث والتحري تكتشف الحقائق ،وبالإضافة إلى ما يتمتع به المواطن الأوروبي من الحرية كل ذلك جعل الإسلام خيارهم الأول، بعدما اتضحت الصورة واكتشف الناس حجم المغالطات والتدليس والغش. وصدقت حكمة الشاعر التي تقول (وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود) ، ولسان الحسود هنا قدم للإسلام دعاية لا تستطيع الدول الإسلامية مجتمعة ان تقوم بها وكان هذا الأمر من تدبير الله وحده لأنه وحده هو الذى يحول الضر إلى نفع وانه "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم"

كل هذه العوامل دفعت بالغرب إلى إعادة النظر في استراتيجيته تجاه الوجود الإسلامي في مجتمع المهجر، ومن ثم كانت حالة التراجع في الحريات العامة وحالة الانتكاس في الحقوق المدنية، مثلتها وترجمت عنها ترسانة القوانين الجديدة التي تعمل على تقوية الأقوى وهو أجهزة الأمن وإضعاف الأضعف وهو المواطن ومن ثم تخول لأجهزة الأمن المختلفة الممارسة الواسعة ضد مواطنيها تحت دعوى محاربة الإرهاب.

وقد اختتمت الاجتماع بعد عرض تفصيلي عن تاريخ الوجود الإسلامي في الغرب بتكوني لجنة لدراسة أهم المشاكل التي تواجهها الأقليات المسلمة في الغرب ومنها التحديات الداخلية والخارجية للأقليات المسلمة في الغرب.


: الأوسمة



التالي
فرع الاتحاد في كوردستان.... ترجمة مجلة "الأمة الوسط" إلى اللغة الكوردية
السابق
تغير الفتوى بتغير الزمان و المكان الحساب الفلكي أنموذجا

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع