البحث

التفاصيل

نظرية الرصاصة السحرية والفتح السلمي

الرابط المختصر :

نظرية الرصاصة السحرية والفتح السلمي

 

د فتحي أبو الورد

أستاذ الفقه وأصوله المشارك

 

في مجال الاتصال الجماهيري يعتبر "والتر ليبمان" عالم الاجتماع الأمريكي هو صاحب "نظرية الرصاصة السحرية"، وهي نظرية تدور حول دور وسائل الاتصال في التأثير على الجماهير، وتكوين الرأي العام، ويعتبر فيها أن وسائل التواصل لها قدرة فائقة في التأثير على رأي الجمهور، وأن تأثيرها يشبه إطلاق رصاصة سحرية قادرة على التأثير على الناس عند إطلاقها، ومن ثم يعتبر وسائل الاتصال هي أخطر الأدوات في العمل السياسي والاجتماعي.

وكان لشبكة الإنترنت دورها في ثورة الاتصالات والمعلومات حيث مكنت تكنولوجيا مزج الكمبيوتر والتليفون والأقمار الصناعية من قيام نظام فاعل لتبادل المعلومات بين البلدان وانتقالها بسرعة، وسمي هذا الانتقال السريع "طرق المعلومات السريعة".

ولخطورة وسائل الإعلام على عقول ونفوس الناس، ولأهميتها في صراع الأفكار والمعتقدات والقيم كانت الغلبة لمن يمتلك قوة إعلامية في الترويج لمبادئه وقيمه وأفكاره، ومن ثم يتوجب على كل من يريد التأثير في الجماهير الحصول على مساحة كبيرة في تلك الوسائل، ولا عزاء لمن لا يملك القدرة على الوصول إلى الجمهور؛ لأنه لا سبيل له إلى التأثير فيه.

هذه الثورة في عالم الاتصال والتواصل جعلت بعض علمائنا يعتبرون أن إيصال الدعوة والتواصل مع المدعوين عبر هذه المستحدثات الإلكترونية في شتى بقاع المعمورة هو "ج ه ا د العصر"؛ حيث يستطيع الداعي أن يعرض رسالة الإسلام بطريقة ميسرة تختزل الزمان، وتعبر المكان، وتخترق الحواجز والحيطان، لتصل للإنسان حيثما كان، مهما تناءت الديار وتباعدت البلدان، شريطة أن يتفن استخدام هذه الوسائل، ويحسن عرض رسالة الإسلام الخاتمة، ويتقن لغة من يتواصل معه، امتثالا لسنة الله في إرسال الرسل "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم" [إبراهيم: 4].

ونستطيع أن نستخدم الطلقة السحرية "السلمية" التي عير عنها "ليبمان" في إيصال رسالة الإسلام دون أن نطلق طلقة من مدفع، أو صاروخا من راجمة، أو مقذوفا من آلة عسكرية. وهذا هو الفتح السلمي، أو الحضاري الذي عناه بعض الفقهاء المعاصرين، دون أن تغفل الأمة عن امتلاك القوة ال ع س ك ر ي ة.

ولهذا الفتح السلمي أصل في الإسلام حيث سمى الله تبارك وتعالى هدنة المسلمين مع مشركي العرب في صلح الحديبية فتحا؛ بل سماه فتحا مبينا، حيث تفرغ الرسول بعدها لتمكين الدعوة، بعيدا عن تهديدات قريش وحلفائها، وانطلقت رسل رسول الله إلى الرؤساء والزعماء والملوك والقبائل، لعرض رسالة الإسلام عليهم، ودعوتهم ودعوة أقوامهم إليه، في جو آمن، ومناخ صحي للدعوة، ومساحة كبيرة من الحرية. ولنا أن نعلم أنه خلال عامين فقط من صلح الحديبية انضم إلى م ع س ك ر المسلين أنصار جدد، كانوا في العدد أضعاف من دخلوا في الإسلام منذ بداية البعثة حتى صلح الحديبية، إلى أن كان فتح مكة.

وعن هذا الفتح السلمي قال تعالى: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا"، وقد عنى بهذا الفتح الهدنة التي جرت بين رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وبين مشركي قريش بالحديبية. وقد أنزلت هذه السورة على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عند انصرافه من الحديبية بعد الهدنة التي جرَت بينه وبين قومه، كما قال شيخ المفسرين الطبري.

قال جابر بن عبد الله: ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية.

وعندما نزلت سورة الفتح، أرسل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى عمر، فأقرأه إياها، فقال: يا رسول الله، أو فتح هو؟ قال: نَعَمْ ".

هذه النظرة القرآنية هي التي حدت ببعض الفقهاء المعاصرين أن يتبنوا رأيا فقهيا معاصرا مؤداه أن فتح رومية الوارد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ربما يكون فتحا سلميا، فتفتح أوربا ذراعيها للإسلام، دون معاندة أو مكابرة أو محاربة، ويدخل الناس في دين الله أفواجا.

قال عبد الله بن عمرو بن العاص فيما رواه أحمد بسنده: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب؛ إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولًا، أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مدينة هرقل تفتح أولا". يعنى قسطنطينية وهي اسطنبول حاليا. أما رومية فهي روما كما في جاء معجم البلدان، وهي عاصمة إيطاليا اليوم.

 أقول هذا في ظل أجواء إقامة كأس العالم، والذي كان للدعوة الهادئة والحوار المباشر الجاد أثر كبير في تصحيح صورة الإسلام عند غير المسلمين، بعيدا عن التشويه والافتراء والتدليس المتعمد على المسمين في الإعلام الغربي، كما كان للبسمة والتمرة والقهوة وقارورة المياه تأثير الطلقة السحرية – على حد تعبير ليبمان - في قلوب غير المسلمين الزائرين للعاصمة القطرية "الدوحة" في المونديال، ومن يتابعهم عبر وسائل الاتصال والتواصل في العالم، فلا تحقروا من المعروف شيئا.

كما سيكون لهذا الحدث – في تقديري – أثر كذلك في تصحيح الصورة الذهنية التي انطبعت في عقول ونفوس كثير من الغربيين والشرقيين على حد سواء، بفعل الآلة الإعلامية المتحيزة والنظرة العنصرية المتعالية، والتي أوجدت فجوة في الاتصال بين المسلمين والجماهير الغربية، ونمطت المسلمين تنميطا سلبيا، ووضعتهم في قالب الإره ابيين والقتلة، والتي نتج عنها عدم فهم لرسالتنا وثقافتنا وحضارتنا وأخلاقنا وقيمنا.


: الأوسمة



التالي
كيف نتعامل مع محبي الرياضة ومتابعي كأس العالم؟
السابق
قطر دولة عظيمة منعت.. وأبدعت

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع