البحث

التفاصيل

بعثة النبيﷺ .. والنور للبشرية

الرابط المختصر :

بعثة النبيﷺ .. والنور للبشرية

بقلم: الشيخ حسن قاطرجي

 

بالتأكيد واليقين جاء النبي ﷺ إلى الوجود ومعه النور الذي به أضاءت الدنيا بعد ظلام، وارتقت بعد انحطاط وإسفاف.. ولقد كان (الانقلاب الإسلامي الحضاري) على يديه ﷺ كفيلًا بعدّه أعظم عظماء التاريخ، وكان بحقّ انقلابًا حقيقيًّا بعيدَ الغَوْر، متّسعَ الشمول، ممتدّ الأثر، جذريَّ التغيير، متميِّزَ النُّبْل في خيريّته للبشرية..

وإذا كان السياسيون وعلماء الاجتماع قد اختلفوا في تحديد: ما هي الثورة؟ ومقوّماتُها؟ إلا أنّ الإسلام بلا شكّ أحدث انقلابًا جذريًّا شاملًا وكان بحقّ أُمَّ الثورات في التاريخ الفكري والحضاري، ومضمونها هو ما يحتاجه عالَمُنا المعاصر، وبهذه بالمناسبة.. كان المستشرق الإنكليزي برنارد لويس، وهو من أخطر المستشرقين وأدهاهم وأوسعهم خبرةً بدهاليز السياسة، قد عنون في كتابه الخطير (الغرب والشرق الأوسط) فصلاً بعنوان: ثورة الإسلام!

خاصّة أن إحدى أخطر حقائق العصر أن الحضارة الغربية قد أفلست إفلاساً كاملاً في إدارة دفّة العالم، وما النزاعات الدولية المهدِّدة بتدمير الحجر والبشر والحروب المستعِرّة في عدد من الدول وتصاعد نِسَب جرائم القتل والاغتصاب والانتحار وتعاطي الـمُخدِّرات بمعدّلات مخيفة.. إلا شواهد على هذه الحقيقة التي نطق بها أحد أبناء هذه الحضارة والعارفين المتعمّقين بأحوالها الفيلسوف والمفكر الفرنسي (روجيه دو باسكييه) في قوله:

«لا بد أن المادية الغربية الجامحة إن استمرّت لن تنتهي إلا بتدمير الإنسان».

فالحقيقة المرّة أن البشرية في حالة احتضار مع آلام قاسية يُعاني منها إنسانُها بسبب إفلاسِ الحضارة التي تقودها.. إفلاسِها بمعيار الوجهة الصحيحة في علاقة الإنسان بخالقه وفهم مقصد وجوده وفي علاقته بالكون وبمعيار الأخلاق والقِيَم، مهما تكلمنا عن تقدُّمها المذهل في عالم التكنولوجيا والاتصالات والاكتشافات والعبقرية الإدارية!

وبالرجوع إلى تقارير عديدة صادرة عن الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة عن معدَّلات الجرائم وانتشار المخدِّرات والجرائم وعن ظروف السجون في العالم وتصدُّر الولايات المتحدة أعلى نسبة سُجَناء، وإلى حقائق ارتفاع معدَّلات الاغتصاب في سجونها والأرقام المذهلة المخيفة عن عدد القتلى والجرحى والمعوَّقين خلال قرن كامل ابتداءً من الحرب العالمية الأولى ونتائجها المدمّرة قبل أكثر من 100 عام، مروراً بالحرب العالمية الثانية وقنبلتي هيروشيما ونكازاكي النوويّتَيْن، وجريمة الغرب الكبرى في فلسطين وتهجير شعبها، إلى المخاوف من دمار نووي مفزع يأكل الأخضر واليابس تصل إليه الحرب الروسية - الأوكرانية، عدا الحروب والنزاعات داخل العديد من الدول خاصة الدول التي يفتك في شعوبها طغاةٌ مجرمون لئلا تنال حريتها كما هو حال عدد من الدول العربية!

لقد عادت البشرية إلى همجيتها ووحشيتها وخُلوّها من القيم يوم ابتعدت عن هَدْي السماء كما عبَّر الصحابي الخطيب المفوَّه المدقق العميق سيدنا جعفر بن أبي طالب ﷺ عندما قال في موقف من أروع مواقف التاريخ والمكاشفة الصريحة: "كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الـمَيتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسيَء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف"، (تأمَلوا حال الدول القوية الغنية والدول الفقيرة في القرن الواحد والعشرين)، "فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا..".

نداءٌ صادق يجب أن نُعلنه وخبر من أصدق الأخبار وأوثقِها وأشدِّها تأثيراً على مستقبل المسلمين ومستقبل البشرية، وهو: أن رسالة نبيّنا ﷺ هي التي ستردّ للمسلمين وللبشرية قاطبة الحياة الحقيقية الطيبة الهانئة الآمنة من جديد كما قال الله تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]، ووعد عز وجل: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً ۖ ﴾ [النحل: 97]

ولكن لن يُعطي العالَم سَمْعَه لهذا النداء إلا عندما يتقدم المسلمون الصالحون من عرب أو أجانب بوعي وهِمّة وتميُّز في الخُلق وصلة بالله تُنقذ الروح من الشقاء، وإتقان في الأخذ بالأسباب.. فهل نعي مسؤولياتنا؟ ونحقق التغيير المنشود الذي حققه الإسلام في الميادين الأربعة التالية عندما جاء أول مرة؟

● الميدان الأول: العقيدة والفكر فحاربتْ الوثنية والشرك والخُرافة وحقّقتْ للإنسان أعظم ما يتماهى مع كرامته الإنسانية، وهو توحيدُ الله الخالق وعبوديتُه وإفرادُه بالحاكمية، ﴿إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ ۚ ﴾ [يوسف: 40]. في آيات أخرى كثيرة جداً.

● والميدان الثاني: فلسفة الحياة وفهم الإنسان لمقصِدِ وجوده فيها، ومكانةُ الدنيا من الآخرة، ومهمتُه في العُمران الحضاري في رحلة الامتحان التي يقضيها على الأرض.

● والميدان الثالث: عالَم الأخلاق.. حيث ارتقى (الإسلام) بالإنسان إلى آفاق مُذهلة في النُّبْل والرحمة والعدل والمشاعر، ليزهُوَ التاريخ بتفرُّد أخلاق أجيال المسلمين الأولى التي هي من أثر أخلاق النبي ﷺ.. أخلاقِهِ التي عُدت إحدى أهم مقاييس اختياره أعظمَ عظماء التاريخ الإنساني حتى عند الدارسين الغربيّين، فمثلًا اعترف المفكِّر الفرنسي القانوني مارسيل بوازار في كتابه «إنسانية الإسلام» ص46 اعترافاً مُهمّاً عندما قال: "لا بدّ أن يكون محمد - الذي عرف كيف يَنتزِعُ رضا أوسعِ الجماهير - إنساناً فوق مستوى البشر حقاً، ولا بدّ أن يكون نبيّاً حقيقياً من أنبياء الله".

صلوات الله وسلامه عليه، علماً أننا نحن المسلمين تُغنينا شهادة الله رب العالمين..

● والميدان الرابع: نظام الحكم لأن الإسلام دينٌ ودولة، وعبادةٌ وحُكْم.. ولقد أحدث الإسلام في مجال العلاقة بين الحاكم والمحكوم والعلاقات الدَّوْلية وفلسفة الحروب والفتوحات انقلاباً إنسانياً وسياسياً تفتخر به البشرية.

كل ما تقدم لا ينبغي أن نقتصر فيه على التغنِّي بالأمجاد وقراءة صفحات التاريخ... بل يجب أن نُنتجه من جديد وهو ما تنتظره البشرية بفارغ الصبر من (قوةٍ رحيمةٍ عادلةٍ) تتقدم لتُنقذها من وَهْدَتها وعذابها!

وليسمَعْ المسلمون مليًّا لكلام أول بريطاني ترجم معاني القرآن الكريم إلى الإنكليزية أدق ترجمة وأبلغها وهو البحّاثة مارمادوك باكثول (ت: 1936، رحمه الله): «يمكن للمسلمين أن ينشروا حضارتهم في العالم بالسرعة نفسِها التي نشروها سابقاً بشرط أن يرجعوا إلى أخلاقهم السابقة، لأن هذا العالَم الخاوي لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم».

وهـــا إنّــا وإنْ كــنّــا غَفَلنا فإنّا بعد صَحْوتنـا نقـولُ

هو الإسلام دينُ الله يَبْقَى ويحمل صَرْحَه جيلٌ فجيلُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الشيخ حسن قاطرجي؛ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عضو مجلس أمناء الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام





السابق
حَديثُ النَّفس إلى الشَّيخ العَالِم!

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع