البحث

التفاصيل

حقوق الحيوان في سُنة الرسول ﷺ

الرابط المختصر :

حقوق الحيوان في سُنة الرسول ﷺ

بقلم: د. عبد الحي يوسف

 

من ثناء ربنا سبحانه وتعالى على نبيه ﷺ أنه أرسله ﴿رحمةً للعالمينَ﴾ والعالمون: كل ما سوى الله عز وجل؛ كما قال موسى عليه السلام جواباً على سؤال فرعون ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ﴾ [الشعراء: 23-24]. قال أهل التفسير: لِجَمِيعِ الْخَلْقِ. لِلْمُؤْمِنِ رَحْمَةً بِالْهِدَايَةِ وَرَحْمَةً لِلْمُنَافِقِ بِالْأَمَانِ مِنَ الْقَتْلِ وَرَحْمَةً لِلْكَافِرِ بِتَأْخِيرِ الْعَذَابِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُوَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ إِذْ عُوفُوا مِمَّا أَصَابَ غَيْرَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ.

وقد شملت رحمة نبينا ﷺ الحيوان البهيم والطيور العجماوات، ومن ذلك:

1/ عموم قوله ﷺ: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". قال في عون المعبود: "الراحمون" أي لمن في الأرض من آدمي وحيوان لم يؤمر بقتله بالشفقة عليهم والإحسان إليهم. ا.هــــ

وقال عليه الصلاة والسلام: "والشاة إن رحمتها رحمك الله"، حين قال له رجل: يا رسول الله إني أذبح الشاة فأرحمها.

2/ تحريمه ﷺ قتل بعض الدواب تعييناً؛ ففي حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله ﷺ عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد"، وفي رواية: الضفدع. الصرد: طائرٌ ضخمُ الرأس والمنقار وله ريشٌ عظيم نِصفه أبيض ونصفه أسود.

وعلة النهي عن قتل هذه الدواب ما فيها من المنافع؛ فإن النحل ﴿يَخْرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٌ لِّلنَّاسِ ۗ﴾ [النحل: 69]، ومن منافع الضفدع أكله لكثير من الحشرات الضارة مما يسهم في الحفاظ على البيئة، وأما الهدهد والنملة فقد كان من خبرهما ما قصَّه الله علينا في سورة النمل، ويكفينا قول ربنا سبحانه: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44]. وقد حكى لنا النبي ﷺ قصة نملة قرصت نبياً من الأنبياء قال: "فأمر بقرية النمل فأُحِرقت فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمةً من الأمم تسبح الله". رواه البخاري.

3/ يقابل ذلك أمره ﷺ بقتل بعض الدواب؛ وذلك كفاً لأذاها ومنعاً لشرها؛ ففي الصحيحين "خمسٌ فواسقٌ يقتلن في الحِلِ والحرمِ: الحيةُ والغُرابُ الأبقعُ والفأرةُ والكلبُ العقورُ والحُدَيّا".

فإن الكلب العقور يفزع الناس – خاصة النساء والأطفال – ولربما آذاهم بنابه؛ والحية والعقرب تقتلهم بسمها، والفأرة تنقِبُ الأرض وتقرُضُ المتاع، والغراب والحدأة يخطفان الأشياء، قال النووي في شرح مسلم عن هذه الأصناف من الدواب: فسُميت هذه فواسق لخروجها بالإيذاءِ والإفسادِ عن طريقِ معظمِ الدوابِ. ا.هـــ

ومثلها كذلك الوزغ فإنه مؤذ؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: "إن إبراهيم لما أُلقي في النارِ لم تكن في الأرض دابةٌ إلا أطفأت النار غير الوزغ فإنها كانت تنفُخُ".

وهذه هي وسطية الإسلام بين قوم يعتدون على كل حيوان متلذذين بذلك حتى حرشوا بين البهائم واستمتعوا بمصارعة الثيران، وآخرين يغلون فيه فلا يبيحون قتله بحال، ولو آذى بني الإنسان؛ ودين الله عز وجل وسط بين الغالي فيه والجافي عنه.

4/ من رحمته عليه الصلاة والسلام بالحيوان حثنا على إطعامه وسقايته؛ حيث أخبرنا أن في كل كبد رطبة أجراً، فقال: "في كل كبدٍ رطبةٍ أجر". قال ابن حجر رحمه الله تعالى: أي الأجرُ ثابتٌ في إرواءِ كلِ كبدٍ حيةٍ. ا.هــــ

وحكى لأصحابه رضوان الله عليهم أن بغياً غفر الله لها بسقايتها كلباً؛ فقال: "بينما كلب يُطِيفُ بركيّة كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فسقته فغُفِر لها به". وقوله "ركية": أي بئر ذات ماء.

وأعظم من ذلك أن يرتب ﷺ أجراً على أكل الحيوان أو الطائر مما يزرع الإنسان؛ فقال عليه الصلاة والسلام "ما مِن مسلمٍ يغرِسُ غرساً أو يزرعُ نخلاً فيأكلُ منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلا كان له به صدقة".

5/ من رحمته ﷺ بالحيوانات والطيور نهيه إيانا عن تعذيبها معنوياً؛ فمن ذلك ما حكاه ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا في سفرٍ مع النبي ﷺ فانطلق لحاجةٍ فرأينا حُمّرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحُمّرة فجعلت تُفرِشُ، فجاء النبي ﷺ فقال "من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها".

والحُمّرة: طائر صغير كالعصفور، وقوله: تُفرش: أي ترتفع وتظلل بجناحيها على من تحتها.

وبلغت رحمته ﷺ بالدواب نهيه إيانا عن شدة الصياح على الفرس وزجره حال التسابق؛ لما في ذلك من إتعابها وإرهاقها؛ فقال عليه الصلاة والسلام: "لا جلب ولا جنب في الرِهانِ". قال في عون المعبود: ويُطلق الجلبُ أيضاً على حث فرس السباق على قوة الجري بمزيد الصياح عليه لما يترتب عليه من إضرار الفرس. ا.هـــ

وأبلغ من ذلك نهيه ﷺ عن لعن الحيوانِ والدعاء عليه، لأن هذا الدعاء قد يستجاب فيتضرر الحيوان بذلك، فقد كان النبي ﷺ في بعض أسفاره وامرأةٌ من الأنصار على ناقةٍ، فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله ﷺ فقال: "خُذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة". رواه مسلم. وفي رواية: "لا أيمُ الله لا تصاحبُنا راحلةٌ عليها لعنة من الله". قال النووي رحمه الله تعالى: إنما قال هذا زجراً لها ولغيرها فعوقبت بإرسال الناقة. ا.هـــ

ـ

6/ ومن باب أولى النهي عن تعذيبه مادياً؛ فنهانا ﷺ عن تجويع الحيوان أو تحميله ما لا يطيق؛ فقد دخل حائطاً لرجلٍ من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي ﷺ حنّ وذرفت عيناه فأتاه النبي ﷺ فمسح ذفراه فسكت.. فقال لصاحب الجمل: "أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إليَّ أنك تُجيعُهُ وُتدئِبُهُ".

وفي لفظ "إن بعيرك يشكو كثرة الكُلَف وقلة العلف".

ونهى ﷺ عن اتخاذ ظهور تلك الدواب منابر؛ بمعنى أن يقف عليها الإنسان ليتكلم إذ لا حاجة لذلك؛ فقال عليه الصلاة والسلام: "إياكم أن تتخذوا ظهور دوابِكم منابر فإن الله إنما سخرها لكم لتُبلِغكم إلى بلدٍ لم تكونوا بالغيه إلا بشِقِ الأنفسِ، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجتِكم".

ومثله الجلوس عليها من غير حاجة؛ فقال عليه الصلاة والسلام: "اركبوا هذه الدواب سالمة، ولا تتخذوها كراسي". وقد روى الإمام أحمد في الزهد أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أمر غلاماً له بأن يجم بغله أياماً ثلاثة بعدما أتعبه بأن دار به في السوق كله؛ فقال له عمر"لكنك أتعبت البغل، أجِمّه ثلاثة أيام"!

ونهى ﷺ عن اتخاذ شيء ذي روح غرضاً، أي هدفاً للرمي؛ وقد مر ابن عمر رضي الله عنهما بنفرٍ نصبوا دجاجةً يرمونها فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها؛ فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ إن النبي ﷺ لعن من فعل هذا. رواه البخاري ومسلم.

وأخبرنا عليه الصلاة والسلام أنه "دخلت امرأة النار في هرة حبستها؛ لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خَشاش الأرض".

قال ابن حجر رحمه الله تعالى: وظاهر هذا الحديث أن المرأة عُذِبت بسبب قتلِ هذه الهرة بالحبسِ.ا.هــ

فمن حبس حيواناً أو طائراً ولم يحسن إليه في طعامه وشرابه فهو مستحق للعذاب؛ أما من حبسه لمصلحة مع الإحسان إليه فلا يشمله هذا الوعيد؛ بدليل حديث أنس في قصة أخيه أبي عمير؛ حيث لم ينكر عليه النبي ﷺ اتخاذه نغراً يلعب به؛ بل قال له: "أبا عمير: ما فعل النغير؟". قال ابن حجر رحمه الله تعالى: في الحديث جواز لعِب الصغير بالطير وجواز إمساك الطير في القفص ونحوه .ا.هـــ

ومن هذا الباب نهيه ﷺ عن التمثيل بالحيوان؛ بقطع بعض أطرافه أو إخصائه؛ قال ابن عمر رضي الله عنهما "لعن النبي ﷺ من مثَّل بالحيوان". ولما أتى ﷺ رجلاً في يده موسى يشق آذان بعض الإبل قال له: "ساعِدُ الله أشد من ساعِدِك، وموسى الله أشد من موساك". أي أن الله تعالى سيفعل بك ما تفعل بتلك الدابة؛ فالجزاء من جنس العمل ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49] وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "نهى رسول الله ﷺ عن خِصاءِ الخيل والبهائم".

ونهى عليه الصلاة والسلام عن وسم الحيوان بالكي أو الجرح ونحو ذلك؛ ففي صحيح مسلم أن النبي ﷺ مر عليه حمارٌ قد وُسِم في وجهه فقال: "لعن الله الذي وسمه" وفي رواية: "لعن الله من فعل هذا، لا يسمَنّ أحدٌ الوجه ولا يضربنه". لكن إذا كان الوسم لتحصيل مصلحة من تمييز الدواب فلا حرج فيه لكن في غير الوجه؛ وذلك استدلالاً بما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال "غدوتُ إلى رسولِ الله ﷺ؛ فوافيتُهُ في يده الميسم يسِمُ إبل الصدقة". قال ابن حجر رحمه الله تعالى: الحكمة فيه تميزها وليردها من أخذها ومن ألتقطها وليعرفها صاحِبُها فلا يشتريها إذا تصدق بها مثلاً لئلا يعود في صدقته. وذهب إلى هذا جمهور العلماء والعلة كما قلنا: جواز إيلام الحيوان للحاجة والمصلحة الراجحة. قال النووي رحمه الله: إذا وسم فيُستحبُ أن يسِم الغنم في آذانها والإبل والبقر في أصول أفخاذها لأنه موضعٌ صلب فيقِل الألم فيه، ويُخِفّ شعره ويُظهر الوسم. ا.هــــ

7/ من رحمته ﷺ بالحيوان أمره بإحسان ذبحه؛ فإن الله تعالى قد خلق بهيمة الأنعام لننتفع بلبنها وصوفها ولحمها؛ فقال سبحانه: ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَنْعَٰمَ لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَٰفِعُ وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ [غافر: 79-80]. وقال: ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَٰثًا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٍۢ﴾ [النحل: 80].

ومع ذلك فإن الشريعة لم تبح لنا تعذيبها حتى في حال ذبحها بل أمرتنا بالإحسان في ذلك كله؛ فقال ﷺ: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإن قتلتم فأحسنوا القِتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح" رواه مسلم. وقال أيضاً: "من رحِم- ولو ذبيحة عصفورٍ - رحِمه الله يوم القيامة".

قال البغوي رحمه الله: الإحسانُ في القتلِ والذبحِ مكتوبٌ على الإنسان كما نطق به الحديث. وعليه ينبغي أن يكون الذابحُ عالماً بطريقة الذبح الشرعية وإلا لن يتحقق الإحسان في الذبح. وقد فصل الفقهاء في ذلك من حيث إحداد الأداة المستخدمة في الذبح، وإراحة الذبيحة بالإسراع بإمرار الآلة على الحلق دون خنق لها، وسوقها إلى الذبح برفق، فقد رأى عمر رضي الله عنه رجلاً يجرُ شاةً ليذبحها فضربه بالدِّرةِ وقال: "سُقها - لا أم لك - إلى الموت سوقاً جميلاً". وألا يحد الشفرة أمامها؛ فقد رأى ﷺ رجلاً واضعاً رِجلهُ على صفحة شاةٍ وهو يحِدُ شفرته وهي تلحظُ إليه ببصرِها فقال عليه الصلاة والسلام: "أفلا قبل هذا أتريدُ أن تُميتها موتات". وألا يذبحها أمام أختها، وألا يشرع في سلخ جلدها أو نتفق ريشها قبل أن تزهق روحها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* د. عبد الحي يوسف؛ عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عضو مجلس أمناء الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام





التالي
الاتحاد يعزي في الشيخ جعفر أولفقي عضو لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية
السابق
انطلاق أعمال الجمع العام الوطني السابع للحركة لـ"التوحيد والإصلاح المغربية"

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع