البحث

التفاصيل

الألعاب الإلكترونية.. مخاطر عقدية

الرابط المختصر :

الألعاب الإلكترونية.. مخاطر عقدية

بقلم: د. عصام الشعار

 

إن حاجة النفس الإنسانية إلى الترفيه والترويح الذي تغذي به الروح والعاطفة، وتجدد به نشاطها، وتُذهب به عن نفسها السآمة والملل أمر فطري، فطر الله تعالى الناس عليه، وقد جاء في الحديث النبوي الشريف: "روِّحوا القلوب ساعة فساعة"(1).

بعض الألعاب تفرض على اللاعب لكي يجتاز مرحلة معينة أن يرفع الصليب أو ينحني له راكعاً!

الشرائع السماوية قاطبة لم تقف في وجه الغرائز الإنسانية، لكنها قننت طريقة إشباع هذه الغرائز، بحيث جعلتها في دائرة المباح والمأذون فيه شرعاً، وقد وضع الإسلام إطاراً عاماً يمكن من خلاله الترويح عن النفس حتى لا يُسَاء استغلاله، وحتى لا يخرج عن الغرض منه، فأباح الترفيه الذي لا يصادم نصاً يمنعه، أو حكماً مقرراً في الدين لا يتفق معه، الذي لا يترتب عليه تقصير في واجب، ولا يترتب عليه أي ضرر بالنفس أو إضرار بالغير، وأن يكون ذلك بِقَدَرٍ حتى لا يصير عادة تغريه بالانصراف عن الأعمال الجادة.

تصميم هذه الألعاب جاء بناء على خطط مدروسة يقوم عليها خبراء متخصصون

ودائرة المباح للترويح عن النفس المأذون فيه لا يمكن حصرها، ومنها الألعاب الإلكترونية بشرط أن تخلو من المحاذير الشرعية والتربوية، والسطور التالية سنتناول ما يكتنف بعض هذه الألعاب الإلكترونية من مخاطر تمس أمور العقيدة، وتزعزع الإيمان في القلوب خاصة عند الأطفال؛ الشريحة المهمة التي هي مثل الصفحة البيضاء يشتد تأثرها بكل ما يكتب فيها، ومن خلال الأسئلة التي ترد إلينا وقفت على بعض المحاذير الشرعية التي توجب علينا أن ندق ناقوس الخطر، حتى لا نفيق على كارثة، ولن أتحدث عن المخاطر النفسية والتربوية التي تخلفها بعض هذه الألعاب، فهذا يُرْجَعُ فيه إلى أهل التخصص، ولكن سأقف مع ما يمس جانب العقيدة مما تتضمنه بعض هذه الألعاب، ومن أمثلة ذلك:

الغزالي: الاستعمار رأى أن الغزو الثقافي أخطر من العسكري فهو يحقق له غنائم باردة ويصيب الإسلام في مقاتله

- بعض الألعاب تُوجب على اللاعب لكي يجتاز مرحلة معينة أثناء اللعب أن يرفع الصليب أو أن ينحني له راكعاً.

- إذا حصل اللاعب على نقاط معينة، فإنها تعطي اللاعب القدرة على إحياء الموتى من جنوده "الافتراضيين" الذين معه في اللعبة.

- قدرة الساحر بعصاه السحرية على فعل كل شيء.

- أن تكون بعض المقدسات مثل الكعبة المشرفة هدفاً يُطلق عليه اللاعب الافتراضي النار.

إذا لم نكن عوناً لأبنائنا على المسارعة في الخيرات فلا أقل من أن نحُـول بينهم وبين المُهْلكات

إلى غيرها من مظاهر تحوي أموراً تستهدف العقيدة في قلوب وعقول هؤلاء الأبناء وهم مستمتعون بلعبهم؛ ما يستوجب تضافر كل الجهود لمواجهة هذا الخطر الذي يتسلل إلى قلوب أبنائنا فيفسد عليهم دينهم وعقيدتهم.

حرب على الإسلام

وإذا كنا قد فشلنا في صنع وسائل ترفيه تحمل قيم الإسلام وتعاليمه، وتشحذ الهمم، وتفرغ طاقة أبنائنا فيما يدخل السرور والمرح على قلوبهم، وفي الوقت نفسه تغرس فيهم القيم، وتزكي فيهم الأخلاق، وتنمي مواهبهم، فلا أقل من أن نكون على دراية بما يُصَدِّرُه لنا أعداء الله تعالى ممن يمكرون بالليل والنهار ليفسدوا علينا ديننا، وهذا جزء من حربهم على الإسلام، ومن ظن غير ذلك فهو واهم يخادع نفسه!

وحسبنا قول ربنا جل في علاه: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) (البقرة: 217)، وفي تفسيره لهذه الآية، يقول صاحب الظلال، يرحمه الله: "هذا التقرير الصادق من العليم الخبير يكشف عن الإصرار الخبيث على الشر وعلى فتنة المسلمين عن دينهم بوصفها الهدف الثابت المستقر لأعدائهم، وهو الهدف الذي لا يتغير لأعداء الجماعة المسلمة في كل أرض وفي كل جيل، إن وجود الإسلام في الأرض هو بذاته غيظ ورعب لأعداء هذا الدين ولأعداء الجماعة المسلمة في كل حين.

إن الإسلام بذاته يؤذيهم ويغيظهم ويخيفهم، فهو من القوة ومن المتانة بحيث يخشاه كل مبطل، ويرهبه كل باغ، ويكرهه كل مفسد، إنه حرب بذاته وبما فيه من حق أبلج، ومن منهج قويم، ومن نظام سليم، إنه بهذا كله حرب على الباطل والبغي والفساد، ومن ثم لا يطيقه المبطلون البغاة المفسدون، ومن ثم يرصدون لأهله ليفتنوهم عنه، ويردوهم كفاراً في صورة من صور الكفر الكثيرة، ذلك أنهم لا يأمنون على باطلهم وبغيهم وفسادهم، وفي الأرض جماعة مسلمة تؤمن بهذا الدين، وتتبع هذا المنهج، وتعيش بهذا النظام.

وتتنوع وسائل قتال هؤلاء الأعداء للمسلمين وأدواته، ولكن الهدف يظل ثابتاً، وهو أن يردوا المسلمين الصادقين عن دينهم إن استطاعوا، وكلما انكسر في يدهم سلاح انتضوا سلاحاً غيره، وكلما كَلَّتْ في أيديهم أداة شحذوا أداة غيرها، والخبر الصادق من العليم الخبير قائم يحذر الجماعة المسلمة من الاستسلام، وينبهها إلى الخطر ويدعوها إلى الصبر على الكيد، والصبر على الحرب، وإلا فهي خسارة الدنيا والآخرة"(2).

فهذه الألعاب التي تتضمن كفراً بواحاً، وتلك التي تزعزع الإيمانَ في نفوس أبنائنا، فإن من قام بتصميم هذه الألعاب لم يفعل ذلك اعتباطاً، ولا خبط عشواء، ولكنها خطط ممنهجة ومدروسة، ويقوم على التخطيط والتنفيذ خبراء متخصصون يدركون هدفهم جيداً ويسعون جاهدين إلى تحقيقه!

فالحذر كل الحذر أن يقضي أبناؤنا الأوقات الطوال مع هذه الألعاب دون معرفة محتواها، ودون الوقوف على الرسائل التي تحملها هذه الألعاب، وأثرها عليهم في شتى الجوانب، فأعداء الله يمكرون الليل والنهار ليحولوا بيننا وبين ديننا وعقيدتنا، وكما يقول الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله: "إن الغزو الثقافي للعالم الإسلامي استمات في محو الإيمان الخالص وبواعثه المجردة، استمات في تعليق الأجيال الجديدة بعرض الدنيا ولذة الحياة، استمات في إرخاص المُثُلِ الرفيعة وترجيح المنافع العاجلة، ويوم تكثر النماذج المعلولة من عبيد الحياة ومدمني الشهوات، فإن العدوان يشق طريقه كالسكين في الزُّبْدِ، لا يَلْقَى عائقاً ولا عنتاً، وهذا هو السبب في جؤارنا الدائم بضرورة بناء المجتمع على الدين وفضائله، فإن ذلك ليس استجابة للحق فقط، بل هو السياج الذي يحمينا في الدنيا كما ينقذنا في الآخرة.

وإن الغزو الثقافي أنكى من الغزو العسكري؛ لأن الأول يمحق الشخصية، والآخر يهزم الأجسام! الأول يسلب التراث والوعي، ويجعل المهزوم يستحلي قيوده، أما الثاني فهو جُرْحٌ متجدد الآلام، ينادي بالثأر، ويوم لك ويوم عليك.. والاستعمار العالمي اجتهد بعد غلبه المادي أن يتحول إلى استعمار ثقافي كي يمحو خصمه ويطمس وجوده، ويبدو أننا فشلنا في مقاومة الغزو الثقافي على حين نجح آباؤنا في مقاومة الغزو العسكري.

إن ثورات التحرير التي يمدها الإيمان والاحتساب قدرت على إجلاء جيوش الاحتلال وردها على أعقابها، لكن الاستعمار العالمي رأى أن ثمرات الغزو الثقافي أكثر وأخطر، وأنها تحقق له غنائم باردة وتصيب الإسلام في مقاتله، فرأى أن يحرس هذا الغزو ويبسط يده لحماية أصحابه! وحسبه أنه عطل الشريعة وأفسد الأخلاق والتقاليد وترك الإيمان في حالة احتضار"(3).

أدوار مطلوبة

إن حراسة الدين والعقيدة مسؤولية وأمانة يشترك في حملها الجميع، فالدولة متمثلة في أجهزتها الرقابية، ومؤسساتها الدينية والدعوية، ونوافذها الإعلامية، ومؤسساتها التربوية يقع على كل منها دور في حماية أبنائنا من هذا الخطر الذي ينال من دينهم وعقيدتهم، كما أن الآباء يقع عليهم عبء مراقبة أبنائهم وتوجيههم، وقبل كل ذلك تحصينهم ببناء أسس العقيدة السليمة في نفوسهم كي يقفوا على أقدام ثابتة، ولا يكونوا كالريشة التي يطيّرها أعداء الله أينما شاؤوا.

ختاماً أقول: إن هذه الألعاب الإلكترونية التي تتضمن أي شيء ينافي العقيدة أو تحض على الفاحشة، أو تهدم حصن الأخلاق؛ هي حرام شرعاً، ويجب علينا أن نحُـول بين أبنائنا وبين هذه الألعاب، وأن نحرص على أن نوجد لهم البدائل المشروعة، والحذر الحذر من التهاون في هذا الأمر، وإذا لم نكن عوناً لأبنائنا على المسارعة في الخيرات، فلا أقل من أن نحُـول بينهم وبين المُهْلكات، فهذه وصية ربنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6)، وتلكم وصية نبينا صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» (متفق عليه).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) رواه أبو داود مرسلاً.

(2) في ظلال القرآن، 1/228.

(3)  الشيخ الغزالي: قذائف الحق، ص 73، الحق المر 4/124، 5/47.





التالي
"حسن الخاتمة".. وفاة مصري أثناء صلاة الفجر في مسجد بالغردقة
السابق
من أخلاق الصَّحابة رضي الله عنهم عند سماعهم للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع