البحث

التفاصيل

الخضر والقدر

الرابط المختصر :

الخضر والقدر

بقلم: أ. د. عبد السلام المجيدي – عضو الاتحاد

 

كيف تكون المصائب لصالح الإنسان؟

الْحَوَادِث التي تحدث للعباد قسمان:

القسم الأول: ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، كالْوَالِد إذا أَهمَلَ وَلَدهُ حتَّى يفعل ما يشاءُ ولا يُؤَدِّبُهُ.

القسم الثاني: ظاهره العذاب وباطنه الرحمة، كَالوَالِدِ إِذَا حبس وَلَدَهُ للعلم، والإنْسانِ إذا وقع في يده مرض الآكِلةُ (التي تسبب تآكل الجسد)، فإذا قُطعت تلك اليد فهذا في الظَّاهر عذابٌ، وفي الباطن راحةٌ ورحمةٌ.

فكل ما وجد من المصائب فهو لصالح بني الإنسان بالنظر إلى اختبار العاجلة ونتائج الآجلة،

فالغافل يَغْتَرُّ بِالظَّوَاهِرِ، وَالْعَاقِلُ يَنْظُرُ إلى الحقائق ولو كانت من السَّرَائِرِ، وينظر لها بعين بصيرته:

فالظواهر التي يُظنُّ أنها منافيةٌ للرحمة فحقيقتها الرحمة عند سبر أغوارها، ومعرفة حِكَمِها وأسرارها،

وأقرب مثالٍ لهذا الباب قصَّةُ موسى والخضر -عليهما السَّلام-، فإنَّ موسى كان يبني الحُكم على ظواهر الأمور، وَأمَّا الخضر فإنَّهُ كان يبنِي أَحكامهُ على الحقائق والأسرار، ولذا قال لما أبان الحق، وأظهر الحِكَم والأسرار: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82]،

واللافت للنظر أن هذه القصة الرائعة تمثل القدر بحذافيره؛ إذ ترى فيها الخضر عليه السلام الذي يمثل القدر الغيبي الذي لم يستطع عظيم مثل موسى عليه السلام أن يصبر عليه،

وقد وصف الله الخضر بما يصلح أن يكون وصفًا للقدر {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65]،

فكلمة {عبدًا} تدل على ملك الله،

وكلمة {رحمة} تدل على الأصل في أفعال الله.. إنه الأصل في قدره،

وكلمة {علمًا} تدل على العلم الذي يغيب عن المشاهدة.

إن كلَّ مَا فِي العالم من محنةٍ وبلِيَّةٍ وألمٍ ومشَقَّةٍ فهو ذو حكمةٍ ورحمةٍ في الحقيقة -وإن كان عذابًا في الظَّاهر-، فوجود المصائب والحوادث يكون لحكمةٍ خاصةٍ تعود في حقيقتها إلى الرحمة:

ويكفي لبيان ذلك ذكر هذه النماذج من الأحاديث العظيمة المبينة لبعض الحِكَم من المصائب الدنيوية،

فعن الأَسْوَد بن يزيد النخعي قال: دخل شبابٌ من قريشٍ على عائشة -رضي الله عنها- وهي بِمِنًى، وهم يضحكونَ، فقالت: مَا يُضْحِكُكُم؟ قالُوا: فُلانٌ خرَّ على طُنُبِ فُسطاطٍ، فكادت عُنُقُهُ أو عَينُهُ أن تذهب. فقالت: لا تضحكوا؛ فإنِّى سمعت رسول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: ((ما من مُسلمٍ يُشَاكُ شوكةً فما فوقها إلَّا كتبت له بها درجةٌ، وَمُحِيت عنه بها خطيئةٌ))،

وعنها -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ما ضرب على مؤمنٍ عرقٌ قط إلا حط الله عنه خطيئة، وكتب له حسنة، ورفع له درجة))،

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يود أهل العافية يوم القيامة -حين يُعطى أهل البلاء الثواب- لو أن جلودهم كانت قُرِضَتْ في الدنيا بالمقاريض)).





التالي
بمشاركة 60 عالما وواعظا من 13 دولة.. انطلاق الدورة العلمية الدولية 42 لشرح مضامين رسالة عمان في الأردن
السابق
الاتحاد يدين بشدة الاعتداء على المساجد ودور العبادة ويعتبر ذلك جريمة بشعة على المقدسات (تصريح)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع