البحث

التفاصيل

"عنْ كتابِ فقه الميزان"

الرابط المختصر :

"عنْ كتابِ فقه الميزان"

بقلم: شيروان الشميراني

باحث مختص في الفكر الإسلامي

عضو المكتب التنفيذي للمنتدى العالمي للوسطية

 

إنّ الوسطية منهج، والبحث عنها دائب لا يتوقف، طالما أن طبيعة الإنسان قابلة للتقلب، والانحراف نحو الإفراط والتفريط ممكن، وتجسيداتها تختلف من مكان لآخر، وتؤثر عليه تغيرات الظروف المجتمعية، إن كتاب "فقه الميزان" يأتي ثمرة اجتهاد جادّ في هذا المجال لإنارة الطريق وتصحيح المفاهيم والأفكار المغلوطة.

وصحيح أن الميزان كمفردة ومعاني واستعمالات، وعناوين للكتب، لا يخلو عنه التراث، إلاّ أنّ كتابَ الأستاذ الدكتور علي محي الدين القرە داغي من حيث منهج الكتابة والجمع والشمولية في المسائل المندرجة تحته، هو كتاب جديد.

1- إنّ البحث عن مقصد الله سبحانه من الميزان المنزل مع الكتاب، ومحاولة العثور على منهج تطبيقه هو بحث عن موازين الشرع، المبثوثة في ثنايا الكتاب [القرآن] نفسه، وهذا دليل على صعوبة المهمة، وبحاجة إلى دقة في النظر، والعمق في أدوات الاجتهاد العلمية، لكنه ضروري للغاية لأنه ظَفر بموازين الله الذي أمر بإقامتها لتستقيم الحياة، وتتجسد القيم العليا، قيَم العدل والقسط.

يضع الأستاذ المؤلف تعريفه الخاص المتوافق مع المقصود، وهو: (معرفة الموازين التي بها توزَن أبواب الإسلام" عقيدة وشريعة ومنهج حياة" والتعامل مع كل باب حسب ميزانه الخاص) لأنّه: (من وَزَنَ جميع أبواب الشرع بميزان واحد لم يستطع فهم الشريعة).

الناظر إلى الكتاب، يلحظ أنه في طريقه لكي يأخذ شكل نظرية متكاملة، وذلك بالحديث عن أركان فقه الميزان التي حدّدها بخمسة، مع مقدماته العلمية ومحتواه، وإنّ غياب عنصر منها يسبب الخلل في الحكم، أي العوَج في الفهم والعَرَج في السير.

2- موازين معنوية ومادية، يؤشر أستاذنا إلى نوعين من الميزان في الحياة، وهما " معنوي" و "مادّي"، ولكل مجاله، والحق أنّ الخلل الكبير الواقع هو في الميزان المعنوي، وتصحيح مساره هو مهمة العلوم والأفكار، الميزان المادي يكفي فيه صنع آلة الوزن مع شيء من التربية للوازن والتلويح بالقانون لتجنب الغش، أما الميزان المعنوي ففيه الكارثة والبلاء إذا اختلّ يختلُّ معه كلُّ شيء، ابتداءً بالتصورات، والتصور والفهم الأعوج يُنتجان الممارسة الخاطئة والأحكام الجائرة، وهنا يكون الظلم، وهنا تشتد الحاجة إلى ميزان عادل لوضع الأمور في نصابه، وهذه مهمة فقه الميزان، إعطاء كل مفصل فكري حقه ومستحقه "العدل"، ووضعه في محله "الحكمة". فالموازين المادية معلومة بالفطرة، أما الموازين [المعنوية] فهي نازلة مع الكتاب، وهي ما تحتاج إليه البشرية وتوزن بها الحقوق والواجبات والأحكام والعقائد والشرائع.

3- لا بدّ من تثبيت أنّ "فقه الميزان" ليس كتاباً في شرح الإسلام، وإنما هو "منهج في فهم الإسلام"، فهو كما ورد في المقدمة من كتب الأصول وليس من كتب الفروع، وعادةُ كتب الأصول – ولكي يبقى أصلاً- أنها تتمتع بالمتانة والكثافة من دون التفريعات الكثيرة التي ابتليت بها كتب الفقه والتفسير، بل يضع قواعد في الفهم ويترك الباحث والقارئ ليطبقه على أضرابه، يؤدي الكتاب دور الأستاذ ويصنع التلاميذ، أن يبقى مصدراً رافداً لكل باحث وكاتب ومفكر يكتب في المجال، وينهل من بحر الأفكار الواردة فيه.

4- يتمتع الكتاب بالخصائص المؤهلة "للتقعيد" ويُفضّل ذلك، بعض من المفاهيم الواردة في الكتاب يمكن تحويله إلى قاعدة شبيهة بالقواعد الأصولية المحكمة وبصياغة مجرَّدة، ونظرة الشَّفع في التعامل مع الثنائيات و"الجمع بين المتقابلات" التي تشكل قاعدة مهمة في صياغة المفاهيم، وأسلوب متقدم في صناعة الأفكار، هي إحدى هذه المسائل، أن تتحول إلى "قاعدة الشَّفع" وتكتب المسائل التي تندرج تحتها مثل "رفض الأحادية والجزئية في التفكير"، وتلك المسائل موجودة ضمن بحوث الكتاب.

 5- إنّ للكتاب فوائد لا بديل له في بابه، أهمها، "النظرُ الصائب" و "الحكمُ العادل" و "السيرُ المستقيم"، حيث إنّ للفهم الوسطي المعتدل، أسساً ومناهج، و كتاب فقه الميزان يأتي من ضمن الجهود العلمية التجديدية في الجانب المنهجي في فهم الدين، للعثور على الروح الوسطية الإسلامية والمعتدلة، فهو منهاج لترشيد العقل والفكر أثناء التعامل مع جموع النصوص الدينية، خاصة عندما يظهر للقارئ الباحث والعالِم وجود تناقض بينها، فوجود حالة -الحرب- يقتضي غياب -السلم-، وخطأ مُكْلِف تطبيق معايير الحرب على حالة السلم، كما حدث عند الجماعات الإسلامية المتطرفة المغالية، وكالمنهج الشَّفعي الجمعي الثنائي الذي يوصل المجتهد الى الحق، لكن النظرة الأحادية تقطع الأوصال.

هذا الكتاب "فقه الميزان" جاء متأخراً، ليس بمعنى أنّ الزمن تجاوزه، وإنما بمعنى أنه كان ضرورياً قبل ثلاثة عقود على أقل تقدير، فهو منهجي، والمنهج لابد من امتلاكه حتى يكون حاضراً دائما في الذهن وأن لا يتخلف، ثري في المحتوى، مُحبَّب إلى النفس، جدير بإدراجه في مناهج التدريس لأهل الاختصاص في مجال الفكر الإسلامي في الكليات والمعاهد، وكذلك التربية الفكرية للحركة الإسلامية، يتكامل مع كتب فقه الموازنات والأولويات ومقام التصرفات النبوية.

ويبقى عمل البشر غير كامل، ولا مكتمل، وتبقى الملاحظات تظهر على أعماله بين فينة وأخرى، مادام العقل البشري محدود في قدراته.

نسأل الله – سبحانه – أن يحفظ الأستاذ المؤلف الدكتور علي محي الدين القرە داغي ويبارك في صحته ووقته وفكره الحيّ.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..





التالي
"كلنا الشيخ بن حميد".. تضامن سعودي مع خطيب المسجد الحرام بعد حملة إسرائيلية ضده بسبب خطبة صلاة الجمعة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع