البحث

التفاصيل

واجب الأمة لمواجهة حملة الإساءات المتكررة لرسول الله ﷺ

الرابط المختصر :

واجب الأمة لمواجهة حملة الإساءات المتكررة لرسول الله ﷺ

بقلم: الشيخ د. تيسير رجب التميمي – عضو الاتحاد

 

تتجدد الهجمة على الإسلام بالإساءة إلى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وإلى رموزنا الدينية المقدسة وبالأخص التصريحات الأخيرة التي صدرت عن مسؤول هندي، إنها حرب حقيقية جديدة ضد المسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها، إنه الإرهاب بعينه الذي ينبغي على المجتمع الدولي وكل الأحرار والشرفاء في العالم إدانته ومحاربته، هذا لو صدق ادعاؤهم الحفاظ على حقوق الإنسان واحترام حرية الاعتقاد.

فبين الفينة والأخرى تنطلق حملة عنصرية نكراء من الإساءات المتكررة إلى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، إن فتح الباب على مصراعيه أمام من يتطاول على الإسلام ويسيء إلى مقدساته بذريعة حرية التعبير المحمية بالقانون يمثل جريمة شنعاء لها خطرها البالغ على الإنسانية جمعاء ، وتشتد خطورة هذا السلوك القبيح المنطوي على التعصب والتمييز العنصري والمبني على المعتقد والدين بالإمعان فيه والتسابق إليه والتمسك به دون توقف ، وبنشره على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام المتعددة كالصحف والفضائيات ومواقع الإنترنت ، مما يعني أن القصد منه إيذاء المسمين في مقدساتهم وعقيدتهم وتحقيرها وانتقاصها لا مجرّد احترام حرية التعبير عن الآراء الشخصية .

إن هذا السلوك البغيض يعكس مدى الحقد الأعمى والتعصب ضد الإسلام والمسلمين، ويعتبر تكراره دليلاً جلياً على عمق العداوة التي يكنها المتطرفون والمتشددون للإسلام والمسلمين، ودليلاً على كراهيتهم الحق والعدل والقيم العليا التي دعا إليها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ورسل الله جميعاً، ودلالتها أكبر على مخالفة المسيئين للمبادئ الأخلاقية المجمع عليها.

ولنا أن نفاخر بالسلوك الحضاري الذي اتبعه الإسلام ليوصل البشرية إلى الأمان والاستقرار والوقاية من هذه المخاطر ، فأرسى الأسس والقواعد الملزمة في هذا المجال ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

* منع الله سبحانه سب آلهة الآخرين ، قال تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } الأنعام ١٠٨ ، ففي الآية الكريمة نهيٌ صريحٌ عن سبّ الآلهة المعبودة من دون الله ؛ وبالأخص إذا خيف من أتباعها سب الله تعالى أو الإسلامَ أو النبيَّ صلى الله عليه وسلم ! فالسبّ لا تترتَّب عليه أية مصلحةٌ دينيّة ، فهدف الدّعوة الاستدلال على إبطال الشرك وإظهار استحالة مشاركة الأصنام لله تعالى في الألوهية ، كما أن السب يُحمي غيظ أتباعها ويثير أحقادهم ويزيد تصلّبهم، وهذا منافٍ لمراد الله سبحانه من الدّعوة ، قال تعالى لموسى وهارون عليهما السّلام لما أرسلهما إلى فرعون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} طه ٤٤ ، فالسبّ عائق عن المقصود من البعثة بل سبب للمفسدة ومانع من تحقيق المصلحة.

* لا يمكن اعتبار الانتقادات القرآنية الموجهة إلى المسيحية أو اليهودية أو الوثنية وذكر نقائص آلهتهم من باب السخرية أو الإساءة إليها أو إلى أتباعها ، بل ورد في مقام المناظرة العقلية والمنطقية ليدلّل على نفي إلهيتها ، وهذا ليس من الشّتم ولا من السبّ ، فالسبّ هو الانتقاص والتحقير بقصد الإيذاء ، وهو لا يأتي في سياق المجادلة التي يقصد منها التعبير عن الرأي والمعتقد ، ومثال ذلك قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } الأعراف 194-195 ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستبح دماء النصارى واليهود كلهم ، ولم يطالب بعقوبتهم على إساءات كتبهم المقدسة إلى الله تعالى ورسله على الرغم من بيان القرآن الكريم مدى انتقاصها جلال الله تعالى وكمال صفاته ، فقد وصف سبحانه مثلاً بشاعة مقالة التثليث وعقيدة البنوة بقوله { قَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا } مريم ٨٨ - ٩٢ ، ومع ذلك لم يحاسبهم صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبهم على مجرد الإيمان بها.

بل دعا الإسلام إلى التعايش الكامل معهم على الرغم من الاختلاف الديني والفكري معهم ما داموا يقيمون شروط التعايش وينضبطون بمتطلبات المواطنة ، فقال تعالى { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } الممتحنة 8-9.

وأمرنا في مقام المناظرة أن نجادلهم باللفظ الحسن والأحسن، والمجادلة هي الكلام الذي لا انتهاكَ فيه لعرضٍ ولا سفكًا لدم ولا تسفيهاً لفكر أو دين ومعتقد ، قال تعالى { وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون} العنكبوت ٤٦.

وهذا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا الأولى يراسل الفرس والروم، ويعامل الكفار والمنافقين واليهود والنصارى ويلقاهم ويحادثهم ، فهل أُثِرَ عنه فحش القول أو سوء الحديث معهم ! هل قال لهم يوماً أنتم كفارٌ ملعونون. وها هو يكتب إلى هرقل ويصفه بما يستحق من مكانة مناسبة في قومه قائلاً: {إلى هرقل عظيم الروم...}.

ومع يقيننا الراسخ الذي لا يتزعزع والمستمد من قوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} الحجر 95-96 بأن الله عز وجل ناصر رسوله وعاصمه من الأذى ؛ إلا أن الأمة ينبغي ألا تسكت على هذه الإساءات لمساسها بمشاعر أكثر من ملياري مسلم في العالم باعتباره تماهياً مع المسيئين ، ودافعاً لاستمرارهم في استهزائهم واستخفافهم ، وفي مواصلة مخططاتهم الخبيثة الرامية إلى بث مشاعر الحقد والكراهية والعنف ، مما سيجر العالم إلى صراعات وحروب دينية كارثية على العالم ، فسكوت الأمة على إساءات الرئيس الفرنسي ماكرون قبل سنوات ، وسكوتهم على المسيئين قبله شجع المسيئين من بعده.

إن ما ذكرتُ يعتبر من أعظم الدواعي لإصدار قانون دولي يجرّم معاداة الإسلام والمسلمين والإساءة إلى مقدساتهم ورموزهم الدينية ، ويلاحق مرتكبيها أفراداً أو مؤسسات أو هيئات ويوقع بهم أشد العقوبات الرادعة ، بتقديمهم إلى محكمة الجنايات الدولية أو محكمة العدل الدولية أو أية محكمة دولية تنشأ لهذا الخصوص ، وهنا أؤكد أنه لا بد لنا من المبادرة إلى المطالبة بهذا القانون وبطرح مواده وتعريفاته والمشاركة في صياغاته لئلا يستغل الغرب وغيره من القوى العالمية المتنفذة والمهيمنة هذه المساعي فيحاول صياغة القانون على هواه وبما يناسب توجهاته السياسية والفكرية ، فهذا ما فعله في تعريف الإرهاب ومكافحته، فقد تمت صياغة قانون مكافحة الإرهاب بحيث اشتمل تعريف مصطلح الإرهاب على مقاومة الاحتلال وغيرها من وجوه الدفاع عن الدين والوطن والحقوق والقضايا العادلة باعتبارها ارهاباً مجرَّماً، وهذا من أبشع صور الظلم وانتهاكٌ للحقوق المشروعة.

وأؤكد أيضاً أنه لا بد من استخدام كافة وسائل الضغط الممكنة لإصدار هذا القانون الدولي ؛ وبالأخص أن هناك سوابق مماثلة ، فالغرب يلاحق ويعاقب من يتبنى معاداة السامية ومن ينكر  الهولوكوست بعقوبات لا يسقطها التقادم ، وهذا يدل على أن للغرب مقدسات وأنه ملزم باحترام مقدسات الآخرين ، ولذا تجب مناقشة مبدأ حرية الصحافة ووضع حدود وميثاق شرف لها بحيث تقف عند حريات وحقوق الآخرين، فحرية التعبير لا تبرر الطعن في دين الإسلام والمساس بمشاعر المسلمين، والشعور بالمسئولية يجب أن يلازم التمسك بحرية الصحافة التي يتذرعون بها لازدراء ديننا والإساءة إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، بعيداً عن ازدواجية المعايير والكيل بعدة مكاييل التي يستخدمها الغرب في التعامل مع هذه القضية وما شابهها.

ولكن؛ ولحين صدور هذا القانون الدولي فإنني أطالب كافة الدول العربية والإسلامية بإصدار تشريع موحد يوازي هذا القانون الدولي توقّع جميعها عليه لتطبيقه على أراضيها ؛ بحيث تقوم كل دولة منها بمحاكمة كل من تسوّل له نفسه الإساءة إلى الإسلام والمساس بمشاعر المسلمين الدينية في محاكمها المحلية سواء أكان من مواطنيها أم لم يكن ، فتصدر بحقه العقوبات المنصوص عليها في هذا التشريع ، وتطلب إحضاره إلى أراضيها عن طريق البوليس الدولي (الإنتربول) ـ أو أي جهاز آخر يتم تشكيله لذات الأهداف ويكتسب درجته في الإلزام والالتزام ـ لتتولى أجهزتها القضائية المختصة تنفيذ هذه العقوبات والأحكام الصادرة بحقه في حالة دخوله أراضيها.

إن مسؤولية الأمة كلها حكاماً وشعوباً لمواجهة هذه الهجمة على دينها ونبيها صلى الله عليه وسلم لا تنحصر في الشجب والتنديد والرفض والاستنكار والإصرار على طلب الاعتذار ، ولا في الاكتفاء بإظهار محبة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وإيماننا واقتدائنا به وانتمائنا إليه وإلى رسالة التوحيد التي بُعث بها ، بل يتعدى ذلك إلى خطوات عملية جريئة جادة ومجدية تضاف إلى ملاحقة المسيئين قضائياً : تتمثل أولاً في قطع العلاقات الدبلوماسية والمقاطعة الاقتصادية مع الدول أو المؤسسات والهيئات أو الشخصيات التي تتبنى هذه الإساءات وتدعمها فهذا سيوقف المعتدين عند حدودهم ، وتتمثل ثانياً في عودة الأمة إلى فكرها الرباني الصحيح وتطبيق شرع الله وأحكامه فهذا شرط الإيمان الراسخ في القلوب والمقبول عند الله سبحانه وتعالى ، وتتمثل ثالثاً في الاتحاد ، فلن تنجح الأمة في مواقفها تلك إلا بتحقيق وحدتها الكاملة فتصبح يداً واحدة وقوة مرهوبة الجانب يحسب لها الآخرون ألف حساب كما كانت في السابق ، وبالوقوف صفاً واحداً وفي خندق واحد لنصرة نبيها وصد أي عدوان عليها وعلى دينها الحنيف وعقيدتها السمحة.

ـــــــــــــــ

* الشيخ الدكتور تيسير رجب التميمي، عضو الاتحاد، قاضي قضاة فلسطين، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً، أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس.





التالي
عام 2022.. الأكثر عدائية وإجراما من الاحتلال ضد القدس وأهلها
السابق
السودان: البروفيسور صالح أدم بيلو العميد الأسبق لكلية اللغة العربية بجامعة أم درمان الإسلامية في ذمة الله

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع