البحث

التفاصيل

وحدة الأمة والمسجد الأقصى أي علاقة؟ أركان الإسلام والإيمان مرتكزات

الرابط المختصر :

بسم الله الرحمن الرحيم

وحدة الأمة والمسجد الأقصى أي علاقة؟ أركان الإسلام والإيمان مرتكزات

بقلم: الدكتورة نزيهة امعاريج

أمين عام مساعد بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

(كلمة مقدمة في مؤتمر قمة العلماء المسلمين 2022 حول القدس والأقصى، كوالالمبور – ماليزيا - تحت عنوان: "الوحدة أساس لتحرير فلسطين)

تمهيد    

وحدة الأمة مطلب شرعي وتكليف رباني و من أجل إقامته هيأ له سبحانه وتعالى أقوى الأسباب ويسر له أمتن الوسائل،  دينه  المتين وشرعه القويم  ، قال الله تعالى :" إن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاعبدون "(الأنبياء  /91) ، و معنى الأمة في هذه الآية الكرية الدين  ، وهو ما شرعه الله تعالى لعباده على لسان رسله الكرام من العقائد والشرائع.

 ولزوم الوحدة في التصور الإسلامي قد ارتقى إلى درجة الوجوب ،  ولسبب ذلك  تم اختيار الحديث عن هذه الوحدة من خلال أسس  جامعة  لأهل القبلة في تعلقها بالمسجد الأقصى المبارك ، ونريد به أسس أركان الإسلام و  الإيمان أساس وحدة الأمة الأولى . 

تعلق بعض أركان الإسلام بالمسجد الأقصى المبارك:

 إن المسلم به ديانة عند أتباع هذا الدين ، التلاحم الحاصل بين مؤسسة المسجد بعامة والمسجد الأقصى بخاصة وبين مقامات دين الاسلام من إسلام وإيمان وإحسان ، على اعتبار أن مؤسسة المسجد قد شكلت جزءً من ماهية هذه الأركان ، فكيف بها متى كان من المداخل الرئيسة لتحديد صفتها  وتعيين معالمها كما هو الشأن بالنسبة للمسجد الأقصى المبارك في علاقته بالركن الثاني من أركان الإسلام  فريضة الصلاة .

 إذ المقطوع به بمقتضى هذه النصوص القطعية الدلالة والثبوت كون هذا المسجد قد مثل جزءً من المشهد العام لفرض هذه العبادة ، وقصة عروج نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام تفصل الأمر وتبينه من خلال الحوار الذي دار بين موسى ونبينا الكريم من حيث تحديد عدد الصلوات المفروضة وصفتها ...

 زد على ذلك فإن التشكيك في قدسية المسجد الأقصى وفي قطعية  قدسيته هو انكار لمسجد ثان قد سبق التنصيص على وجوده في سياق الحديث عن هذا المسجد  وهو  بيت الله  الحرام ، وانكار هذا الأخير هو هدم صريح لبنيان دين الإسلام ، القبلة  التي يستقبلها المسلمون في صلاتهم  وتعطيل لهذه العبادة التي يؤديها مليار ونصف من أتباع هذا الدين ، وبالأرقام هو تعطيل 7500000000 من عدد الصلوات الواجبة  يؤديها المسلمون عبر العالم دون احتساب النوافل و ما يتعلق بهذه الفريضة من الدعاء والذكر والخضوع والتضرع والوصل بالمولى عز وجل ،  وهو أيضا تعطيل للركن الخامس من أركان دين الإسلام هذا  فريضة الحج وما يتفرع عليها من الشعائر الأخرى .

تعلق أركان الإيمان بالمسجد الأقصى المبارك:

في حديث جبريل المتفق عليه أن أركان الإيمان هي:" أن تومن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره "  ، و إذا  كان حكم أصول الاعتقاد هو ما يستنبط من الأدلة اليقينية  ، فإن وجود مسجد أقصى مبارك له صفة هذه الأحكام  ، لما أن حقيقة  وجود مستنبط من دليل يقيني قطعي الدلالة والثبوت ، قال الله تعالى :" سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام  إلى المسجد الاقصى  الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " .( الاسراء/1)

  و عليه فإن الأمثلة الشاهدة على الترابط الحاصل بين أركان الإيمان وبين المسجد الأقصى أقوى من أن تدحض وأظهر من أن تتجاهل  ، وحسبنا في المقام ذكر ما يحصل به البيان :

1- بالنسبة للركن الأول من أركان  الإيمان ، وهو التسليم بوجود إله خالق لهذا الكون متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص قادر على خرق ما ألفه الناس من عوائد ، فإن رحلة الإسراء والمعراج وما رافقها من خرق لسنن الرحلات دليل على وجود هذا الخالق هاد إلى التصديق به والتسليم بما اختص به سبحانه وتعالى من الكمال والجلال ، وافتتاح الحديث عن هذه الرحلة بما يجب في حقة سبحانه من التنزيه و البراءة من كل سوء  حيث قال تعالى: "سبحان" معناه أنه تعالى  يمجد نفسه ويعظم شأنه ، لقدرته على مالم يقدر عليه أحد سواه ، لا اله غيره و لا رب سواه فهو الذي اسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم و سلم زمنا من الليل بجسده وروحه ، يقظة لا مناما ، من المسجد الحرام من – مكة – إلى المسجد الأقصى ب – بيت المقدس .

 والتسبيح يكون عند الأمور العظيمة قال الإمام الطبري :" سبحان الذي اسرى وتنزيها للذي أسرى بعبده وتبرئة له مما يقول فيه المشركون من أن له من خلقه شريكا ، وأن له صاحبة وولدا ، وعلوا له وتعظيما عما أضافوا إليه ، و نسبوه من جهالاتهم ، وخطأ أقوالهم " ([1]).

 فهذه الرحلة بخوارقها هي مما يعجز البشر عن الاتيان بمثله وهي من الآيات الشاهدة على وجود إله حي قادر عليم قوي عزيز واحد أحد فرد صمد وهي معالم قوية وأسس متينة وحدت الأمة والمسجد الأقصى المبارك حاضر فيها.

ثم إن اختتام الآية الكريمة بالحديث عن صفتين من الصفات العلى واسمين من الأسماء الحسنى – السميع البصير – وتخصيص هذه الأسماء والصفات بالذكر دون سائر الأسماء والصفات الثابتة له تعالى يحيل على أمور منها:

أ- التأكيد عما سيترتب على سماع أخبار هذه الرحلة ولما حدث فيها من المعجزات من انكار وجحود من قبل المكذبين بهذا الدين المشككين في نبوة هذا النبي الكريم ، وأن الله تعالى به سميع له  بصير به .

ب- أما على   اختيار من رآى  أن الضمير في قوله تعالى :"إنه  هو السميع البصير "  يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيكون المعنى إنه عليه الصلاة والسلام :" أي  المدرك لما سمعه وأبصره لا الكاذب و لا المتوهم كما زعم المشركون ... فيؤول إلى تنزيه الرسول عن الكذب والتوهم " ، و فيه إقرار وتسليم بصدق  رسائل الرسل الكرام بعامة ورسالة نبينا الكريم بخاصة  وهي أمور توحد بين المسلمين جميعا .

2- الإيمان بالركن الثاني من أركان الإيمان ، وهو الإيمان بجنس الملائكة وما يستوجب ذلك من التسليم بوجودها وبطبيعتها ووظائفها وصفاتها  ، وبملك الوحي جبريل عليه السلام  وبمهام الشريف في ربط الأرض بالسماء بما تحيى به النفوس من توجيهات ربانية وتشريعات إلهية .

 فرحلة الإسراء والمعراج ومعبرها المسجد الأقصى المبارك مؤكد للإيمان بالملائكة الكرام وهي من معالم الوحدة الإيمانية للأمة ، والتشكيك في قدسية هذا المسجد هو انكار لمن حضر هذه الرحلة من هذه المخلوقات واتلاف لجزء من أدوارها ووظائفها ، بل  هو هدم لأشرف وظيفة  يؤديها أشرف ملك  وهي وظيفة النزول بالوحي التي يؤديها سيد هذه المخلوقات جبريل عليه السلام .

 3- الإيمان بالكتب ، ومن معاني ذلك الإيمان بحقيقة هذه الكتب وبما نزل  فيها من الأحكام والحقائق ، وحقيقة وجود مسجد أقصى مبارك ثابتة في النسخة الأخيرة الصحيحة من هذه الكتب  القرآن الكريم ، هذا فضلا عما تضمنه هذا الكتاب من  الحديث عن شرف هذا المسجد  وبركته  وفضله والحث على المرابطة فيه وضرورة نصرته والدفاع عنه.

4- الإيمان بالرسل الركن الرابع من أركان الإيمان ، ارتباط المسجد الأقصى المبارك بالرسل متفق عليه بين أتباع الديانات من يهودية ونصرانية وإسلام  ، فما من نبي من هؤلاء الانبياء إلا وجمعه بهذا المسجد علاقة عبادة وتقدير،  هذه العلاقة  التي تأكدت مع سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم  الذي صلى بهم إماما بهذا المسجد  والذي شرف بالعروج  منه إلى السماء . وفي ذلك بيان للتعلق المباشر للمسجد الأقصى المبارك بهذا الركن من أركان إيمان أتباع هذا الدين، وأن الاهتمام بأمره هو واجب يجب أن تتوحد من أجله جهودهم.

 ومن النتائج المهمة التي يمكن أن نخلص إليها في المجال:

1- أن التشكيك في قدسية هذا المسجد هو مدخل للتشكيك في أركان الإيمان التي وحدت الأمة و مدخل من مداخل التفرقة بين المسلمين.

2- لما كان هذا المسجد آية من الآيات الدالة على وجود الإله الحق الشاهدة على صدق نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام ، فإن انكار هذه الحقيقة هو جحود وإلحاد في آيات الله وفاعلها قد وصفه الله تعالى بأسوء  الصفات وتوعده بأشد العذاب قال الله تعالى :" إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا " (فصلت/39)و وقال عز من قائل :" ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " .(الأنعام/34).

3- أن عمارة المسجد هي شعبة من شعب الإيمان قال الله تعالى:" إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الاخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين " ، (التوبة / 18) و :" عمارة المساجد على قسمين : عمارة بنيان وصيانة لها  ، وعمارة بذكر اسم الله من الصلاة وغيرها " ([2])

إذا فالله تعالى قد مدح عمار المساجد بعامة فكيف بمن يعمر مسجدا قد جزم العليم الحكيم ببركته وحث على فضله ودعا إلى الرحلة إليه والاحرام منه والمرابطة فيه، وهذه من أقوى المسالك للتوحيد بين المسلمين حيث إن الحاضر يعمره بالصلاة والذكر أما البعيد فيعمر بالبنيان والصيانة.

4- قال الله تعالى :" لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ، فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين "( التوبة/109) ، فما تحقق لهذا المسجد من الكرامات بفضل  رحلة الاسراء والمعراج الشريفة وبسبب ما هيأ له الباري سبحانه و تعالى من المرابطين المدافعين عن هويته الاسلامية ، محقق لا محالة لحكم التقوى في حق  هذا المسجد ولصفة التطهر  للقائمين فيه المدافعين عنه المناصرين له  ، فحري بكل مسلم أن يسارع في هذه العبادة   ،بعد أن تقرر  كون  حب المساجد من علامات الإيمان و التفريط فيه من علامات الخسران و الخذلان، والمسجد الأقصى الجريح هو أحوج هذه المساجد إلى حب أهله.

5- قال الله تعالى: "في بيوت اذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدوة الآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله "، (النور/ 36) :" المراد بالبيوت المساجد كلها وعلى رأسها المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى "  ([3])

 و تأسيسا عليه فإن المسجد الأقصى المبارك يدخل في العموم السابق الخاص بفضل المساجد مع الزيادة بالتنصيص على فضله وضرورة الدفاع عنه ،  والتخصيص في مكان التعميم  زيادة   في التأكيد على الفضل وعلو الشأن، ودعوة إلى أداء الواجب تجاهه وهي أمور جامعة لكل مصدق بهذا الدين.

إجراءات عملية لوحدة الأمة من خلال المسجد الأقصى المبارك 

1- فإذا المقدسي الحاضر بهذا المسجد يعمره بالمرابطة فيه من خلال عبادات بدنية من صلاة وذكر ودعاء ، فإن المسلم البعيد مطالب بتعويض عن هذه المرابطة بالعبادات المالية من   زكاة  وصدقة وهبة ووو.

2- تخصيص صناديق للزكاة رسمية في كل بلد مسلم أو على الأقل   تخصص سهم للمسجد الأقصى في هذه الصناديق.

3- الدعوة إلى تأسيس وقف للأمة يفتح للجميع مهما قلت مساهمته أو كثر.

 4- توسيع دائرة الاجتهاد الفقهي بتفعيل كل وجوه الإحسان وإعطاء الأولية في صرفها لصالح المسجد الأقصى.

5- تقديم المسجد الأقصى في العبادات المالية كما أن أهلها مقدمون في العبادات البدنية

6- تجديد الفتوى في حكم التعامل مع أرض الرباط ونقلها من الدعم إلى الولاية والنصرة.

7- تصحيح معنى الواجب الكفائي فيما يتعلق بنصرة هذا المسجد وتحميل مسؤولية ما يتعرض له من الاعتداء الصهيوني الهمجي لكل مسلم من أتباع هذا الدين.

8- بيان علاقة هذا المسجد بالأنبياء الكرام صلوات الله عليهم، وضرورة التمييز بين علاقة هؤلاء الأنبياء بأرض فلسطين وعلاقة هؤلاء اللصوص المرتزقة بها.

9- التوعية بالمرتكزات الحضارية الزائفة   لسراق الحضارات والتأكيد على أنهم شعب لقيط لا تاريخ لا حضارة له مثلا: التوعية بمعنى عيد الفصح ما رافقه من اعتداءات على المسجد الأقصى المبارك أن مسؤولية التصدي لذلك ليست وقفا على المقدسيين.

10- بعض معالم الوحدة الرمزية:

- جمع جلود الأضاحي مثلا وبيعها للمعامل وتحويل أثمنتها إلى مصاريف المسجد الأقصى وهو فعل للتوحيد اهتمام الأمة بالمسجد الأقصى المبارك.

  • الحرص على حضور الرمزية المقدسية إلى جانب الخصوصية المحلية في المناسبات العامة والخاصة الهندام – العباءة – الأنشودة الأكلات ...
  • تخصيص حصارات للأطفال داخل البيوت للتبرع اليومي من أموالهم للمسجد الأقصى والتنافس في ذلك مع تخصيص أوسمة للمداوم على فعله.
  • تأسيس توأمة بالأحياء والمؤسسات المدنية على اختلاف أنواعها.
  • فتح وحدات انتاجية للمنتوج الفلسطيني يصنع محليا يخصص فيه نصيب للمسجد الأقصى.
  • الثناء على هذه الرموز والتشجيع عليها وبيان فضلها على الأمة وعلى شدة وقعها على الأعداء ، ومما أنبه عليه في المقام أن الفقهاء المغاربة مثلا عند احتلال أرض فلسطين قد أفتوا بتحريم طلاء المنازل باللون الأزرق وذلك للدفع بالمسلمين إلى التعرف عن عدوهم وبعض خصوصياته.
  • عقد علاقات صداقة بين جميع أطياف المجتمع المقدسي بنظائرهم في كل بقاع الاسلام.
  1.  وأخير ضرورة التشديد على لزوم الوحدة وإظهار موقعها من أصول الاعتقاد، واتخاذ المسجد الأقصى وسيلة لذلك.

والحمد لله رب العالمين

(اقرأ: الوحدة أساس لتحرير فلسطين".. انطلاق مؤتمر العلماء المسلمين بماليزيا.. والقره داغي يُلقي الكلمة الافتتاحية)

 

 

) جامع  البيان عن تأويل آي القرآن 17/ 328-329  تحقيق عبد المحسن التركي ط 2001.[1] (

) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، عبد الرحمن بن ناصر السعيدي 10/331 ط مؤسسة الرسالة  [2] (

 ) التفسير الوسيط  للقرآن الكريم  ، محمد  لسيد الطنطاوي 1427.ط1 [3] (





التالي
الدكتور فضل مراد يجيب.. هل يجوز لزوجتي تلبية دعوة ذكرى ميلاد زميلتها؟؟ (فتوى)
السابق
مهاتير والددو في جلسة أخوية ناقشت قضايا الأمة وملف منتدى كوالالمبور للفكرة والحضارة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع