البحث

التفاصيل

حقيقة الدنيا في ضوء العقيدة الإسلامية

الرابط المختصر :

حقيقة الدنيا في ضوء العقيدة الإسلامية

بقلم: انجوغو امباكي صمب – عضو الاتحاد

 

  1. الدنيا دار العمل والابتلاء

قال تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}[1]، قال السعدي رحمه الله ((يخبر تعالى أنه زين للناس حب الشهوات الدنيوية، وخص هذه الأمور المذكورة لأنها أعظم شهوات الدنيا وغيرها تبع لها...، فلما زينت لهم هذه المذكورات بما فيها من الدواعي المثيرات، تعلقت بها نفوسهم ومالت إليها قلوبهم، وانقسموا بحسب الواقع إلى قسمين: قسم: جعلوها هي المقصود، فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها، فشغلتهم عما خلقوا لأجله...، والقسم الثاني: عرفوا المقصود منها وأن الله جعلها ابتلاء وامتحانا لعباده، ليعلم من يقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلة لهم وطريقا يتزودون منها لآخرتهم ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته...))[2]

  1. وجوب عمارة الأرض وإصلاحها

لما أهبط الله آدم وذريته إلى الأرض أمرهم بعمارتها وإصلاحها وعدم الإفساد فيها، قال تعالى قال تعالى{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ }[3]، قال الشيخ علال الفاسي[4] رحمه الله تعالى ((فهذه الآية تدل على أن المقصود من استخلاف الإنسان هو قيامه بما طوق به من إصلاحها...)) [5]، وقال تعالى{ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}[6]، وقوله تعالى { وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا }: (( فيه ثلاثة أوجه: أحدها: معناه أعمركم فيها بأن جعلكم فيها مدة أعماركم , قاله مجاهد...، الثاني: امركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها بناء مساكن وغرس أشجار قاله علي بن عيسى. الثالث: أطال فيها أعمالكم, قال الضحاك...))[7]، وقال أبو زهرة رحمه الله {اسْتَعْمَرَكمْ} : (( معناهما التكليف لعباده أن يعمروها فهو سبحانه مظهرهم على ما جعلهم يسخرون السماوات والأرض بما قدره تعالى لهم))[8].

  1. الدنيا مزرعة الآخرة

الدنيا هي مضمار السباق في مسير العباد إلى الله تعالى، ومزرعتهم التي يكون حصادها في الآخرة، فمن بطأ به عمله أو أقعده الشيطان عن المسير والجد في الزرع فأولئك هم الخاسرون، قال تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}[9]، وقوله {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ}: (( يعني لدين الإسلام {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ }: يعني يوم القيامة، لا يقدر أحد على رده من الخلق {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ }: يعني يتفرقون {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ }: يعني وبال كفره {وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}: أي يوطئون المضاجع ويسوونها في القبور))[10] وقال الطبري رحمه الله(( فلأنفسهم يستعدون، ويسوون المضجع ليسلموا من عقاب ربهم، وينجوا من عذابه))[11].

  1. الحياة الدنيا مهلة للإيمان والطاعة والتذكر والاعتبار

إن هذه الحياة الدنيا هي المهلة التي منحها الباري عز وجل للإيمان والعمل الصالح والتذكر والاعتبار، حيث خلقهم الله تعالى وأرسل إليهم رسله عليهم الصلاة والسلام، وقامت عليهم حجته، وعمرهم وأمهلهم ما يتذكر فيه من تذكر، ومن فاتته هذه المهلة أو ضيعها فلا يلومن إلا نفسه، قال تعالى { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ }[12]، و قوله { لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ } (( أي: من قبل إتيان بعض الآيات، فأما التي قد كانت آمنت من قبل مجيء بعض الآيات فإيمانها ينفعها...، والمعنى: أنه لا ينفع نفسا إيمانها عند حضور الآيات متصفة بأنها لم تكن آمنت من قبل، أو آمنت من قبل ولكن لم تكسب في إيمانها خيرا، فحصل من هذا أنه لا ينفع إلا الجمع بين الإيمان من قبل مجيء بعض الآيات مع كسب الخير في الإيمان))[13].

 وقال تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ }[14]، وقوله تعالى { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}(( قيل: هو البلوغ، وقيل : ثمان عشرة سنة، وقيل: أربعون سنة، وقال ابن عباس: ستون سنة، ويروى ذلك عن علي، وهو العمر الذي أعذر الله تعالى لابن آدم))[15].

  1. مثل الدنيا بالنسبة في الآخرة

أما مثل الدنيا في الآخرة فإنها كاللعب الذي يتلهى به الإنسان ثم يتركه ويعرض عنه لتفاهته، قال تعالى{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[16]، وقوله{لَعِبٌ وَلَهْوٌ}: أي ((ما أمر الدنيا والعمل لها إلا لعب ولهو بخلاف العمل للآخرة، أو ما أهل الدنيا إلا أهل لعب ولهو لاشتغالهم بها عما هو أولى منها، أو هم كأهل اللعب لانقطاع لذتهم وفنائها بخلاف الآخرة فإن لذاتها دائمة))[17]، وقال الخازن رحمه الله ((وإنما شبه الحياة الدنيا باللعب واللهو لسرعة زوالها وقصر عمرها كالشيء الذي يلعب به))[18]، وهي قليلة لنفاد ما فيها وصيرورتها إلى زال متحقق. 

 

 

[1] سورة آل عمران، الآية 14

[2] تيسير الكريم الرحمن، ص 123

[3] سورة البقرة ، الآية 30

[4] هو علال بن عبد الواحد بن عبد السلام بن علال بن عبد الله بن المجذوب الفاسي الفهري: زعيم وطني، من كبار الخطباء العلماء في المغرب،  ولد بفاس سنة 1326 هـ ، وتعلم بالقرويين ، وشارك في إنشاء مدرسة تخرج بها بعض طلائع اليقظة المغربية الأولى ، وعارض سلطات الاستعمار الفرنسية، توفي سنة 1974 ميلادية . انظر : الأعلام للزركلي 4 /246

[5] مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها ، تأليف علال الفاسي ، ص 46 ، الناشر دار الغرب الإسلامي 1993 م .

[6] سورة هود، الآية 61

[7] النكت والعيون، 2 / 478

[8] زهرة التفاسير، 7/ 3723

[9] سورة الروم، الآيتان 43 ، 44 

[10] لباب التأويل في معاني التنزيل، 3 / 393

[11] جامع البيان، 18 / 516

[12] سورة الأنعام، الآية 158

[13] فتح القدير، للشوكاني ، 2 /208

[14] سورة فاطر ، الآيتان 36 ، 37 

[15] لباب التأويل في معاني التنزيل، 3 / 458

[16] سورة الأنعام، الآية 32

[17] تفسير العز بن عبد السلام، 1 / 434

[18] لباب التأويل في معاني التنزيل، 2/108





التالي
عضو هيئة الرقابة الشرعية لمصرف خيبر باكستان يكتب.. القضاء الباكستاني يحرم الفائدة البنكية!
السابق
القضية الفلسطينية بين سياسة الاستسلام والمقاومة المشروعة (مقال)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع