البحث

التفاصيل

مقصد التعريف بمصير الإنسان بعد الموت

الرابط المختصر :

مقصد التعريف بمصير الإنسان بعد الموت

بقلم: د. انجوغو امباكي صمب – عضو الاتحاد

 

من أعظم القضايا التي شغلت العقل البشري منذ القدم تحديد مصير الإنسان بعد الموت، وهل بعد هذه الحياة الدنيا حياة أخرى؟ ومتى تكون تلك الحياة وكيف وأين؟ ولا شك أن الجواب الصحيح عن هذه الأسئلة لا يمكن أن يأتي إلا من عند الله تعالى، وقد أرسل الله الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وأنزل عليهم الكتب المتضمنة لكل الحقائق الشرعية والكونية، والتي من أهمها عقيدة الإيمان باليوم الآخر، وما بعده من حياة أبدية لا تنقطع، إما في الجنة التي وعدها الله أهل الإيمان والطاعة، جعلنا الله منهم، أو في النار التي أعدها الله لأهل الكفر والمعصية، والعياذ بالله، ولذلك كان الدعوة إلى الإيمان باليوم الآخر من أهم مقاصد بعثة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، قال العلامة أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى: ((من سمات النبوة وملامح دعوتهم التشديد على جانب الآخرة واللهج بها والإشادة بذكرها والتنويه بشأنها تنويها يجعلها من الشؤون الأساسية في دعوتهم)) [1]، ويقول الشيخ أحمد غلوش ((يوم القيامة وما فيه من فوز للمطيعين وعقاب للعصاة، بعد بعث الخلائق وحسابهم، أمر أجمعت الدعوات على تأكيد إثباته، حتى يشعر الإنسان بالمسئولية الدائمة في كل شيء، ويعلم أن كل ما يفعله في حياته الدنيا سوف يلقاه في الآخرة، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر))[2].

وينتظم هذا المقصد الإيمان باليوم الآخر والتصديق بالبعث بعد الموت، ومعرف حقيقة الحياة الدنيا ومكانتها بالنسبة إلى الحياة الآخرة، زما يتعلق بذلك من حكم ومنافع وثمرات.

الإيمان باليوم الآخر

الإيمان باليوم الآخر هو ((التصديق الجازم بإتيانه لا محالة، والعمل بموجب ذلك، ويدخل في ذلك الإيمان بأشراط الساعة وأماراتها التي تكون قبلها لا محالة، وبالموت وما بعده من فتنة القبر وعذابه ونعيمه وبالنفخ في الصور وخروج الخلائق من القبور وما في موقف القيامة من الأهوال والأفزاع وتفاصيل المحشر: نشر الصحف، ووضع الموازين، وبالصراط والحوض، والشفاعة وغيرها، وبالجنة ونعيمها الذي أعلاه النظر إلى وجه الله عز وجل، وبالنار وعذابها الذي أشده حجبهم عن ربهم عز وجل))[3].

 و الإيمان باليوم الآخر من أركان الإيمان الستة التي من أنكرها أو أنكر واحدا منها فهو كافر بلا خلاف بين أهل الإسلام، وقد اتفق على ذلك جميع الشرائع من لدن آدم عليه الصلاة والسلام إلى النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ((اتفقت الكتب السماوية والرسل العظام وأتباعهم على اختلاف طبقاتهم وتباين أقطارهم وأزمانهم وأحوالهم على الإيمان به والاعتراف به وكم أقام الله عليه من الأدلة الحسية والمشاهدة ما يدل أكبر الدلالة عليه))[4].

قال تعالى {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [5]، قال ابن كثير رحمه الله ((فإن من اتصف بهذه الآية، فقد دخل في عرى الإسلام كلها، وأخذ بمجامع الخير كله، وهو الإيمان بالله وأنه لا إله إلا هو، وصدق بوجود الملائكة الذين هم سفرة بين الله ورسله))[6]، ولا شك أن الإيمان باليوم الآخر يوم الحساب والجزاء من أعظم البر الذي يحمل على في الطاعات والإكثار منه، وترك المعاصي والتقليل منها، والتوبة مما وقع منها وعدم الإصرار عليها، والأبرار من أعلى الناس درجات في الجنة وأكملهم نعيما فيها.

وقال تعالى في الرد على الدهرية وسائر منكري البعث {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[7]، وقوله {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } (( على ما دلت عليه الحجج {ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ}: فإن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة، والحكمة اقتضت الجمع للمجازاة...، والوعد لمصدق بالآيات دل على وقوعها، وإذا كان كذلك أمكن الإتيان بآبائهم لكن الحكمة اقتضت أن يعادوا يوم الجمع للجزاء {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } لقلة تفكرهم وقصور نظرهم على ما يحسونه))[8].

وقال تعالى {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[9]، قال ابن كثير رحمه الله ((يقول تعالى مخبرا عن الكفار والمشركين والملحدين أنهم يزعمون أنهم لا يبعثون قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم أي لتخبرن بجميع أعمالكم جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها وذلك على الله يسير أي بعثكم ومجازاتكم)) [10].

 وفي حديث جبريل المشهور (( فأخبرني عن الإيمان، قال: (( أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره))[11]، وعن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: حتى يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله بعثني بالحق، وحتى يؤمن بالبعث بعد الموت، وحتى يؤمن بالقدر))[12].

وقال ابن باديس رحمه الله تعالى: ((نؤمن بانتهاء وجود هذا العالم الدنيوي، عند انتهاء أجل وجوده في علم الله: فينحل نظام هذا الكون، فيخرب الكون العلوي، كما يخرب الكون السفلي، ليكون وجود العالم الأخروي في كون آخر، ونظام آخر، إذ الذي قدر على خلقه ونظامه، قادر على إعدامه وإبطال نظامه، وعلى خلق مثله ونظامه))[13].

 

 

[1] النبوة والأنبياء في ضوء القرآن ، تأليف أبو الحسن علي الندوي ، ص 59 ( بتصرف يسير ) -        النبوة والأنبياء في ضوء القرآن ، تأليف أبو الحسن علي الندوي، في بيروت 1387هـ

[2] دعوة الرسل ، دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، ص 485 ، تأليف الدكتور أحمد غلوش ، ، الناشر مؤسسة الرسالة – 1423هـ

[3] أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة، تأليف حافظ بن أحمد الحكمي، ص 54 ، تحقيق حازم القاضي، الناشر : وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية 1422هـ

[4] تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، تأليف عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص 343، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية، 1422هـ

[5] سورة البقرة، الآية 177

[6] تفسير القرآن العظيم ، 1 / 354

[7] سورة الجاثية، الآية 26

[8] أنوار التنزيل وأسرار التأويل، 5 / 108

[9] سورة التغابن، الآية 7

[10] تفسير القرآن العظيم، 8 / 160

[11] صحيح مسلم ، 1/36 ، برقم ( 8 )

[12] سنن الترمذي، 4 / 20 ، برقم ( 2145 )، وسنن ابن ماجة ، 1 / 59 ، برقم ( 81 )، وقال محققه الشيخ شعيب الأرناؤوط وآخرون : رجاله ثقات رجال الصحيح، غير شريك -وهو وإن كان سيئ الحفظ  قد توبع .

[13] العقائد الإسلامية ، لابن باديس، ص 118





السابق
أجوبة مهمة في أحكام زكاة الفطر والعيدين والست من شوال وزكاة المال..!

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع