البحث

التفاصيل

في ظلال مقاصد التوحيد (مقصد إثبات النبوات والرسالات الإلهية)

في ظلال مقاصد التوحيد (مقصد إثبات النبوات والرسالات الإلهية)

بقلم: الدكتور انجوغو امباكي صمب – عضو الاتحاد

الحلقة 15

 

  • الإيمان بالأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام

ومن أصول الدين التصديق بالأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، والإيمان بأن الله تعالى اصطفى من البشر رسلا، فبعثهم لتبليغ دينه وتعليم خلقه، وأعطاهم من الآيات والمعجزات ما يعجز عن مثلها أحد من البشر، تأييدا لهم وحجة على صدق دعواهم، قال البيهقي رحمه الله (( الْإِيمَانِ بِرُسُلِ اللهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ عَامَّةً : اعْتِقَادًا وَإِقْرَارًا، إِلَّا أَنَّ الْإِيمَانَ بِمَا عَدَا نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُرْسَلِينَ إِلَى الَّذِينَ ذَكَرُوا لَهُمْ أَنَّهُمْ رُسُلُ اللهِ إِلَيْهِمْ، وَكَانُوا فِي ذَلِكَ صَادِقِينَ مُحِقِّينَ، وَالْإِيمَانُ بِالْمُصْطَفَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُ نَبِيُّهُ وَرَسُولُهُ إِلَى الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ وَإِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْجِنِّ، وَالْإِنْسِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ))[1].

 والإيمان بالأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، على ثلاثة مراتب:

المرتبة الأولى: الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، دون تفريق بين أحد منهم

 فالإيمان بواحد من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام يستلزم الإيمان بجميعهم، والتكذيب بواحد منهم تكذيب بالجميع، قال تعالى{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }[2]، ومعنى قوله: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ } : ((فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى بل نؤمن بجميع رسله، وفي الآية إضمار تقديره وقالوا: يعني المؤمنين لا نفرق بين أحد من رسله))[3]، وأما كون تكذيب واحد من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام تكذيبا لهم جميعا فيدل عليه قوله تعالى عن قوم نوح عليه الصلاة والسلام : { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ }[4]، ولم يبعث الله إليهم رسولا غير نوح ، وقوله تعالى عن عاد { كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ }[5]، ولم يبعث الله إليهم رسولا غير هود عليه الصلاة والسلام، وقوله تعالى عن ثمود : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ }[6]، ولم يبعث الله إليهم رسولا غير صالح عليه الصلاة والسلام، وقوله عن أهل سدوم { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ }[7]، ولم يبعث الله إليهم غير لوط عليه الصلاة والسلام، وقوله عن أصحاب الأيكة{ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ}[8]، ولم يبعث الله إليهم غير شعيب عليه الصلاة والسلام، وقوله عن مشركي العرب حين كذبوا النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم : { وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }[9].

 وقد اختلفت عبارات المفسرين في بيان السر في كون تكذيب واحد من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام تكذيبا لجميعهم، فذكر كل واحد منهم ما يراه في ذلك من لطيف الأسرار ودقيق المعاني، قيل للحسن البصري رحمه الله : يا أبا سعيد أرأيت قوله: { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} و { كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ } و{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} وإنما أرسل إليهم رسول واحد؟ قال: إن الآخر جاء بما جاء الأول، فإذا كذبوا واحدا فقد كذبوا الرسل أجمعين}[10].

المرتبة الثانية : الإيمان بكل نبي أو رسول ورد ذكره في القرآن أو السنة

قال تعالى {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[11]،، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدّة الأنبياء والمرسلين، فعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: (( ثلاثمائة وبضعة عشر جمّاً غفيراً )) [12].

المرتبة الثالثة: الإيمان بالنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم

فكل من بلغته دعوة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد وجب عليه الإيمان به، سواء كان من الأمم الكتابية كاليهود والنصارى، أو كان من الأميين الذي لم يبعث إليهم رسول أو ينزل عليهم كتاب من قبل، قال تعالى{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ }[13] وقال تعالى { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ }[14].

  • مقاصد بعثة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.

بعث الله تعالى الأنبياء والمرسلين عليهم لحكم ومقاصد جليلة، ومنها ما يلي :

  1.  الدعوة إلى عبادة الله وحده

أهم مقاصد بعثة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام هو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، قال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [15]، أي ((ولقد بعثنا أيها الناس في كلّ أمة سلفت قبلكم رسولا كما بعثنا فيكم بأن : اعبدوا الله وحده لا شريك له، وأفردوا له الطاعة، وأخلصوا له العبادة )) [16]، وقال أبو منصور الماتريدي [17]رحمه الله ((كان بعث الرسل جميعًا إلى قومهم بالدعاء إلى توحيد اللَّه؛ وجعل العبادة له، والنهي عن عبادة الأوثان دونه)) [18].

  1. البشارة والنذارة وإقامة الحجة على الناس

البشارة والنذارة هي حقيقة وظيفة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، قال تعال {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[19] وقوله عز وجل {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} : (( يعني: أرسلت رسلا إلى خلقي مبشرين من أطاعني واتبع أمري وصدق رسلي بالثواب الجزيل في الجنة، ومنذرين من عصاني وخالف أمري وكذب رسلي بالعذاب الأليم في النار))[20].

  1. تربية الناس وتزكيتهم

فالتربية والتزكية من أعظم وظائف الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، لأنهم أعلم الناس بالنفس البشرية وما يعتريها من أدواء وعلل، وهم كذلك الأبصر بما يصلحها ويشفيها ويزكيها، قال تعالى {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}[21]، وقال تعالى عن نبيه إسماعيل عليه الصلاة والسلام {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}[22]، وقال تعالى عن النبي الخاتم { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[23].

  1. سياسة الناس والحكم بينهم بالعدل

ومن وظائف الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام تدبير الشؤون العامة لأتباعهم والحكم بينهم بما أنزل الله عليهم، قال صلى الله عليه وسلم (( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي))[24]، قال ابن حجر رحمه الله (( أي أنهم كانوا إذا ظهر فيهم فساد بعث الله لهم نبيا يقيم لهم أمرهم ويزيل ما غيروا من أحكام التوراة وفيه إشارة إلى أنه لا بد للرعية من قائم بأمورها يحملها على الطريق الحسنة وينصف المظلوم من الظالم ))[25]، وهذا أشبه ما يكون بعمل المصلحين والمجددين، وأما النووي رحمه الله فيقول (( أي يتولون أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه)) [26]، وهذا أقرب وأظهر.

(الحلقة 14: في ظلال مقاصد التوحيد - تفسير الظواهر الكونية في ضوء الحقائق الإيمانية والعلمية)

 

 

 

[1] شعب الإيمان ، 1 / 272

[2] سورة البقرة، الآية 285

[3] لباب التأويل في معاني التنزيل، 1 / 219

[4] سورة الشعراء، الآيتان 105 ، 106

[5] سورة الشعراء، الآيتان 123 ، 124

[6] سورة الشعراء، الآيتان 141 ، 142

[7] سورة الشعراء، الآيتان ، 161 ، 162

[8] سورة الشعراء، الآيتان، 176 ، 177

[9] سورة الحج، الآية 42

[10] معالم التنزيل في تفسير القرآن، 6 / 120

[11] سورة النساء، الآية 164

[12] مسند أحمد، 35 / 432 ، برقم ( 21546 )،  شعب الإيمان للبيهقي، 1 / 276 ، برقم ( 129 )، وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح ، 3/ 1599 ، برقم ( 5737)

[13] سورة آل عمران، الآية 81

[14] صورة الصف، الآية 6

[15] سورة النحل الآية 36

[16] تفسير الطبري 17 / 201

[17] هو محمد بن محمد بن محمود أبو منصور الماتريدي من كبار العلماء ، له كتاب التوحيد وكتاب المقالات وكتاب رد أهل الأدلة للكعبي وكتاب بيان أوهام المعتزلة مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة ، انظر : الجواهر المضية في طبقات الحنفية ، لعبد القادر بن محمد القرشي ، 2/ 130 ، الناشر مير محمد كتب خانه –كراتشي

[18] تفسير الماتريدي ، تأليف محمد بن محمد بن محمود الماتريدي ، 6 / 501 ، ط دار الكتب العلمية – 1426 هـ

[19] سورة النساء، الآية 165

[20] لباب التأويل في معاني التنزيل، 1 / 449

[21] سورة الأنبياء ، الآية 73

[22] سورة مريم، الآيتان، 54 ، 55

[23] سورة الجمعة، الآية 2

[24] متفق عليه : صحيح البخاري ، 4/169 ،برقم ( 3455 )، صحيح مسلم ، 3/1471 ، برقم ( 1842 )

[25] فتح الباري شرح صحيح البخاري ، لابن حجر ، 6/497

[26] المنهاج في شرح صحيح مسلم ، 12 / 231





التالي
السودان.. أكثر من 200 قتيل في أحداث عنف قبلي بدارفور وبعثة الأمم المتحدة تطالب بتحقيق "شفاف"
السابق
اعتقالات ومواجهات بالضفة.. ومسيرة عودة بأراضي الـ48

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع