البحث

التفاصيل

في ظلال مقاصد: التوحيد من مظاهر حفظ الفطرة

الرابط المختصر :

في ظلال مقاصد: التوحيد من مظاهر حفظ الفطرة

بقلم: الدكتور انجوغو امباكي صمب – عضو الاتحاد

الحلقة (11)

 

  1. حفظ الخلق من التغيير.

ويجب حفظ خلق الله تعالى من التغيير والتبديل، أو الزيادة والنقصان، وذلك بإبقائه على ما هو عليه من أصل الخلقة التي خلقها الله عليه، لما في ذلك من الفساد بعد الإصلاح والنقص بعد الكمال والكفر بعد الإيمان، قال ابن عاشور رحمه الله عن الفطرة، هي : (( النظام الذي أوجده الله في كل مخلوق، ففطرة الإنسان هي ما فطر: أي خُلق عليه الإنسان ظاهراً وباطناً، أي: جسداً وعقلاً، فمشي الإنسان برجليه فطرة جسدية، فمحاولة أن يتناول الأشياء برجليه خلاف الفطرة))[1].

 قال تعالى{وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا}[2]، قال الطبري رحمه الله بعد أن ذكر قول من فسر التغيير بالإخصاء، ومن فسره بالوشم ، ومن فسره بتغيير الدين : قال ((أولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك، قولُ من قال: معناه: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}: دين الله، وذلك لدلالة الآية الأخرى على أن ذلك معناه، وهي قوله: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}[3]، وإذا كان ذلك معناه، دخل في ذلك فعل كل ما نهى الله عنه: من خِصَاءِ ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهى عن وشمه وَوشْرِه، وغير ذلك من المعاصي، ودخل فيه ترك كلِّ ما أمر الله به، لأن الشيطان لا شك أنه يدعو إلى جميع معاصي الله، وينهى عن جميع طاعته...))[4].

 ويدخل في تغيير خلق الله ما يشهده عالم الطب المعاصر من عمليات تغيير الجنس من الذكر إلى الأنثى، ومن الأنثى إلى الذكر، ومن العبث بالأعضاء التناسلية بالتضخيم و التطويل و التوسيع أو التضييق للأعضاء التناسلية، وغير ذلك مما يوحي به الشيطان إلى أوليائه من هذه الجاهلية المعاصرة .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة ))[5]، وعن مسروق [6]: (( أن امرأة جاءت إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقالت أنبئت أنك تنهى عن الواصلة؟ قال: نعم، فقالت: أشيء تجده في كتاب الله أم سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أجده في كتاب الله وعن رسول الله، فقالت: والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف فما وجدت فيه الذي تقول، قال فهل وجدت فيه { وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ ‌فَٱنتَهُواْۚ }[7]، قالت: نعم، قال فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة إلا من داء، قالت المرأة: فلعله في بعض نسائك؟ قال لها: ادخلي، فدخلت ثم خرجت، فقالت: ما رأيت بأسا، قال: ما حفظت إذا وصية العبد الصالح { ‌وَمَآ ‌أُرِيدُ ‌أَنۡ ‌أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ }[8])) [9].

  1. حفظ الشريعة من التحريف.

من معاني الفطرة الإسلام والدين الحق، والفطرة لها وجهان، الأول : هو الخلق، والثاني هو الأمر، وكلاهما لله وحده، قال تعالى{ أَلَا لَهُ ‌ٱلۡخَلۡقُ ‌وَٱلۡأَمۡرُۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ }[10]، وحفظ الشريعة من التغيير واجب، كوجوب حفظ الخلق من التبديل، لأن ((الأصول التي جاء بها الإسلام هي من الفطرة، ثم تتبعها أصول وفروع هي من الفضائل الذائعة المقبولة، فجاء بها الإسلام وحرَّض عليها، إذ هي من العادات الصالحة المتأصّلة في البشر، والناشئة عن مقاصد من الخير سالمة من الضرر، فهي راجعة إلى أصول الفطرة، وإن كانت لو تركت الفطرة وشأنها لما شهدت بها ولا بضدّها، فلما حصلت اختارتها الفطرة، ولذلك استقرت عند الفطرة واستحسنتها))[11].

وقال تعالى { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}[12]، قال ابن عطية[13] رحمه الله ((هذه الآية مخاطبة للكفار الذين حرموا البحائر والسوائب وأحلوا ما في بطون الأنعام وإن كانت ميتة ...،  والآية تقتضي كل ما كان لهم من تحليل وتحريم فإنه كله افتراء منهم))[14]، ويدخل في الآية الكريمة ما نراه اليوم من تغيير ممنهج لشرع الله تعالى بالتحريفات المتعمدة لنصوص الكتاب والسنة، والفتاوى الشاذة، والطعون الموجهة إلى الثوابت والمحكمات الشرعية من العلمانيين واللبراليين وبعض الإعلاميين. 

وعن أبي مالك الأشعري[15] رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها))[16]، قال الطيبي[17] رحمه الله ((المراد منه أنهم يتسترون في شربها ‌بأسماء ‌الأنبذة ‌المباحة))[18]، وكم تستر الفساق والمنافقون في عصرنا بأسماء خداعة لأشربة وأطعمة ومعاملات محرمة في شرع الله قطعا، يخادعون بها الله والذين آمنوا، وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.

اقرأ: الحلقة العاشرة في ظلال مقاصد التوحيد (مقصد حفظ الفطرة من التغيير والتبديل)

يتبع ...

 

 

 

 

[1] مقاصد الشريعة ، لابن عاشور ، 3 / 179

[2] سورة النساء، الآية 119

[3] سورة الروم ، الآية 30

[4] جامع البيان ، 9 / 222

[5] صحيح البخاري : 6 / 165 ، برقم ( 5933 )

[6] هو مسروق بن الأجدع الهمداني ، يكنى أبا أمية ، وقيل أبا عائشة ، شهد القادسية هو وثلاثة إخوة له: عبد الله وأبو بكر والمنتشر بنو الأجدع، فقتلوا يومئذ بالقادسية. وجرح مسروق فشلت يده وأصابته آمة ، مات رحمه الله  مات سنة ثلاث وستين هجرية . انظر : طبقات ابن سعد ، 6/138 

[7] سورة الحشر، الآية 7

[8] سورة هود ، الآية 88

[9] مسند أحمد ، 7 / 58 ، برقم ( 3945 )، وقال محققوه الشيخ شعيب الأرناؤوط وغيره : إسناده قوي .

[10] سورة الأعراف، الآية 54

[11] مقاصد الشريعة الإسلامية ، لابن عاشور ، 3 / 183

[12] سورة النحل، الآية 116

[13] هو أبو محمد عبد الحق بن الحافظ أبي بكر غالب بن عطية ، قال عنه الذهبي رحمه الله : (( كان إماما في الفقه، وفي التفسير، وفي العربية، قوي المشاركة، ذكيا فطنا مدركا، من أوعية العلم )) ، توفي رحمه الله سنة إحدى وأربعين وخمس مائة، وقيل سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة . انظر : سير أعلام النبلاء ، 14 /401

[14] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تأليف أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي،

3/ 469 ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - ١٤٢٢ هـ

[15]  أبو مالك الأشعري قيل اسمه عبيد وقيل عبد الله وقيل عمرو وقيل كعب ابن كعب وقيل عامر ابن الحارث صحابي مات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة. انظر : تقريب التهذيب ،2 / 670

[16] سنن أبي داود ، 5 / 530 ، برقم ( 3688 )، وقال محققاه الشيخ شعيب الأرناؤوط وغيره : صحيح لغيره .

[17] الحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الله الطيبي الإمام المَشْهُور صاحب شرح المشكاة ، كانَ في مبادئ عمره صاحب ثروة كَبِيرَة فَلم يزل ينْفق ذَلِك في وُجُوه الخيرات إلى أن كانَ في آخر عمره فَقِيرا وكانَ كَرِيمًا متواضعًا حسن المعتقد شَدِيد الرَّد على الفلاسفة والمبتدعة مظْهرا فضائحهم مَعَ استيلائهم على بِلاد المُسلمين فِي عصره شَدِيد المحبَّة لله ولِرَسُولِهِ كثير الحياء ملازمًا للْجُمُعَة والجَماعَة ملازمًا لتدريس الطّلبَة فِي العُلُوم الإسلامية، توفي رحمه الله في يوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان سنة 743. انظر : البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ، تأليف محمد بن علي الشوكاني، 1 / 229 الناشر دار المعرفة بيروت .

[18] شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى بـ (الكاشف عن حقائق السنن)، شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي،9 / 6886  الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز (مكة المكرمة -  ١٤١٧ هـ -





التالي
حرق المصحف في السويد: القره داغي يُدين.. ودول عربية وإسلامية تستنكر
السابق
راهب هندوسي يدعو لإبادة المسلمين في الهند ورئيس الحزب الحاكم يشارك في التحريض بفيديو مضلل

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع