الـــثــلــث والــثلــث كــثــيـــر
بقلم: الشيخ عبداللّه رفيق السوطي - عضو الاتحاد
فرصة عظمى، وهبة ربانية، ونفحة إلهية، وهدية سماوية، لا يقدرها حق قدرها إلا العظماء الذين يعون قول الله: ﴿أَوَلَم نُعَمِّركُم ما يَتَذَكَّرُ فيهِ مَن تَذَكَّرَ﴾، وقوله: ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيلَ وَالنَّهارَ إِنَّ في ذلِكَ لَعِبرَةً لِأُولِي الأَبصارِ﴾.
إنه رمضان الذي مضى ثلثه عُتق فيه من النار من عُتق، وغُفر فيه لمن غُفر، وفاز فيه من فاز… لكنه رحل، وهو صورة مصغرة من أعمارنا، فكما رحل ثلثه دون عودة فكذلك أعمارنا، ومن أخّر الفرصة عن وقتها فليكن على يقين من فوتها كما كان يقول سلفنا الصالح رحمهم اللّه، والفرص تمر مر السحاب كما قال علي رضي اللّه عنه.
ألا فلا ينبغي لمن يعلم أنه ملاق ربه أن يرفض ويأبى الولوج لهذه الجنة الإلهية، والنفخة الربانية (رمضان)، وإنه لشقاء ما بعده شقاء أن تنسلخ أيام شهر رمضان ولم يغفر لنا، فنكون ممن أصابتهم دعوة جبريل عليه السلام وتأمين رسول اللّه ﷺ فقد جاء في حديث صحيح أن النبي ﷺ صعد المنبر وقال: «آمين، آمين، آمين» وفي رواية: صعد رسول الله ﷺ المنبر فلما رقى عتبة قال: «آمين» ثم رقى أخرى فقال: «آمين»، ثم رقى عتبة ثالثة فقال: «آمين»، قيل: يا رسول الله! إنك صعدت المنبر فقلت: آمين، آمين، آمين؟ فقال: «إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، ومن ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليك فمات فدخل النار فأبعده الله ، قل: آمين، فقلت: آمين».
وفي دعاء النبي ﷺ: "رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ".
ولا عجب فلقد جاءت المغفرة من طرق شتَّى ففي المتفق عليه: (من قام رمضان إيمانـًا، واحتسابـًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه)،
فإن فاته القيام ليغفر له فلا يفوته الصيام: (من صام رمضان إيمانـًا، واحتسابـًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه)،
فإن فاتاه فليلة القدر: (من قام ليلة القدر إيمانـًا، واحتسابـًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه) فإن فاته ذلك كله فلا ينبغي له أن يفوته حديث: (ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اجتُنبت الكبائر) وكلها صحاح.
فمن لم يُغفر له في رمضان، ويطلب مغفرة الله من تلك السبل فيا خسارته، وقد أصابته دعوة جبريل وتأمين رسول اللّه ﷺ كما سبق.
فهيا لنحسن فيما بقى يُغفر لنا ما مضى، والأمور بخواتيمها، والعبرة بمن صدق لا بمن سبق، ألا فلنصدق الله فيما بقى، ولنرِ الله خيرا من أنفسنا..