البحث

التفاصيل

حجاب المرأة بمفهوم الشرائع والأديان السماوية

الرابط المختصر :

عرفت كافة الشرائع والأديان السماوية غطاء الرأس للمرأة المتمثل في حجاب المرأة بمفهومه المتعارف عليه، فالحجاب هو الستر الذي يحجب إمكان النظر إلى ما جرى ستره، وهو ضد التعري، وقد خاطب الله عز وجل سيدنا آدم عليه السلام بنعم أعطاها إياه في الجنة بقوله تعالى:

" إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى " ، وقد فسر أئمة التفسير ومنهم الإمام ابن كثير[1] هذه الآية بأن الله عز

وجل قرن العري بالجوع، فعدّ العري ذل للظاهر كما أن الجوع ذل للباطن، ولا أدلّ على ذلك من أن الله عزوجل حينما أخرج آدم وحواء من الجنة وأهبطهما الأرض أنزلهما بلباس يستران به عورتاهما، فقال تعالى " يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهمْ يَذَّكَّرُونَ "[2] وقيل في سبب نزول هذه الآية أن أهل الجاهلية كانوا يطوفون عراة، فقد كان الرجال منهم يطوفون بالنهار، والنساء بالليل.

اللافت للانتباه ان الحجاب كان معروفا منذ قبل الإسلام وقد بدأت قصته حوالي عام 1125 قبل الميلاد، في بلاد ما بين النهرين ومنطقة البحر الأبيض المتوسط. حيث ينص القانون الآشوري على أنّه يجب على النساء المتزوجات والأرامل أن يتحجبن، وكذلك الحجاب موجود أيضا في الشرائع الإبراهيمية القديمة اليهودية والمسحية، ففي اليهودية يقول الحبر (ششث) في التلمود صراحة: (شعر المرأة عورة) وهو أيضًا ما قرّره الحبر الشهير (يعقوب بن آشر) الذي كان من أشهر علماء اليهود في القرون الوسطى، كما قرّر العديد من أعلام فقهاء اليهود أنّ على المرأة أن تغطّي رأسها بناء على القاعدة التشريعية اليهوديّة المسمّاة (לפני עיור) (لفني عيور) ؛ لأنّ المرأة بابتذالها في اللباس تقود الرجل إلى أبواب الخطيئة .

 

أما الديانة المسحية فقد ورد في رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورونثوس 13:11 ما يلي: «احْكُمُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: هَلْ يَلِيقُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ إِلَى اللهِ وَهِيَ غَيْرُ مُغَطَّاةٍ؟». وجاء في نفس الإصحاح أيضا: «وإذا كانت المرأة لا تغطّي رأسها، فأولى بها أن تقصّ شعرها، ولكن إذا كان من العار على المرأة أن تقصّ شعرها أو تحلقه، فعليها أن تغطي رأسها».

 

 غير أنه بين الحين والحين تندلع في بعض البلاد التي تعيش فيها أقلية مسلمة أعمال عنف، تعصف بالإنسانية كلها، وتضطهد المسلمين والمسلمات بلا جرم ولا جريرة سوى أنها فئة آمنت بربها والتزمت بعبادتها ومظهرها الإسلامي وتوجتها بالحجاب.

  ففي الهند وفرنسا – على سبيل المثال - تعاني المسلمات اللواتي تمسكن بحجابهن في المؤسسات التعليمية والجامعية المختلفة إلى مضايقات شديدة ، وصل فيها الأمر إلى حد التعدي عليهن والتنكيل بهن ، ولعل السبب في ذلك أن المجتمعات غير المسلمة كانت تأمل أن ينخرط المسلمون والمسلمات في ظل الوجود داخل المجتمعات غير المسلمة في ارتكاب المحرمات وفقاً للظروف الحياتية الغربية والإغراءات التي تحاوطهم من كل مكان ، إذ كانوا على يقين من تأثرهم بالعلمانية ، إلا ان الأمر قد باء بالفشل ، إذ نجح المسلمون في هذه البلدان إلى الحفاظ على تقاليدهم الإسلامية ومن ثم فرض الثقافة الإسلامية وقيمها وما تفرضه هذه القيم من انضباط لا يتناسب مع الثقافة العلمانية[3].

وتجدر الإشارة إلى أن ما يعانيه المسلمون في الدول الغربية على وجه العموم ، والمسلمات منهن على وجه الخصوص من اضطهاد وتربص مقيت يأتي من مخاوف عديدة لدى الغربيين ، إلى الأمر الذي أدى بهم إلى الإعلان صراحة عن انزعاجهم من وجود المسلمين على أراضيهم خشية إدخال الأعراف والمعتقدات الإسلامية إلى المجتمعات الغربية فيتحلون بهذه الأعراف والقيم الإسلامية.

  لذا دعا الكثير من الغربيين المتعصبين إلى مواجهة المهاجرين المسلمين في بلدانهم بزعم تعدد مطالب المسلمين التي يصعب الوفاء بها، فهم يطالبون عادة بإنشاء دور للعبادة، والالتزام بالصلاة في مواقع العمل، ويطالبون بشكل كبير بتوفير الأطعمة الحلال التي جري وصفها في شريعتهم وذلك داخل المؤسسات التعليمية ، كما يطالبون بأوقات معينة للاحتفال بأعيادهم والاجتماع الأسبوعي في صلاة الجمعة، وهذه المتطلبات تثقل كاهل الأنظمة والحكومات الغربية، ولقد دللوا على ذلك من مطالب بعض المسلمات في بريطانيا من ارتدائهن الزي الإسلامي داخل الفصول الدراسية وهو ما يمثل تميزاً عن الطالبات في ذات الصفوف والفصول الدراسية، ومنحهم الفرصة لزيارة المساجد وإقامة الصلاة داخل المؤسسات التعليمية[4].

كما دللوا على تبرير اضطهادهم للمسلمين والمسلمات داخل بلدانهم أن للمسلمين دور متنام في الحياة السياسية وهو ما يؤثر على المدى البعيد على هذه الحياة السياسية سيما وإن منهم من حصل على الجنسية، فبات له الحق في التصويت في الانتخابات سواء كانت محلية أو عامة، وهو ما ينبئ بتمكنهم من تحقيق أهدافهم ومطالبهم، وهو ما ينبئ عن تزايد نفوذهم داخل البلدان الغربية ومن ثم تزايد نفوذ الحكومات الإسلامية عليها[5].

  لذا فإن الكثير منهم يطلقون تحذيرات معلنة للحكومات من خطورة الاستجابة لمطالب المسلمين سيما فيما يتعلق بحقوق المرأة المسلمة، باعتبار أن الأخيرة تمثل تهديداً لقيم المجتمع الغربي، إذ عليهم أن يخضعوا للقانون المعمول به داخل البلاد دون إعطائهم وضعا خاصا بهم داخل البلاد استناداً إلى عقيدتهم الدينية.  

 

وعلى الرغم من أن الأديان جميعا سواء السماوية أو الوضعية تتفق على وجوب تستر المرأة والتزامها بآدابه، إلا أن قضية حجاب المرأة لا تزال حتى يومنا هذا حديثاً يجرى على لسان كل من لديه رغبة في الهجوم على الدين وهدمه، أو نصرة الخلاعة والتبرج على القيم والمبادئ والفضائل التي تتحلى بها المرأة في مختلف المجتمعات.

المصدر : المكتب الإعلامي للاتحاد .

 

[1] أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري : تحقيق : محمد حسين شمس الدين ، تفسير القران العظيم ، دار الكتب العلمية ، منشورات محمد على بيضون ، بيروت ، الطبعة الأولي ، سنة 1419هـ ، الجزء الخامس ، ص 320.

[2] سورة طه: الآية 118.

[3] اسعد مرزوق، موسوعة علم النفس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1979م.

[4] محمود محمد شاكر ، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، سنة 1997م ، ص 35-38.

[5] محمود الدبعي ، الإسلام والغرب الطريق إلى الفهم المتبادل ، مجلة الاوروبية ، العدد 18 ، يوليو 2000 ، ص28.





التالي
الأمم المتحدة: تلقينا 9 بالمئة فقط من التمويل اللازم لنازحي اليمن
السابق
حقيقة الكفر والإيمان

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع