البحث

التفاصيل

بيان الاتحاد حول الوضع في دارفور

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى سائر إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين وبعد

 

فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسسلمين انطلاقاً من العقيدة الإسلامية التي تجعل المسلمين حيثما كانوا أمة واحدة: ربها واحد، وكتابها واحد،ورسولها واحد، (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون).

واحتكاماً إلى الشريعة الإسلامية التي تحرم الاعتداء على الدماء والأعراض والأموال بين الناس كافة، وتشدد في هذ التحريم بين المسلمين خاصة (يا أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا)،  (كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله وعرضه).

وتأسيساً على القيم الإسلامية التي أنشأت الأخوة بين المسلمين، وأكدت عليها: (مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثلِ الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وجعلت المسلمين كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، ووصفتهم بأنهم تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم.

وإعمالاً للأمر القرآني بالتدخل لإصلاح ذات بين المسلمين (...فاتقوا الله وأصلحو ذات بينكم..)، لأن فسادها هو الحالقة، التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها تحلق الدين، وقد قال الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحو بين أخويكم واتقو الله لعلكم ترحمون).

واستحضاراً لمسئولية العلماء في إسداء النصح للأمة (حكاماً ومحكومين) إذا نابها ما يهدد مصلحتها العليا، وسلام ديارها، أو وحدة أراضيها، واستقرارها، أو وقع ظلم من بعض أهلها على بعض، توقياً لاستغلال قوى الشر والطغيان لهذه الأوضاع أو بعضها لإحداث فتنة بين المسلمين تغري بعضهم ببعض، وتزين لهم الإثم والعدوان، وتفقد الأمة معنى التعاون على البر والتقوى.

انطلاقاً من هذا كله نَدَبَ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وفداً برئاسة فضيلة العلامة الاستاذ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد، لزيارة السودان، والتعرف على الوضع القائم نتيجة أزمة دارفور، وما ترتب عليها من آثار إنسانية روّج الإعلام العالمي لها بصورة مُضَخَّمةٍ عن هذه الأحداث وآثارها، لذلك لم يَسَعْ الاتحاد العالمي لعلماءالمسلمين أن يقف متفرجاً على ما يجري في هذا البلد المسلم العريق، لا سيما وهو يصيب أهل القرآن وحفاظه، وعمار الخلوات وناشري الإسلام في أصقاع أفريقيا المختلفة، من أهل دارفور العزيزة الذين يجمع بينهم الإسلام، ويوحدهم اللسان العربي المبين على اختلاف أصولهم القبلية ذات التاريخ والفضل والشرف.

وقد ابتغى الوفد أن يقف على الحقائق القائمة في دارفور، وأن يستمع إلى آراء جميع المعنيين من الحكومة والأهالي، ومن القوى السياسية المتآلفة مع الحزب الحاكم والمعارضة له، واستمرت زيارةالوفد للسودن منذ مساء الخميس الموافق 17رجب الفرد 1425هـ و 2/9/2004م إلى يوم الثلاثاء الموافق 22 من رجب الفرد 1425هـ و 7/9/2004م والتقى الوفد بكل من:

  1. السيد رئيس الجمهورية ونائبه الأول ومستشار الرئيس للشؤون الإفريقية ومستشار الرئيس للتأصيل ووزراء الخارجية والداخلية والشؤون الإنسانية والأوقاف ووالي شمال دارفور.
  2. السيد المشير عبد الرحمن سوار الذهب.
  3. أصحاب الفضيلة العلماء أعضاء مجمع الفقه الإسلامي وأعضاء هيئة علماء السودان.
  4. عدد مقدر من قيادات أبناء دارفور المقيمين بالخرطوم حيث حضر اللقاء نحو خمسين منهم، من جميع الاتجاهات السياسية المؤيدة للحكومة والمعارضة لها،تحدث في اللقاء خمسة عشر منهم. 
  5. الاتحاد العالمي للمرأة السودانية، حيث شاركت في الاجتماع ممثلات للنساء في دارفور.
  6. عدد مقدر من القيادات السياسية والنقابية والفكرية ممن يمثلون مختلف الأفكار والتوجهات.

كما زار الوفد ولاية شمال دارفور والتقى في مقر الولاية بنائب الوالي والمسؤولين التفيذيين، و أعضاء من المجلس الوطني، وبعض شيوخ القبائل والطرق الصوفية، وبعض رجال القضاء، وأساتذة الجامعة، وبعض القيادات النسائية، ثم قام الوفد بزيارة معسكر السلام بأبي شوك واطلع على أحوال النازحين فيه، ومايقدم لهم من خدمات، وناقش عدداً منهم وشاهد مقر منظمة الهلال الأحمر السعودي، وقابل أعضاء البعثة الطبية المصرية، وزار بعض مقرات المؤسسات الدولية العاملة في مجال الإغاثة.

وقد انتهى الوفد – بعد ما اطلع عليه من أحوال في دار فور وما استمع إليه من آراء من سبق ذكرهم من القيادات الرسمية والحزبية والشعبية والنقابية والفكرية- إلى إعلان ما يأتي:

  1. إن الوضع القائم في دار فور، وبسبب أزمتها، ناتج عن أسباب متعددة متداخلة: طبيعية، وبيئية، وسكانية، وسياسية، وإقليمية، ودولية  ولا يمكن أن ينسب الموقف الإنساني والأمني القائم الآن في دار فور إلى سبب واحد منها كما لا يمكن علاج الآثار والنتائج التي اطلع عليها الوفد إلا بالقضاء على أسبابها جميعاً لإحلال السكينة بتلك المنطقة وقطع الطريق على أعداء الأمة المتربصين بها الدوائر.
  2. إنه على الرغم من قيام حالة إنسانية تقتضي تدخلاً سريعاً من المؤسسات الإسلامية والعربية والإفريقية الإغاثية فإن الإعلام العالمي قد بالغ في تصوير هذه الحالة تصويراً يفوق الأمر الواقع، حيث نشرت أخبار عن التطهير العرقي، والإبادة الجماعية، والاغتصاب الجماعي تبين الوفد أنها عارية عن الصحة، ومع ذلك فقد تبيّن للوفد وقوع أحداث حرق لبعض القرى، ووقوع قتلى من الأطراف المتنازعة في دارفور، ولحوق أضرار بالأموال على أنحاء مختلفة، وذلك كله يقتضي  تعويض المتضررين وتحمل ديات القتلى وفق العرف القائم في المنطقة.

وينوه الوفد إلى ضرورة تكافل الدول والمنظمات الإسلامية والعربية والإفريقية مع السودان في تحمل التكلفة اللازمة لهذه التعويضات تحقيقاً للأمن والاستقرار في المنطقة كلها.

  1. إن الجهود التي تبذلها الحكومة المركزية لإتمام العودة الطوعية للنازحين واللاجئين إلى مواطنهم الأصلية ورتق النسيج الاجتماعي هي جهود مقدرة وضرورية، لكنها تقتضي عوناً عاجلاً ومنظماً لإعادة الإعمار وتوفير سبل الحياة الكريمة لمواطني دارفور كافة.
  2. لاحظ الوفد بالتقدير والاحترام صدور قرار جمهوري بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في دار فور وتحديد الأضرار والمسؤولين عنها برئاسة القاضي العادل والعالم الجليل دفع الله الحاج يوسف ومشاركة آخرين من ذوي الفضل والحيدة.
  3. كما لاحظ الوفد بالتقدير نفسه الإجراءات المتخذة لعودة العمل بنظام الإدارة الأهلية الذي يمكن أهل كل منطقة وقادتها المحليين لتسوية النزاعات في بدايتها ومنع تفاقمها وفق أعرافهم المحلية.

 

والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يناشد الدول الاسلامية والعربية والإفريقية، والمؤسسات الخيرية فيها، الإسراع بتشكيل آلية تضمن تلبية احتياجات إعادة الإعمار وتوفير الوسائل اللازمة لاستقرار المواطنين في ديارهم.

ومن أهم ذلك إعادة بناء ما دمر نتيجة الحرب من مساكن ومساجد ومدارس ومستشفيات وغيرها من المنشئات.

  1. إن القانون العام يجب أن يطبق على الجميع بحيث يتحمل كل من ارتكب جريمة عقوبتها المقررة دون تمييز بين جانٍ وآخر لأي سبب كان، فإن من المقرر شرعاً وجوب تطبيق العقوبات على الكافة كما قال رسول الله صلى الله عله وسلم: (وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها) وهذا يقتضي نزع السلاح من كل من يحمله بصورة غير قانونية في وقت متزامن بحيث لا يمكن أحد من الاعتداء على أحد.
  2.  لاحظ الوفد ضرورة تماسك الجبهة الداخلية والتوافق على ثوابت تحفظ للبلاد وحدتها وأمنها واستقرارها واستقلالها وتحول دون التدخل الأجنبي مما يستلزم السعي لاستكمال خطوات الوفاق الوطني والمصالحةالشاملة تعزيزاً لمناخ الحريات وتوسيعاً لقاعدة المشاركة السياسية وكفالة حقوق الأقاليم في إطار شوري ديمقراطي لضمان تطبيق القانون في جميع أنحاء السودان على الكافة ويقدر الوفد في هذا المجال جهود الحكومة المصرية في تيسير التقارب والتفاهم بين مختلف القوى السودانية.  
  3. إن علماء المسلمين داخل السودان وخارجه مدعوون إلى القيام بواجبهم في تثبيت القيم الإسلامية والتوعية بها وبكيفية إنزالها على الواقع بما يحقق الأهداف الإسلامية الكبرى للفرد والجماعة والدولة.
  4. إنه من المقرر شرعاً أنه عند التنازع يجب رد الأمر إلى الله ورسوله (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول..) وأن الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً، بل إن القرآن الكريم يأمر بالإصلاح بين المؤمنين (فأصلحو بين أخويكم) ويصف الصلح بأنه خير (والصلح خير ).

لذلك يدعو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى إنفاذ مبادرة يقدمها لجميع الأطراف، وعلى رأسهم الحكومة السودانية مناشداً إياهم: الله والدين والرحم أن يقيموا مؤتمراً جامعاً تشارك فيه جميع القوى السياسية والقبلية والعلماء وشيوخ الطرق في جميع مناطق السودان للوصول إلى  كلمة سواء في سائر الشئون المتنازع عليها أو المختلف فيها بين أهل السودان صلحاً أو تحكيماً.

ويقترح الاتحاد أن تشارك في هذا المؤتمر الدول الحريصة على السودان الحادبة عليه التي يتفق أهل السودان على دعوتها، وأن يعقد هذا المؤتمر في رحاب بيت الله الحرام ليعين ذلك على إخلاص النية، وصدق القصد وتحقيق الغاية النبيلة التي يعقد المؤتمر من أجلها وهي إصلاح ذات البين والتوفيق بين الأهل والإخوة في الوطن طاعة لله ولرسوله (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).

ولا يفوت الوفد أن يعبر عن تقديره وتقدير الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين للضيافة الكريمة والحفاوة البالغة التي حظي بها من وزارة الإرشاد والأوقاف، ووزيرها الأخ الكريم الدكتور عصام البشير الذي وفر للوفد فرصة اللقاء بكل من ورد ذكرهم، وبكل من طلب الوفد لقاءه، وكان بأريحيته وطيب سجيته خير معين – بعد الله تعالى – للوفد على أداء مهمته، فجزاه الله خيراً.

كما يعبر الوفد عن عميق شكره للوقت الذي وفره له رئيس الجمهورية ونائبه الأول والسادة الوزاراء والمسؤلون، وممثلو القوى السياسية والنقابية والنسائية والفكرية في الخرطوم ودارفور على السواء.

والله نسأل أن يجمع كلمةالمسلمين على الهدى وقلوبهم على التقى وعزائمهم على خير العمل وعمل الخير.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربالعالمين.

 

وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الخرطوم في يوم الثلاثاء :

22 رجب الفرد 1425هـ .

الموافق: 7/9/2004م.





التالي
حكم الاختطاف واتخاذ الرهائن
السابق
كلمة رئيس الاتحاد القرضاوي في افتتاح أعمال الجمعية العمومية للاتحاد

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع