البحث

التفاصيل

من أي رحم ولد مصطلح "الاغتصاب الزوجي؟

الرابط المختصر :

من أي رحم ولد مصطلح "الاغتصاب الزوجي؟

د. كاميليا حلمي 

مغتصب الشيء: هو الآخذ لذلك الشيء عنوة وبغير وجه الحق، ومغتصب مال الناس: هو الذي أخذ هذا المال قهرًا وظلمًا وبدون وجه حق.

وفي حال الكلام عن زوج وزوجة أخذا بعضهما بالميثاق الغليظ والإيجاب والقبول، فإن مصطلح (الاغتصاب الزوجي) غير صحيح لا شرعًا ولا قانونًا، إذ لا يحق شرعًا لأي منهما أن يمتنع عن الآخر بغير عذر شرعي. فعقد الزواج يفرض على كل منهما أن يعفَّ الآخر ويحصنه بقدر حاجته، وعلى قدر استطاعته، وبدون إذن مسبق.

وتُستقبح استعارة كلمة (اغتصاب) للعلاقة بين الزوجين، فلا يجوز أن يقاس أمر حلال بأمر حرام، ولا حتى في التوصيف، ويجب أن يتم التفرقة بين الحلال والحرام في الأوصاف بشكل واضح، فإن حِلّ الاستمتاع بين الزوجين لا يشبه أبدًا ولا يقاس بتاتًا بحرمة الزنى أو كبيرة الاغتصاب[1].

ويتم ترويج ذلك المصطلح ليؤسس لمفهوم جديد للعلاقة الخاصة بين الزوجين، وهو: أن المعاشرة الزوجية ليست حقًا للزوج، وإنما هي علاقة تخضع لرضا الزوجة وحدها، فإن كانت لديها الرغبة وتشعر بالرضا تجاه معاشرة الزوج صارت هذه العلاقة شرعية ويباركها القانون، أما إذا لم تكن لديها الرغبة وغاب عنها تمام الرضا صار سلوك الزوج (تَعدٍ على الزوجة)، بل وجريمة (اغتصاب) يجب أن ينص القانون على جزاء رادع لها، حتى لا يعود لمثلها أبدًا!

ومن ثم بدأ البعض يتداول المصطلح ويكثر من ترديده، حتى يتحول إلى مصطلح أصيل في اللغة، ويجد لنفسه مكانًا في ثقافات الشعوب؛ ليحدث شروخًا عميقة في العلاقة بين الزوجين، ويهدد أمن واستقرار الأسر، ويهدم ركنًا أساسيًا من أركانها، بل أحد أهدافها الرئيسة، وهو هدف الإحصان والإعفاف.

 (الاغتصاب الزوجي) وسرديات المواثيق الدولية:

يعتبر مصطلح (الاغتصاب الزوجي) هو الإبن غير الشرعي للمواثيق الدولية، الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة المعنية بالمرأة والسكان والتنمية والتي تعد بالعشرات.

فنرى منهاج عمل بكين (1995م) يقحم مصطلح (الاغتصاب الزوجي) من خلال التوسع في تعريف مصطلح العنف ضد المرأة violence against women، حيث نص على: "يشمل العنف ضد المرأة ما يلي على سبيل المثال لا الحصر: (أ) أعمال العنف البدني والجنسي والنفسي التي تحدث في الأسرة، بما في ذلك الضرب أو الاعتداء الجنسي على الأطفال الإناث في الأسرة المعيشية، وأعمال العنف المتعلقة بالمهر، واغتصاب الزوجة marital rape، وختان الإناث وغير ذلك من التقاليد الضارة بالمرأة، وأعمال العنف بين غير المتزوجين non-spousal violence، وأعمال العنف المتعلقة بالاستغلال".[2]

ونلاحظ في هذه الفقرة المطاطية الشديدة، والمقصودة، في تعريف (العنف ضد المرأة)، مع تعمد إبراز مصطلح (الاغتصاب الزوجي)، واعتباره (عنفًا جنسيًا). كما أدرجت في نفس البند كذلك (العنف بين غير المتزوجين)؛ ليصبح الأصل في القضية هو (رضاء المرأة) وليس الحالة الزواجية، فلو كانت المرأة راضية عن العلاقة، حتى لو كانت علاقة زنا، فهي ليست عنفًا، أما إذا كانت غير راضية، فهو عنف واغتصاب، حتى لو كانت بين زوجين شرعيين! وهذه هي المرحلة الأولى: صك الجريمة، ووصفها، وفرضها كأمر واقع. لتأتي المرحلة الثانية، وهي المطالبة بالمعاقبة على تلك الجريمة!

ومنذ ذلك الحين، بدأ مصطلح (الاغتصاب الزوجي) يطفو أحيانًا على السطح، ثم يخبو بسبب ردود الأفعال العنيفة من الجماهير التي يصدمها المصطلح، ثم يعود ليطفو مرة ثانية، ربما في صورة مشروع قانون تقدمه منظمات المجتمع المدني، التي تقوم بدور الوكيل عن الأمم المتحدة، حيث يفسح لها المجال في وسائل الإعلام لتعرض ما لديها من شذوذ فكري.

ويسهم أيضًا في الترويج لهذا المصطلح إصدار عدد من الأعمال الدرامية والإعلامية التي تضع العلاقة بين الزوجين في إطار عنيف ومنفر؛ بقصد تهيئة الأجواء لقبول المجتمع للمصطلح بصدر رحب، وقبول فكرة إخضاع هذه العلاقة لقانون العقوبات بناء على شكوى من الزوجة.

وفي عام 2000م، طالبت وثيقة (بكين+5) بـ: "وضع التشريعات وتعزيز الآليات المناسبة لمعالجة المسائل الجنائية المتعلقة بجميع أشكال العنف العائلي، بما في ذلك الاغتصاب في إطار الزواج... وكفالة سرعة تقديم هذه القضايا للعدالة".[3]

ومن ثم نرى وثيقة (بكين+5) تطالب "بكفالة سرعة تقديم هذه القضايا للعدالة"، في حين تتعرض النساء للاغتصاب الحقيقي الممنهج منذ سنين في فلسطين، وسوريا، وبورما، وأفريقيا الوسطى، ومن قبل في البوسنة والهرسك، ولم نَرَ الأمم المتحدة تقدم المغتصبين إلى المحاكم الدولية، في حين تنتفض وتطالب بسرعة معاقبة الأزواج الذين تشتكيهم زوجاتهم بتهمة الاغتصاب؟!

أما مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فيشيد في أحد تقاريره حول تنفيذ إحدى الدول الإفريقية التزاماتها الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان قائلاً: "بأنها قامت بإدراج سلسلة من الجرائم الجديدة، بما في ذلك الاغتصاب في إطار الزوجية".[4]

وفي تقرير اليونيسيف عن العنف المنزلي (2000م)، وتحت عنوان (الاستغلال الجنسي والاغتصاب في العلاقات الحميمية) جاء ما يلي: "لا يعتبر الإيذاء الجنسي والاغتصاب من جانب شريك حميم intimate partner جريمة في معظم البلدان... وعندما تدخل المرأة في عقد زواج، يكون للزوج الحق في ممارسة جنسية غير محدودة".[5] كما يعُدُّ التقرير أن من عوامل ارتكاب العنف المنزلي: "التعريفات القانونية للاغتصاب Legal definitions of rape  والإيذاء الجنسي المنزلي domestic abuse".[6]

وهنا يستخدم اليونيسيف أسلوبًا جديدًا في تمرير قضية (الاغتصاب الزوجي)، حيث يستنكر بشدة أن كثيرًا من البلدان لا تعتبر العلاقة الجنسية بين الزوجين -إن كانت على غير رغبة الزوجة- (اغتصابًا زوجيًا)، ويستنكر أن المرأة إذا (دخلت في عقد الزواج يكون للزوج الحق في ممارسة جنسية غير محدودة)!

كما يعتبر اليونيسيف أن (التعريفات القانونية للاغتصاب) والموجودة في قوانين كثير من البلدان  التي تعتبر الاغتصاب هو إجبار أنثى غير الزوجة على الجماع، هي من عوامل ارتكاب العنف المنزلي؛ وبالتالي لا بد أن يتضمن تعريف الاغتصاب العلاقة بين الزوجين، وفقًا لتقرير اليونيسيف.

كيف يتم توسيع تعريف الاغتصاب في القوانين المحلية؟

الدول التي توقع على الاتفاقيات الدولية، تلتزم بتقديم تقارير دورية حول مدى تطبيقها لتلك الاتفاقيات، وفي المقابل تقوم اللجان المختصة بمتابعة تطبيق تلك الاتفاقيات، بدراسة التقارير المقدمة، وإبداء الملاحظات حولها.

ولتوضيح كيفية التدرج في تمرير مصطلح (الاغتصاب الزوجي) في القوانين الوطنية، نضرب مثالاً بالحالة السورية، فحين قدمت سوريا تقريرها الدوري حول تطبيق اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) عام 2007م، والذي يوضح التعديلات التي قامت بها في مجال قوانين الأسرة والأحوال الشخصية، وغيرها من القوانين تطبيقًا للاتفاقية، قامت إحدى عضوات (لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة" -السيدة هالبرين- بالتعليق على التقرير السوري، وأشارت إلى: "ضرورة إدخال إصلاحات تشريعية، وإجراء مناقشات جادة حول القوانين القائمة، بما في ذلك قوانين الاغتصاب".[7] وكان جواب مندوبة الجمهورية العربية السورية - السيدة الأسد-: "أنه تم إعداد مشروع قانون جديد يحقق المساواة بين الرجل والمرأة، ومن المأمول أن يتم اعتماده بمجرد سحب التحفظات على الاتفاقية، وسوف يساوي مشروع القانون بين سن الزواج للمرأة والرجل.. وهناك خطط لتحديث أحكام القانون الجنائي المتعلقة بالزنا والاغتصاب في إطار الزواج".[8]

كما علقت السيدة شوتيكول- من لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة- على التقرير قائلة"ويبدو أيضًا أنه سوف يكون من السهل حذف عبارة (غير زوجته) من المادة 489[9] من قانون العقوبات (السوري)، والذي يشمل العنف الجنسي"[10]. لتجيبها السيدة غانم (مندوب الجمهورية العربية السورية): "إن حذف عبارة (غير زوجته) من المادة 489 من قانون العقوبات مسألة أسهل في القول من العمل. والهدف هو إحداث تغيير في توازن القوى التقليدي الذي يتحكم فيه الرجال في نطاق الزواج".[11]

في معظم قوانين وتشريعات الدول الإسلامية يُعرَّف الاغتصاب بأنه: "إجبار غير الزوجة على الجماع". وهذا هو المفهوم الطبيعي الموجود لدى عامة البشر، قبل أن تبتدع المواثيق الدولية مصطلح (الاغتصاب الزوجي). ولكي يتم اعتبار الزوج مغتصِبًا يُطلَب من المندوبيين الحكوميين أن يقوموا بحذف كلمة (غير الزوجة)، وهو عين ما طالبت به اللجنة الوفد الرسمي السوري، من خلال التعليق على التقرير السوري المشار إليه آنفًا؛ بحيث يصبح تعريف الاغتصاب في القانون هو: (الإكراه بالعنف أو بالتهديد على الجماع)، هكذا على إطلاقه، ليشمل أي أنثى، بما في ذلك الزوجة! وبناء عليه، إذا اتهمت الزوجة زوجها بأنه اغتصبها، فإن الزوج -وفقًا لذلك التعديل- يتعرض لنفس عقوبة المغتصب في القانون السوري، والتي تصل إلى 15 عامًا من السجن!

مصطلح (الاغتصاب الزوجي) بين (الرضا Consent) والعنف البدني:

وقد يظن البعض أن المقصود من (الاغتصاب الزوجي) ممارسة العلاقة الجنسية مع الزوجة باستخدام العنف البدني، ولكن صندوق السكان بالأمم المتحدة UNFPA ينص في مشروعه حول (الحقوق الإنجابية في فلسطين) على: "يعتبر اتصال الزوج جنسيًا بزوجته دون رضاها وموافقتها اغتصابًا، ويشمل ذلك أيضًا إجبار الزوجة على الممارسة الجنسية في أوقات لا تحلو لها، أو في أوقات مرضها".[12]  أي أن (الاغتصاب الزوجي) يحدث بمجرد وطأ الزوجة في أوقات (لا تحلو لها).

وقد أكد السيد بان كيمون -الأمين العام السابق للأمم المتحدة- بنفسه على ذات المعنى في تقريره المقدم لمؤتمر (بكين+ 15)[13]، حيث نص  على الفقرات التالية:

"تم في عدة بلدان ولا سيما في أفريقيا توسيع معنى الاغتصاب؛ ليشمل نطاقًا أوسع من عناصر الجرم، حتى أن التعريفات تركز اليوم على عنصر الرضا (Consent) أكثر مما تركز على عنصر القوة المادية".[14]

أي أن الزوج يُعتبر (مغتصِبًا) إذا لم تكن الزوجة راضية تمام الرضا عن العلاقة الخاصة بينهما. وبإمكانها أن تشكوه بتهمة (الاغتصاب) ليلقى العقوبة القانونية!

"يخضع الاغتصاب في إطار الزواج للعقاب في عدد متزايد من الدول. بيد أن عقوبة الاغتصاب في إطار الزواج لا تزال في معظم البلدان أقل من عقوبة الاغتصاب الذي يرتكبه الأغراب".[15]

فالأمين العام يستنكر كون القوانين تفرض عقوبة لمن تشتكيه زوجته بتهمة الاغتصاب، أقل من عقوبة من يغتصب امرأة أجنبية! وبناء عليه، يجب أن تتساوى العقوبة في الحالتين، فيعاقب الزوج بنفس عقوبة مغتصب الأجنبية! والتي تصل في بعض البلاد إلى حد الإعدام!

 "ويجري العمل في عدد متزايد من البلدان بأوامر الحماية المدنية التي تنص على إخراج الجناة من أمكنة الإقامة المشتركة في حالات العنف الأسري، وعلى فرض القيود على تصرفاتهم".[16]

أي أنه إذا كان الزوج هو المتهم بـ (الاغتصاب الزوجي) فسيتم إخراجه من البيت، وفرض القيود على تصرفاته، وفقًا لهذه الفقرة!

 "تم تعديل العديد من القوانين المتعلقة بالعنف الأسري ليشمل مجال تطبيقها العنف المرتكب في إطار علاقات أخرى غير الزواج".[17]

وهذه إشارة خطيرة، حيث تم تضمين (العلاقات الأخرى غير الزواج) ضمن قوانين (العنف الأسري)، أي اعتبار الزنا والشذوذ الجنسي هي علاقات أسرية، وهذه نقطة في غاية الخطورة.

مشاريع قوانين (الاغتصاب الزوجي) و(العنف ضد المرأة) باب واسع للتمويل المشبوه:

وتتسارع الكثير من منظمات المجتمع المدني إلى تنفيذ مشروعات الأمم المتحدة الخاصة بـ (الاغتصاب الزوجي) و(العنف الأسري)؛ لأنها تكون مصحوبة بمبالغ ضخمة من التمويل الأممي، فتنشط في إقامة الفعاليات المختلفة، من ندوات، ودورات، ومؤتمرات، وغيرها من الفعاليات التي تصب كلها في تطبيع مفهوم (العنف الأسري) و(الاغتصاب الزوجي) لدى عموم الناس، ومن ثم تزداد الضغوط الداخلية على الحكومات، لتدفعها نحو تطبيق تلك الأجندة. وفي المقابل تربط الأمم المتحدة التمويل المقدم للحكومات بالعمل على تنفيذ المشروعات الخاصة بـ (العنف الأسري) أو (العنف العائلي).

وقد نص القرار الصادر عام 2004م عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وعنوانه (القضاء على العنف العائلي ضد المرأةعلى ما يلي: "تؤكد الحاجة إلى تقديم المساعدات التقنية والمالية إلى البلدان النامية؛ دعمًا لجهودها الرامية إلى القضاء على العنف العائلي ضد المرأة، وذلك من صناديق الأمم المتحدة وبرامجها، ومن المؤسسات المالية الدولية والإقليمية، ومن المانحين الثنائيين والمتعددي الأطراف، ومن المجتمع المدني، فضلاً عن الحاجة إلى المساعدة المقدمة من المجتمع الدولي إلى المنظمات غير الحكومية والجماعات المحلية الناشطة في هذا الميدان".[18]

هل تقيم الأمم المتحدة وزنًا للاعتبارات الدينية أو الثقافية؟

أمر الدين الإسلامي المرأة أن تطيع زوجها إذا دعاها إلى فراشه، ونهاها أن تمنع نفسها عنه، إلا في حال وجود عذر شرعيٍّ: كالحيض، أو النفاس، أو المرض الذي لا تستطيع معه التمكين من الجماع؛ وإلا فالواجب أنه متى أرادها بنفسها فعليها الاستجابة، فعن أبي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ:﴿ إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت أن تَجِيءَ، لعنتها الملائكة حتى تصبح[19]. وعن أَبي هريرة  أَيضًا: أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: ﴿لا يَحلُّ لامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ، وَلا تَأْذَنْ في بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذنِهِ، متفقٌ عَلَيهِ، وهذا لفظ البخاري.[20]

 والإحصان يُعد من مقاصد الزواج الرئيسة، فإذا الزوجات امتنعن عن إحصان أزواجهن–دون عذر شرعي.. من مرض أونحوه- وقعت فتنة كبيرة وفساد في الأرض.

ولكن هيئة الأمم المتحدة لا تقبل بأي أعراف أو تقاليد أو اعتبارات دينية تتعارض مع ما تدعو إليه في مواثيقها الدولية، وتعتبر أن ما تأتي به تلك المواثيق يجب أن يعلو فوق أي مرجعيات أخرى.

ولحرص الأمم المتحدة الشديد على تمرير مصطلح (الاغتصاب الزوجي)، دون أدنى اعتبار لأديان وثقافات الشعوب، عمدت إلى إقحامه ضمن قرارها الصادر عن الجمعية العمومية عام 2004م  الذي نص على ما يلي: "تعرب الجمعية العامة عن قلقها لكون العنف العائلي، بما فيه العنف الجنسي في إطار الزواج، لا يزال يعامل كمسألة خاصة في بعض البلدان. وتؤكد من جديد التزام الدول بوضع تشريعات وتعزيز آليات مناسبة لمعالجة الأمور الجنائية المتصلة بجميع أشكال العنف العائلي، بما فيها الاغتصاب في إطار الزواج... وكفالة رفع تلك القضايا أمام المحاكم بسرعة... وعدم الاحتجاج بأي أعراف أو تقاليد أو اعتبارات دينية للتنصل من التزاماتها بالقضاء على العنف ضد المرأة".[21]

ومن ثم تتجاهل الأمم المتحدة كل التعاليم الإسلامية التي تأمر المرأة بطاعة زوجها في الفراش، بل وتستنكر اعتبار ذلك الأمر (مسألة خاصة). فالزوجة إذا لم يرق لها تلبية طلب زوجها، فعليها أن تسارع في التوجه إلى المحاكم وتتهم زوجها بأنه اغتصبها، وفي هذه الحالة يجب على المحكمة أن تبت سريعًا في هذه القضية، ولا تضع أي اعتبار لأديان أو أعراف أو تقاليد، وإنما تقوم بتوقيع العقوبة الفورية على الزوج (المغتصِب)!

أما الآية الكريمة: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى[22] شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ[البقرة:223]، فلا اعتبار لها لدى الأمم المتحدة، بل لقد ذهبت تلك الهيئة الدولية إلى أبعد من ذلك، فقد أوردت منظمة الصحة العالمية في تقريرها الصادر حول العنف الجنسي (2017م)، وتحت عنوان (الأعراف الاجتماعية Social norms) ما يأتي: "العنف الجنسي الذي يرتكبه الرجال متجذر إلى حد كبير في أيديولوجيات الاستحقاق الجنسي لدى الذكور. هذه النظم العقائديةbelief systems  تمنح النساء قليلاً جدًا من الخيارات المشروعة في رفض المقدمات الجنسية. وهكذا كثير من الرجال ببساطة يستبعدون إمكانية أن تُرفض مقدماتهم الجنسية تجاه المرأة، أو أن المرأة لديها الحق في اتخاذ قرار مستقل بشأن المشاركة في الجنس".[23]

ويحمل تقرير منظمة الصحة العالمية العديد من أوجه الخطورة، أهمها:

أولاً: الربط بين (العنف الجنسي) و(النظم العقائديةbelief systems )، وفي هذا إشارة للدين الإسلامي، حيث تكثر الأحاديث الشريفة -وقد أوردنا بعضها آنفًا- التي تحض الزوجة على طاعة زوجها إذا طلبها للفراش، وهذا ما يعبر عنه التقرير بعبارة: (هذه النظم العقائدية تمنح النساء قليلاً جدًا من الخيارات المشروعة في رفض المقدمات الجنسية). وبناء عليه يتم وصف (الدين والعقيدة) بأنها ترسم (أيديولوجيات الاستحقاق الجنسي لدى الذكور)، فتعطي الزوج الحق في دعوة زوجته للفراش وفقًا لرغبته، لذا يعتبرها التقرير منبعًا للعنف!

ثانياً: تكرار عبارة (المقدمات الجنسية) في سياق فقرة تتكلم عن العنف الجنسي، هو تمهيد لإقرار قوانين تجرِّم تلك (المقدمات الجنسية) من قبل الزوج إذا كانت بغير رضا الزوجة، برغم أن تلك (المقدمات) هي استجابة لتعاليم الدين الواردة في الآية ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ، ومن ثم يصبح من حق الزوجة أن تشتكي زوجها بتهمة (التحرش الجنسي) إذا شاءت!

حصاد الهشيم:

نتيجة لتطبيق قوانين (العنف الأسري)، و(الاغتصاب الزوجي) في بعض الدول، زاد ارتكاب الأزواج لجريمة الزنا، كما زادت نسب القتل بين الزوجين، وهذه نتائج بديهية ومتوقعة، فالإحصان لم يعد متحققًا من خلال الزواج الشرعي، بل أصبحت العلاقة الزوجية خاضعة لهوى الزوجة ومزاجها.

وفي ظل تجريم تعدد الزوجات الذي جاءت به اتفاقية سيداو، وسيف القانون المسلط على رقبة الزوج من خلال قوانين حملت عنوان (حماية المرأة من العنف الأسري) والتي سرت في العالم سريان النار في الهشيم، وهي قوانين انتهكت الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فقضت على القوامة داخل الأسرة وما يترتب عليها من وجوب إنفاق الزوج على الأسرة، ووجوب طاعة الزوجة لزوجها؛ جاءت تلك الظواهر السلبية الخطيرة لتنذر العالم بضرورة العودة إلى الشريعة الإسلامية فيما يخص قوانين الأسرة، حمايةً للمجتمعات من الانهيار المتوقع في ظل تطبيق اتفاقيات الأمم المتحدة الهادمة للأسرة والأخلاق.


: الأوسمة



التالي
عشر ذي الحجة.. فضائلها والأعمال المستحبة فيها - سماحة الشيخ أ. د. علي القره داغي
السابق
عظمة الله في خلقه، وواجب نصرة الأقصى

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع