البحث

التفاصيل

الإسلام كلُّه مواساة وتعاون

الإسلام كلُّه مواساة وتعاون

بقلم: الشيخ أحمد نصار (عضو الاتحاد)

 

إنّ تعاليم الإسلام مبنية على الرحمة والرأفة، وتشريعاته تقوم على المواساة، وجبر الخاطر، وتفريج الكُرب، وإيناس الوحشة، وعزاء المصاب وتهوين الفاجعة؛ فالزكاة والصدقة والإنفاق والتبرع، وبرّ الوالدين وصلة الأرحام وإيتاء ذي القربى حقه والإحسان إلى الجار وإكرام الضيف وعيادة المريض...

كل هذه من المواساة؛ وحتى صلاة الجماعة والصيام والحج لا يخفى ما فيها من معاني المواساة والشعور بالآخرين، فالإسلام كلُّه مواساة وتعاون، والمسلم لا يكون مؤمناً إلا إذا كان لأخيه مكمّلاً، ويحبّ له ما يحب لنفسه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)، وقوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه).

وحثّ القرآن الكريم على التعاون على ذلك بين أبناء المجتمع الواحد، فقال سبحانه (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).


ولقد اهتم الإسلام بخلق المواساة وتفريج كرب الآخرين اهتماماً بالغاً وحثَّ عليه حثاً عظيماً، وما أكثر ما نجد في كتاب الله من مدح وثناء على أولئك المؤمنين العظام الذين يبادرون إلى مواساة إخوانهم ومدّ يد العون لهم في السرّاء والضرّاء، ومن ذلك قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، بل ويصل بهم الأمر إلى أكثر من ذلك حين يقدمون مصلحة إخوانهم على مصلحة أنفسهم، وهذا هو خلق الإيثار فقال تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).


وكيف لا تكون تلك المبادرة العظيمة من المؤمنين لنصرة إخوانهم وتفريج كربهم وقد وعدهم الله بعظيم الأجر والثواب ورغبهم فيه ترغيباً عظيماً فقال سبحانه: (أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).

بل إن الله سبحانه قد بيّن أن صفة الأنانيّة وحبّ الذات وعدم نفع الآخرين، هي من صفات الكفار والمنافقين، الذين ليس في قلوبهم رحمة، قال تعالى: (كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ، وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا، وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)، وبيّن سبحانه أنّ من أسباب الخسران يوم القيامة عدم الإحسان إلى الضعفاء والمساكين والإعراض عنهم، قال سبحانه حكاية عن الذي أُوتي كتابه بشماله: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ، إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ، وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ، لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ).


ثم جاءت السنَّة النبوية المطهرة لتؤكد ما أتى به القرآن الكريم، ولتجلِّى الأمر أعظم تجلية، فلا يبقى بعد ذلك مسلم متمسك بدينه إلا وتحدّثه نفسه دائماً بالمبادرة إلى إعانة الآخرين وتنفيس كربهم، كيف لا وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ ذلك العمل الجليل قد جعل الله عزّ وجلّ جزاءه من جنسه فقال: (مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).

ومن حق المسلم على أخيه المسلم أن يواسيه ويعاونه ويكون معه في السراء والضراء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْهُ، وإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ).


وإذا رأى المسلم في أخيه الحاجة والعوز أوجب عليه الإسلام أن يبادر إلى مقاسمة أخيه في طعامه ومتاعه، وهذا أصل من أصول المواساة، وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشعريين مدحاً عظيماً بقوله: (فهم مني وأنا منهم)، اذ كانوا مثالاً رائعاً للمواساة وتقاسم المتاع في وقت الشدّة والعوز، فكانوا إذا قلّ زادهم في سفر أو حضر جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسويّة.


ولقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن إدخال الفرح والسرور على المسلمين، وإزالة الهم والكرب عنهم هو أحب الأعمال إلى الله، وأحب الناس إلى الله هو الذي ينفع الناس، فقال عليه صلاة والسلام: (أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل، سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة، أحبُّ إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً).


إن دين الإسلام هو دين الرحمة والتعاون والمواساة، ينفع فيه المسلم أخاه المسلم بكل ما يستطيع، ويسعى لمعونته وتفريج شدته وكربه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، والقرآن العظيم زاخر بالآيات التي تحثُّ على ذلك وترغِّب فيه.

فالإنسان يتصدَّق ويُحْسِن على الأولى فالأولى، والأقرب فالأقرب، والأحوج فالأحوج، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بمَن تعول)، وهو يرجو بذلك ما عند الله من المثوبة، ومَن أحسن أحسن الله إليه، قال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

 


: الأوسمة



التالي
د. علي الصلابي يدعو بابا الفاتيكان إلى معرفة حقيقة عيسى عليه السلام وإبراهيم عليه السلام عند مسلمي العراق
السابق
المصطفى صلى الله عليه وسلم والتربية الأخلاقية (2)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع