الرابط المختصر :
ما حجة بعض الناس الذين يحذّرون من اللقاح ويفتون بتحريمه؟
بقلم: أ. د. عمار طالبي (عضو الاتحاد)
نسمع من حين لآخر التخوف من اللقاح، وبعض الناس يزعمون أنه محرم ويقولون هذا القول بدون علم ولا فقه للشريعة وإنما يحبون أن يفتوا بغير علم.
ظهر مثل هذا الوباء في القرن الثامن الهجري، الرابع عشر الميلادي، وعمّ الأرض وكان مصدره من الصين أيضا فأخذ الرعب الناس، فتصدى أحد الأطباء وهو فقيه أيضا لنصيحة المسلمين وهو الشقوري الأندلسي من بلدة شقورة، وكتب نصيحة تشمل الوقاية التي أكد عليها ثم وصف علاجا لذلك، ولكن بيّن أن الفقهاء الذين لا يقولون بالعدوى وأنه ورد في الحديث «لاعدوى ولاطيرة» ولذلك يفتون للناس أن يجتمعوا في الجنائز وأن يزوروا المرضى وقال : إن هؤلاء يفتون بقتل المسلمين والحديث رواه مسلم عن أبي هريرة ووقع له شك في روايته واعترض عليه بعض الصحابة لأنه روى حديثا يناقض هذا الحديث وهو «لايدخل ممرض على مصح»، وهو صريح في العدوى، والحديث القاطع في هذا ما رواه عبد الرحمان بن عوف، وذكّر به عمر بن الخطاب وهو على أطراف الشام، وبها طاعون عمواس سنة 18ه، وهي قرية فلسطينية، فلم يأمر بأن يدخل جيشه، وقال: «نفرّ من قدر الله إلى قدر الله». وقد حققت رسالة النصيحة من مخطوط بالاسكوريال.
وهذا مبدأ عظيم وهو «الحجر الصحي»، ثم أخذ بهذا الأوروبيون في القرن الثامن عشر لما ظهر وباء بها وبالعالم، فقرروا مبدأ سموه «كرنتينا Quarantina»، وهو يدوم أربعين يوما.
وظهر في العالم الإسلامي من يفتي بعدم «الحجر الصحي»، لأن هذا قال به الكفار وحرّم بعضهم ذلك، فتصدى لهم أحد الجزائريين وهو محمد بن خوجة، وكتب رسالة في هذا الموضوع، وردّ على أمثال هؤلاء وقد طبعت هذه الرسالة في الجزائر وترجمت في استانبول إلى اللغة التركية وطبقت هنالك.
وكذلك القول في مسألة التلقيح ضد الجذري، احتار فيه بعض هؤلاء، فتصدّى لهم الشيخ محمد بن مصطفى بن الخوجة، وكتب رسالة في ذلك ونشرت في الجزائر، وترجمت إلى اللسان الفرنسي.
إن هؤلاء يريدون أن يجعلوا المسلمين مثل ما ذهبت إليه الكنيسة في القرون الماضية من تحريم علم الطب، والعلاج لأنه يجب الرضا بما أعطاه الله والصبر عليه لأنه عقاب منه، ويتصل بالخطيئة الموروثة، وأحرقت الكنيسة الذين أصيبوا بالوباء في روما، وكان التاريخ يحفل بالأطباء المسلمين واليهود، أما المسيحيون فلا نجد منهم من يشتغل بالطب، وأول مدرسة للطب أسسها اليهود في مونبيلييه بفرنسا.
ثم ترك الأوروبيون فتاوى الكنيسة، وأصبحوا متقدمين في علم الطب، ونحن اليوم في العالم الإسلامي نعتمد عليهم، وفقدنا البحوث والمخابر التي يمكن لها أن تشارك في علم الأوبئة، فلا نجد اليوم في العالم الإسلامي من أنتج لقاحا !!
إن هذه الظاهرة في الفتاوى ينبغي أن لا تغيّر الناس العاديين الذين ليس لهم علم بالشريعة ومقاصدها، فإن الإسلام شرع للناس الدواء والعلاج والوقاية، إذا ما أصيبوا بمرض من الأمراض، لأنه إذا هلك المريض فقد انعدم منه القيام بواجباته الدينية، فالحفاظ على النفس مقصد عظيم من مقاصد الشريعة لا غبار عليه، فهو كالحفاظ على الدين والعقل والمال والعِرض، فالعدوى أمر دلت عليه التجربة والحس والواقع، وتجنبها في الاجتماعات والصلوات والأسواق والأعراس، وما إلى ذلك أمر واجب كي لا ينتشر الوباء ويعم.
نسأل الله الهداية لهؤلاء الذين يتجرأون على الفتوى بدون علم، ولا رشاد، ولا سند علمي معروف، وإنما سندهم الجهل الواضح الفاضح.