البحث

التفاصيل

الصحة النفسية ثمرة من ثمرات الإيمان بالله

الرابط المختصر :

الصحة النفسية ثمرة من ثمرات الإيمان بالله

 الشيخ أحمد محي الدين نصار (عضو الاتحاد)

 

اليوم ومع انتشار الوباء الذي ملأ العالم خوفاً، ويهدد بانهيار الدول والأنطمة، وفي ظلّه أفلست شركات ومؤسسات وأفراد، وتعطلت الأعمال وانتشرت البطالة، تصبح المحافظة على الأمن النفسي أمراً ضرورياً لبقاء الأمن المجتمعي، وذلك للعلاقة الوثيقة بين انتشار الأمراض النفسية وبين انتشار الجريمة؛ كالسرقة والشجار والعنف والقتل... فالصحة النفسيّة وبخاصة في الأزمات العامة لا تقل في الأهمية عن الصحة الجسديّة والحاجات المعيشية، بل ربما تكون مقدمة عليها.

إن الصحة النفسيّة أو الأمن النفسي لا يتحقق ولا يكتمل ولا يستمر ولا تدفع عن الأفراد والمجتمعات الاضطرابات والأمراض النفسية وآثارها إلا بالاعتماد على الإيمان الديني أي الإيمان بالله سبحانه وتعالى واليوم الآخر وما يلحق ذلك من معتقدات وما يستلزمه من سلوكيات كركيزة أساسية، فعلم النفس والطب النفسي وحده لا يغني عن الإيمان الديني في هذا المضمار لأن الصحة النفسية ثمرة من ثمرات الإيمان.

لقد اعترف بهذه الحقيقة الكثير من الأطباء والعلماء الغربيين الذين أثبتوا بالتجارب المتكررة أن الإيمان بالله واليوم الآخر من أعظم الأدوية الفعالة في القضاء على الأمراض النفسية وما يترتب عليها من نتائج خطيرة، وسجلوا ذلك في بحوث ومقالات وكتب تدرّس في الجامعات، وأكد ذلك الكاتب المشهور "ديل كارنيجي" بقوله: (إن أطباء النفس يدركون أن الإيمان القوي والتمسك بالدين كفيلان بأن يقهرا القلق والتوتر النفسي وأن يساعدا على الشفاء من الامراض). ومن هؤلاء العلماء مثلا: الطبيب النفسي الأمريكي المشهور "هنري لنك" الذي قرر بقوله: (إن كل من يعتنق دينا أو يتردد على دار للعبادة يتمتع بشخصية أقوى وأفضل ممن لا دين له أو لا يزاول أية عبادة). وكذلك عالم النفس الأمريكي الفيلسوف "وليم جيمس" الذي قال: (إن أمواج المحيط المصطخبة المتقلبة لا تعكر قط هدوء القاع العميق، ولا تقلق أمنه، وكذلك المرء الذي عمق إيمانه بالله خليق بألا تعكر طمأنينته التقلبات السطحية المؤقتة، فالرجل المتدين حقاً عصي على القلق، محتفظ أبداً باتزانه، مستعد دائماً لمواجهة ما عسى أن تأتي به الأيام من صروف). وكذلك العالم والفيلسوف البريطاني "أرنولد توينبي" الذي قال: (الدين احدى الملكات الضرورية للطبيعة البشرية، وحسبنا أن نقول بأن افتقار الإنسان للدين يدفعه إلى اليأس الروحي).

إنّ حقيقة أن الصحة النفسية ثمرة من ثمرات الإيمان والتي قررها علماء وأطباء الغرب هي في الأساس عقيدة يعتنقها المسلمون، وهي مؤصلة في القرآن الكريم الذي وصف ما يُحدثه الإيمان بالله وقضائه وقدره واليوم الآخر من أمن وطمأنينة واستقرار في نفس المؤمن في آيات كثيرة، منها قوله سبحانه: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)، أي: الذين آمنوا بالله ولم يخلطوا إيمانهم هذا بعبادة أحد سواه، أو يشوّهوا إيمانهم بسلوكيات تناقض إيمانهم الديني، هؤلاء وحدهم هم الأحق بالطمأنينة، وهم المهتدون إلى طريق الحق والخير. وكذلك قوله جلّ في علاه: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ*الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ) حيث تؤكد الآية أن ذكر الله يورث الطمأنينة في القلوب، وهذا الذكر الممدوح من الله تعالى هو سلوك اعتقادي وعملي وهو شرط لتحقيق سعادة الدنيا والآخرة.

إن الإيمان لا يثمر ثمرته في وقاية الإنسان من الاضطرابات النفسية إلا إذا غمر الإنسان به قلبه، واسترشد به سلوكه، وهذا الفرق بين المتديّن بحق؛ المعتصم بدينه المستسلم لقضاء الله وقدره والساعي بما أمره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبين المتفلّت من ربقة التديّن وفطرة السجود لله رب العالمين. وإن من علامات هذ المؤمن؛ تكافله وتراحمه مع أبناء مجتمعه، كما قال النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، فهو يسعى بجهد بعد قيامه بالفرائض لإدخال السرور والبِشر على نفس كل إنسان أصابه البلاء والتعب والعناء وعواصف الأزمات والملمات، كما أرشدنا النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم)، وهو على بيّنة كيف يكون الإيمان وكيف يزداد بإحياء أخيه الإنسان وإنقاذه من الخوف والقلق والإضطراب والإنهزام النفسي التزاما بنهجه صلى الله عليه وسلم القائل: (إن من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على قلب المؤمن، وأن يفرِّج عنه غماً، أو يقضي عنه ديناً، أو يطعمه من جوع)، وقوله: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ)، وقوله: (من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).

فما أروع هؤلاء الصالحين ذوو النفوس الطاهرة الذين يسعون دوماً في تحقيق الأمن النفسي في مجتمعاتهم وإدخال السرور على إخوانهم، فيسألون عن أحوالهم ويسارعون في نجدة ملهوفهم، وحل مشكلاتهم مهما كلفهم ذلك تعباً في أجسادهم أو بذلاً من أموالهم أو شغلاً في أوقاتهم، رجاء بسمة سرور ورضا من هذا الحزين بعد زوال حزنه، فيُسرّونها في أنفسهم، ويكتنزونها في صالحات أعمالهم يوم اللقاء باللطيف الديّان، هؤلاء هم الذين يحدثون الفرق اليوم بين مجتمعاتنا ومجتمعات الغرب المتفككة الضائعة بالخوف والأنانية، فتأمل رحمك الله.

 

 


: الأوسمة



السابق
«نداءٌ علمائيٌّ عالميٌّ للإفراج عن العلماء والدعاة والمعتقلين»

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع