البحث

التفاصيل

معالجـات إسلاميــــة (المــوت … وَمُذَكِّــرات الآخـــرة)

الرابط المختصر :

بسم الله الرحمن الرحيم

معالجـات إسلاميــــة (المــوت … وَمُذَكِّــرات الآخـــرة)
بقلم الشيخ الدكتور/يوسف جمعة سلامة

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد – صلى الله عليه وسلم -، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن اقتفى أثرهم وسار على دربهم إلى يوم الدين، أما بعد:

أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَن الزُّهري قال: حدَّثني عُروةُ بنُ الزبير عن المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ أنه أخبره أنَّ عَمْرَو بنَ عَوْفٍ الأَنْصَارِيَّ -وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ،  فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بمَالٍ مِنْ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بقُدُومِ أَبي عُبَيْدَةَ فَوَافَقَتْ صَلاةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا صَلَّى بِهِمُ الْفَجْرَ انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ رَآهُمْ، وَقَالَ:” أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ، قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ : فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لاَ الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ).

هذا حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الجزيةِ والمُوَادَعَةِ، باب الجزيةِ والمُوَادَعَةِ معَ أهلِ الذمةِ والحرب.

من الجميل أن نتحدث عن الدار الآخرة، لأن بعض الناس قد تُسيطر عليهم الأمور الدنيوية فتنسيهم الدار الآخرة، وهذا الذي يخشاه علينا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: الدنيا ونعيمها وملذَّاتها، لذلك يجب علينا دائماً أن نتذكر  دار البقاء، فَعِشْ ما شِئْتَ يا أخي فإنك ميّت، وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فإنك مُفَارقه، واجمعْ من المال ما شِئْتَ، وارتقِ من المناصب ما شِئْتَ، لكنْ إيَّاك أن تنسى بأنّ سهمَ الموت لك مُلاحِق، كما في قوله تعالى:{أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ}، وكما جاء في قوله سبحانه وتعالى أيضا:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}، وها هو رسولنا -صلى الله عليه وسلم – يُذَكّرنا بالموت قائلاً:( إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَصْدَأُ، كَمَا يَصْدَأُ الْحَدِيدُ إِذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا جِلاؤُهَا؟ قَالَ: كَثْرَةُ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَتِلاوَةُ الْقُرْآنِ).

 

الإكثار من ذكر الموت

أخرج الإمام ابن ماجه في سننه عَن ابْنِ عُمَرَ  أَنَّهُ قَالَ:( كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِن الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أفضلُ؟ قَالَ : أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا، أُولَئِكَ الأَكْيَاسُ (.

يوصينا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الحديث السابق بالإكثار من ذكر الموت، لأن ذكر الموت حياةٌ للقلوب فإنه يلين القلوب القاسية، ويحول بينها وبين الوقوع في المعصية، ويُعين الإنسان على نوائب الدهر ومصائب الدنيا، ويحجز الظالم عن ظلمه، ويردّ الغافل عن غفلته، فهو حياة للقلوب.

كما نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن تمني الموت لِضُرٍّ دنيوي ينزل بالإنسان، كخسارة مادية، أو مرض، أو أمرٍ من أمور الحياة الدنيا، كما جاء في الحديث الشريف عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:( لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُم الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي).

وقد كان من دعاء نبينا – صلى الله عليه وسلم -:( اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ).

وهكذا المسلم يُحبّ الحياة، لاَ لأَجلِ المعاصي والآثام، وإنما ليزرع الخير، ويعمل المعروف، ويتقرب إلى الله تبارك وتعالى، ويزداد من فعل الخير والبر.

مُذكِّــرات الآخــــرة

من المعلوم أن ديننا الإسلامي الحنيف جعل لنا أمورًا نَعُودُ بها إلى جادَّة الصواب في وسط هذه الغفلات، ووسط هذا الجري وراء المادة،  ووسط هذا اللهو والغفلة عن ذكر الله سبحانه وتعالى، ومن هذه المذكِّرات التي تُذكّرنا بالآخرة:

أ- زيارة القبور:

ورد في فضل زيارة القبور أحاديث عديدة، منها:

* عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن  رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  قال:(كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوها؛ فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا، وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ).

* وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – 🙁 إِنِّي نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوها؛ فَإِنَّ فِيْهَا عِبْرَةً).

ب- تشييع الجنائز:

ورد في فضل تشييع الجنائز أحاديث عديدة، منها:

* عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – 🙁 مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ“، قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟، قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ)  وفي رواية:( أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ).

 ج- زيارة المريض:

لقد جعل الإسلام زيارة المريض حقًّا للمسلم على أخيه المسلم وواجباً يقوم به تجاه إخوانه، ومن المعلوم أن زيارة المريض تُؤلف بين القلوب، وتترك أثراً طيباً في النفوس، وتزرع المحبة بين المسلمين، كما أنها تُذَكِّر الإنسان بالآخرة، لذلك جاءت الأحاديث الشريفة تحثّ عليها، ومنها:

* عن أبي سعيد الخُدري –رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-:( عُودُوا الْمَرِيضَ، وَاتَّبِعُوا الْجَنَازَةَ، تُذَكِّرُكُمُ الآخِرَةَ).

* وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – 🙁 مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ، نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً).

* وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:” مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا، قَالَ: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا، قَالَ: فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا، قَالَ: فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ“.

د- النظر إلى أحوال الفقراء والمساكين :

ومما يجعل الإنسان سعيدًا تَذَكّره لِلْجنّة، فمهما أصابك في الدنيا من فقرٍ أو مرض أو غير ذلك، فإن صبرتَ عليه وعملتَ صالحًا فموعدك الجنة، كما قال تعالى:{سَلاَمٌ عَلَيْكُم بمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}.

لذلك يجب على الإنسان أن ينظرَ إلى من هو أفقر منه، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ).

ومما يلين القلب ما ثبت عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رجلاً شكا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قسوة قلبه، فقال:( امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ).

أخي القارئ: إن راحة المؤمن تكون في الجنة، فلا راحةَ لَهُ قبلها، فقد سُئل الإمام الجليل أحمد بن حنبل–رحمه الله- متى الراحة؟ قال: إذا وَضَعْتَ قَدَمَكَ في الجنّة ارتحتَ.

نسأل الله أن يجعلنا جميعًا من أهل الجنة … اللهم آمين يا رب العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .


: الأوسمة



التالي
“شقاء البشرية وخلاصها"
السابق
المقياس المعتبر في الزواج

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع