البحث

التفاصيل

الثورة السورية مهددة من الداخل!

الرابط المختصر :

تقترب الثورة السورية من عامها الثالث وما زالت غير قادرة على الوصول إلى محطتها الأخيرة، ومازالت عاجزة عن الإطاحة بالطاغية بشار وإسقاط نظامه، وتأسيس نظام سياسي ديمقراطي مفتوح، يحقق آمال وأماني الشعب السوري، الذي دفع لذلك فاتورة لم يدفعها شعب آخر.

وهناك أسباب واضحة يعلمها الثوار السوريون، تحول دون نجاح الثورة ووصولها إلى محطة النجاح النهائية، ويمكن الحديث في هذا الشأن عن أسباب داخلية تتعلق بالتنازع السياسي وعدم الوفاق والاتفاق على رؤية موحدة وأهداف مشتركة لفصائل المعارضة السياسية، فالجميع يعلم حجم الخلافات منذ اليوم الأول بين الفريقين الرئيسيين في المعارضة آنذاك: المجلس الوطني وهيئة التنسيق الوطني، ولم تتوقف الفرقة والتنازع عند هذا الحد بل تعمق التشتت والتفرق بظهور أسماء جديدة ومتزايدة من الفصائل المعارضة، لكل منها توجهها وأفكارها وبرنامجها الخاص بها، في نفس الوقت الذي يجهل السوريون حقيقة الأدوار الثورية التي تؤديها الكثير من هذه الجهات والفصائل.

وإذا كان الكثير من السوريين قد راهنوا إيجابيًا على تشكيل الائتلاف السوري المعارض، إلا إن المؤكد أن تشكيل هذا الائتلاف كان رغبة وقرارا دوليا أكثر منه قرارا سوريا، ولذلك فإن الائتلاف لم يتمكن من تحقيق هدفه الرئيسي وهو توحيد المعارضة وتجميع جهودها، وهذا أمر متوقع، إذ أن العالم الخارجي له توجهاته وأهدافه المختلفة التي آخر شيء فيها هو العمل على إنجاح ثورة الشعب السوري.

في الثورات الكبرى في التاريخ الإنساني، وكذلك في الثورات الصعبة التي تتطلب سنوات طويلة لإدراك النجاح، يكون التشتت والتنازع بين الفصائل والاتجاهات الثورية واردًا، لكن في نفس الوقت يكون هناك جسد رئيسي للثورة، يجمع أكبر عدد ممكن من فصائلها وتياراتها، وهو ما لم يتحقق في حالة الثورة السورية التاريخية، إذ لم ينجح الائتلاف الوطني في أن يكون هو العمود الأساسي للثورة، الذي تلتف حوله الفصائل والتيارات الثورية، ولو كان قد نجح في ذلك، واكتسب شرعية الحديث باسم الثورة وباسم الشعب السوري كله، باعتباره معبرًا عن غالبية الفصائل السياسية الثورية، لتمكن من الحصول على الشرعية الدولية، كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري.

ولعل من أسباب فشل الائتلاف الوطني السوري في كل ما ذكرناه، أنه لم يتوفر على قيادات لديها القدرة إقناع فصائل الثورة السورية بإستراتيجية سياسية وعسكرية واضحة ومتفق عليها. وقد نتج عن هذا الفشل للائتلاف الوطني أن الفصائل السياسية للثورة السورية أصبحت كثيرة ومتنافرة يعمل كل منها في اتجاه منفصل عن الآخر وبرؤية مختلفة عن الآخرين، وهو ما أدى إلى الفشل الأكبر وهو فقدان السيطرة للمعارضة السياسية على التشكيلات العسكرية التي تعمل على الأرض وتواجه جيش وقوات بشار بإمكاناتها البسيطة.

وإذا كان النجاح يؤدي إلى نجاح فإن الفشل يؤدي إلى فشل، وهو ما يظهر أمام العالم كله في اختلاف فصائل الثورة السورية السياسية حول حضور مؤتمر جنيف2 من عدمه، والخطورة المستقبلية لذلك هو أن فصائل المعارضة لن تكون قادرة على تنفيذ أي اتفاق تصل إليه في أية مفاوضات مع نظام بشار برعاية دولية، لأنها لا تمتلك السيطرة على من يحملون السلاح على الأرض.

وإذا جئنا إلا الجناح العسكري للثورة السورية فسوف نجد تشتت وتنازع أكبر من الاختلاف السياسي، فهناك فصائل متعددة بين ليبرالية ويسارية وإسلامية معتدلة وإسلامية متشددة، تحمل السلاح وتحارب جيش وقوات بشار، وكل فصيل من هذه الفصائل له الأرض التي يعمل عليها، ويغيب تمامًا عن الساحة ذلك الجناح العسكري الأكبر والأهم الذي يمكن اعتباره هو القوة الأساسية الضاربة للثورة، وبالتالي يمكن إقامة التحالفات معه، وهكذا فشلت الثورة السورية بأن يكون لها قوة عسكرية هي الأهم والأكثر سيطرة والتي تستطيع ضبط القرار العسكري والتحكم فيه.

إلا إن الأخطر هو دخول الفصائل العسكرية للثورة في نزاع واقتتال فيما بينها، مما يعني تشتت القوة، وهو ما يعطي لجيش يشار وفواته الفرصة في هزيمة مختلف الفصائل والتشكيلات، وفي هذا الخصوص يجب الوقف عند تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" وممارساته التي استهجنها جميع السوريون، لأنها صبت في النهاية في صالح نظام بشار، فهي تقتل المواطنين السوريين العاديين بسبب أمور بسيطة، بينما تتقاعس عن قتال الطاغوت الأكبر، الذي تلطخت يداه بدم عشرات الآلاف من السوريين، والذي دمر مدن وقرى سوريا.

وهكذا أصبح في الفصائل العسكرية للثورة السورية من يستخدم قوته للسطو على أموال الناس، وينهب ممتلكاتهم، في الوقت الذي يعاني فيه الناس من ضائقة مالية ومصاعب حياتية غير مسبوقة، وفي هذا خطأ فاحش وخروج عن المفاهيم الإسلامية وعن الشريعة الغراء وعن فقه الأولويات. إن مما يؤسف له أن بعض الفصائل المسلحة المنتمية إلى الثورة وإلى الفكرة الإسلامية، تحاول فرض بعض الأجندات الاجتماعية والدينية على الناس في المناطق المحررة، واتخاذ بعض القرارات غير المتفق عليها باسم تطبيق الشريعة، مع أن تطبيق الشريعة أوسع من ذلك بكثير ويحتاج إلى اجتهاد المجتهدين الكبار في الأمة، كما يحتاج إلى العفو والتسامح، خاصة في مثل الظروف التي تمر بها الأمة السورية حاليًا.

لقد باتت تصرفات الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" لا تحتمل بالنسبة لغالبية الفصائل السورية المسلحة، لا سيما محاولات الاستحواذ على المناطق الحدودية، ما يقطع الممرات اللوجستية لمقاتلي المعارضة. ومن المعروف أن العديد من المجموعات السورية المسلحة أرادت منذ فترة طويلة التحرك ضد "داعش"، إلا إنها كانت تواجه بممانعة "حركة أحرار الشام"، التي كانت تتعاون بشكل وثيق مع "داعش".

وهكذا أصبحت "داعش"، حجر عثرة أمام الجيش الحر لتحقيق النصر، وحسم المعارك ضد نظام بشار، فممارسات "داعش" شقت صف المعارضة السورية المسلحة، وشتتت إمكانات وجهود الجيش الحر، في محاور الصراع، وفتحت جبهات جديدة ضد الجيش الحر، وعرقلت التقدم الملحوظ الذي حققته المعارضة السورية، خلال الشهور الماضية.

وهناك علامات استفهام كبيرة حول "داعش"، وهدفها من الدخول عبر بوابة الصراع السوري، ورغبتها في الاستئثار بالمناطق، وتوسيع نفوذها في سوريا عبر الحدود مع العراق. ممارسات "داعش" التي ساهمت في إضعاف المعارضة السورية، تؤكد أن الأهداف الإستراتيجية للقتال، مختلفة تمام الاختلاف بينها وبين فصائل المعارضة السورية، ففصائل المعارضة تسعى لتحقيق للانتصار وهزيمة بشار، وبناء دولة سوريا الجديدة، بينما يتركز هدف "داعش" الأساس على بناء دولته عبر الحدود مع العراق، وتوسيع نفوذه، والاستئثار بمناطق القتال، لا يهمه سقط بشار أم لا


: الأوسمة



التالي
87 قتيلا بالعراق والمالكي يدعو لدعم عمليته بالأنبار
السابق
اتهامات للحوثيين بمحاصرة وحدات الجيش بصعدة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع