البحث

التفاصيل

«إنسانية» الشيخ القرضاوي!

الرابط المختصر :

«يكفي تركيا شرفاً وفخراً في عالم اليوم إنها استضافت المهاجرين والمشردين والمستضعفين في الأرض، وجعل الله لها سلطانها، الذي يعرفه الناس باسم رجب «الطيب» أردوغان، رئيس الجمهورية التركية، الرجل الذي تحمل ما تحمل من أجل بقاء هؤلاء المَطرودين على هذه الأرض وتحت هذه السماء!».

 

أين المتعلقون بطرف هدب، وعين الإنسانية، أولئك الذين يجرونها من طرف ردائها كيلا تتقدم إلى الأمام؟

 

أين الذين لا همّ لهم سوى «خزي» إخوة لهم في البشرية، وتصنيع السلاح الذي يتم قتله به؟ أين الذين يلقون بالقمح والغذاء في البحار والمحيطات كيلا يصل إلى المُعوزين والجياع في العالم بخاصة في مناطق الحروب والمجاعات؟

 

أين مهربو الملايين إلى بنوك سويسرا وأوربا؟ وهم متأكدون في أنهم لن سيتمتعو بهذه الأموال أو حتى يرونها ثانية..فقط يحرمون الفقراء والمحتاجين من شعوبهم منها؟

 

أين الجبابرة الذين أبادوا مئات الآلاف بخاصة من المسلمين، دون ذنب أو جريرة سوى رغبتهم في الحفاظ على متعة خاصة بهم أو بنسائهم أو حتى صغارهم الذين جاؤواا إلى الحياة أو الذين لن يجيئوا؟

 

أين كل إنسان افتقد من البشرية حتى مجرد أن يليق به لقب «إنسان» فقط؟

 

وأين المنافقون وتجار الحروب والمُندسون، بعناية، وسط الشرفاء والثوار المُطاردين لكي يأكلوا على حسابهم ويسرقوا مال التبرعات القادم إليهم؟ ويفعلوا المُوبقات بها ثم يجرجرون طرف رداء الإنسانية إلى الخلف لما يتسموا بالباطل بها؟!

 

أين كل هؤلاء ليروا الشيخ الذي بلغ التسعين، ولم يستطع صعود الدرج السلم الخاص بقاعة احتفال مهرجان «شكراً تركيا» خلال افتتاحه الجمعة الماضية، فجلس أسفل السُّلم ليبكي على حال المُسلمين المهاجرين من بيوتهم، وقد تهدمت، على المُتنازلين عن حرماتهم وبلاد ولدوا وتربوا وترعروا فيها لمجرد انهم قالوا كلمة حق في وجه حاكم مفترٍ ظالم؟

 

تلك الدموع أسرت صاحب هذه الكلمات، وسافرتْ به حتى بعيد، إلى زمن بساطة الحياة ونقائها، وازدياد المعنويات في قلوب الناس، وحضور بل ألق الإيمان في النفوس وبهائه من ، قبل، لدى الأرواح، الدموع سافرتْ بي إلى زمن التابعين وتابع التابعين، يا «فضيلة الشيخ» لو أن في الناس، المفترض أنهم شرفاء، رحمة ببعضهم البعض لقبلوا جميعاً برأيك في رأب الصدع وإزالة الخلاف، أولئك المُعلن في 25 من يناير الماضي..والمعروف والمستمر حتى اليوم، وما من داع لذكره هنا!

 

أما عن معرفتي الشخصية بالشيخ فقليلة، وإن كانت دالة، روى لي صديقي الدكتور «نبيل فولي»، الأستاذ بالجامعة الإسلامية بباكستان إنه ألتقى الشيخ للمرة الأولى، فسأل كل الأساتذة عن أسمائهم وأسماء أبنائهم بما فيهم هو، وأخبرهم أن السبب إنه يسير على خطا الراحل الإمام حسن البنا،رحمه الله في حفظ أسماء الناس الذين يلتقي بهم، وفي الزيارة التالية بعد عامين سأل كل واحد منهم عن اسمه واسم أهله.. كأنه ألتقى بهم منذ ثوانٍ لا منذ عامين!

 

ثم شاء الله تعالى أن ألتقيه وجهاً لوجه في دورة مجلس الفتوى لعلماء اوربا قبل الأخيرة بتركيا، وكان العلماء يتناقشون في مسودة للفتاوى الختامية، وكنتُ أتابع الجلسة من مقاعد خلفية بصفتي مُحب للقاء وللعلماء، وبصفتي صاحب رأي، وراعني أن قال الشيخ، حفظه الله:

 

ـ المسودات هذه ليست للنشر، نحن أُبتلينا بصحفيين في الدورة الأخيرة، يقصد قبل دورتين، خرجوا بالمداولات إلى العلن، وهذا لم يكن يجوز!

 

ولم يلتفتْ الشيخ ليسأل عن صحفيين حاضرين أو غير العلماء، وإن نوّه بلطف وانتهى الأمر..

 

السنة الماضية دعيتُ، بشكل خاص، إلى مؤتمر آخر لعلماء الدين في دورة أولى، وحدث خلاف في الرأي بيني وبين أحد العلماء لسوء فهم ما من أحد الطرفين، وتدخل الشيخ الفاضل الموريتاني "الشيخ محمد الحسن ولد ددو"، فوضح الامر للطرفين، وكان قد ألتبس على عالم دين شهير وآخر، وتداعى لنجدتهم آخرين، ولأن المجالس بالأمانات، وقد طُلبَ مني ألا أروي ما حدث فقد فعلتُ بعدما بيّنتُ أن حضور مثلي كصاحب راي واجب، لكني علمتُ في اليوم التالي بمنع حضور غير العلماء للجلسات فيما عدا النهائية فترحمتُ على أدب وليّن وحزم الشيخ القرضاوي!

 

أما غيّرة الشيخ القرضاوي على الدين والحُرمات ولماحيته وهو في هذه السن فحدث ولاحرج، في المرة الأولى التي رأيتُه فيها تحدث عن جهاد وكفاح المرأة المصرية والعربية بما اثلج الصدر، وفي شكراً تركيا تحدث عن دفاع «السلاجقة» عن العالم الإسلامي، وهم اصل الدولة التركية الحالية، ثم عرّج على مسلمي العالم اليوم فقال:

 

ـ مليار وسبعة من عشرة، وكنا في المدرسة الإلزامية نحفظ عددهم بخمسة عشر مليوناً!

 

ولد الشيخ القرضاوي في 9 من سبتمبر 1929م، بقرية «صفط تراب» بالمحلة الكبرى بمديرية الغربية آنذاك.

 

وصاحب هذه الكلمات يُغادر القاعة بعد كلمة الإمام القرضاوي تذكرت حكاية أبي نصر الصياد» الذي أبدع في روايتها الراحل مصطفى صادق الرافعي» في كتابه «وحي القلم الجزء الثالث»، وكان «الصياد» لا يجد قوتاً ولقيه جائع فأخذه ليصيدا فخرجت سمكة كبيرة، فباعها واشترى بثمنها حلوى للفقير، وهو في الطريق لقيته امرأة تتلوى ومعها يتمتين فأعطاهما طعام أولاده وزوجته قائلاً:

ـ لو طعمنا هذه ما خرجت السمكة!

 

وبعد حين قصير اغتنى، وقامت القيامة، وسأله رب العباد عما قدم، وجاءت صحفه، فلم يكن بها ما يدخله الجنة، وأيقن بدخوله النار، لكن رب العزة استبقاه، فقد بقيت له دموع اليتمتين والمرأة أمها لما اعطاهما الحلوى، تلك الدموع طاشت بالسيئات ووزنتْ الحسنات وزادت ودخل الجنة!

 

طبعاً قامت القيامة لدى «أبي نصر الصياد» في المنام.

 

ولعل دموع الشيخ الإمام علامة عصره في «استطنبول» الجمعة الماضية للمهاجرين والمشردين المسلمين في تركيا تكون عوناً لهم على أمر دنياهم، وعوناً له على أمر آخرته، أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية وحفظه لنا ولمحبيّه!

 


: الأوسمة



التالي
حملة رسالة
السابق
يا حلب إن القلب يذوب من كمد

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع