البحث

التفاصيل

العودة ينتقد التعصب القبلي وإهمال "البدون" والتشدد في منح الجنسيات والتوظيف للأقارب

الرابط المختصر :

-        لا بد من خطط مبنية على الوضوح والإقناع ومجرد الوعود لا تكفي

-        حينما تعجز عن إثبات وجودك فهذه كارثة ويمكن التدرج في منح الهوية

-        "الطبقية" عنوان التخلف.. وربحك لا يلزم أن يكون بخسارة الآخرين

-        الإقصاء يولد مخاطر أمنية وتهميش الآخرين يمثل قنبلة موقوتة

-        فرق بين الانتماء وبين أن تتحول القبيلة إلى طعن في الآخرين أو فخر مفرط

-        حل مشكلة الطائفية ينبغي أن يكون جذريا ومجرد الصور ليست دليلا على التسامح

-        مفهوم البادية والحضر موجود حتى الآن والخطورة في تحوّلها إلى صراع وتفاخر

-        "القبيلة" ليست معياراً للاستبداد ومفهوم "الشورى" قائم لديها كأساس للطاعة والانسجام

-        جميل أن تصبح القبيلة مؤسسة اجتماعية والخطورة تكمن في الانتماء المفرط والتعصب

انتقد الدكتور سلمان بن فهد العودة، الأمين العام المساعد لاتحاد العلماء المسلمين، التشدد في وضع "البدون" وتركهم بلا هوية ، معتبرا أنها أوضاع إنسانية يجب أن تصحح من خلال السعي في منح الجنسيات ولو بشكل تدريجي، إضافة إلى ضرورة معالجة الشرخ الطبقي والتعصب المرفوض بشكل حاسم ومدروس.

وشدد ـ خلال حلقة من برنامج "ميلاد" والتي جاءت بعنوان "بدون" ـ على ضرورة أن تكون هناك خطط جاهزة وصادقة مبنية على الشفافية والوضوح والإقناع؛ لأنه لا يمكن أن تغيير واقع الناس دون إقتاعهم، مشيراً إلى أن الحصول على الجنسية يمكن أن يكون بشكل تدريجي، وفي بعض البلاد يحصل الإنسان على بطاقة تمكنه من المشاركة في الانتخابات بعد فترة معينة. وأضاف: "المهم أن يعرف الإنسان أن هناك طريقاً ولو بعد حين، لأنه لا شيء يقتل الإنسان مثل شعوره بأن الأفق مسدود".

وتابع: " حتى لو افترضنا أنهم أتوا بإقامة غير شرعية، فإنهم قدموا منذ عشرات السنين ، وربما مات الآباء وبقي الأبناء والأسر"، مشيرا إلى أن كثيرا من الناس قد يُحكم عليه بمغادرة البلد الذي ولد فيه ولا يعرف غيره بل لا يجيد  إلا اللغة المحلية التي يتكلم بها.

قنبلة موقوتة

وأشار فضيلته إلى أنه "إذا كان العدد قليلا فهو أدعى إلى الحل، وإذا كان العدد كبيراً فمعناه أن المشكلة مزمنة وتتطلب معالجة جذرية، محذراً من مخاطر أمنية مثلما نشاهد ما يجري ـ مثلاً ـ في ضواحي باريس أو غيرها، إضافة إلى ما يمكن أن يحدث من وجود بؤر أو أماكن بعيدة عن التنظيم والخدمات تمثل قنبلة موقوتة".

معالجة حقيقية

كما شدد د. العودة على ضرورة معالجة قضية الطبقية، في التعامل مع "البدون" وليس النظر إليهم على أنهم طارئون أو غرباء، أو قادمون من وراء البحار، أو أنهم ـ أحياناً ـ عون للأعداء، مشيرا إلى ضرورة أن تكون هناك خطط واضحة وتعامل إيجابي واستثمار لنعم الله -سبحانه وتعالى- قال: (رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ)، وبالشكر تدوم النعم، من خلال مراقبة الأقربين إلينا، بحيث لا يقع عليهم ظلم أو ضيم، فما يتعلق بالتعليم أو الصحة أو المراجعة في الدوائر الحكومية.

وأضاف أنه "حينما تعجز عن أن تثبت وجودك فهذه كارثة، ولذلك فالوعود الجميلة أو النوايا الحسنة وحدها لا تكفي"، مشددا على ضرورة أن تكون هناك حلول جذرية تتداعي إليها كل الدوائر الحكومية بحيث لا تكون حلولاً تقليدية.

توظيف الأقارب

وحذر  د. العودة من أن تتحول مؤسسات الدولة إلى نواحي قبلية أو مناطقية بمعنى أن يتم توظيف الأقارب بناء على الخلفيات القبلية، حتى وإن توفر عنصر الكفاءة، مشيرا إلى أن هذا الأمر ينطبق أيضا على المدينة كأن يسعى المسئول لتوظيف الشباب من نفس المدينة التي هو فيها، متسائلاً: لماذا لا يكون هناك تنوع فسيفسائي يعبر عن جميع الأطياف والطوائف؟. وشدد على ضرورة أن تكون هناك معالجة جريئة إعلامية و إدارية لمثل هذه الأشياء.

مؤسسة القبيلة

وأضاف د. العودة إلى أن القبيلة يمكن أن تكون مؤسسة اجتماعية؛ في التواصل، والإيثار، والدعم، والإسناد، والتعارف بين أفراد القبيلة، في الملمات، والمشاريع التنموية والبناء، والإصلاح، مشيرا إلى أن هناك " مبرات الآن موجودة في الكويت لعدد من القبائل، مثل "الرشايدة" و"العوازم" و"مطير" وغيرها من القبائل لمساعدة الفقير والمحتاج وتزويج الشباب.

وفي الوقت ذاته، حذر د. العودة من خطورة تطوّر هذا الأمر إلى أن يصبح نوعاً من البناء القبلي، بحيث تطغى القبيلة على أي انتماء آخر، أو أن يكون هناك حالة انتماء مفرط لهذه القبيلة أو التعصب لها، خاصة وأن  الاجتماعات لا تخلو من ذكر الأنساب وتاريخ الأجداد، والافتخار  بالأشعار والقصص وغير ذلك، مما يفرز سلبيات الانتماء للقبيلة بدلاً من الانتماء للجغرافيا، الانتماء المبني على النسب بدلاً من الانتماء المبني على التعاقد ما بينهم من الناحية الوطنية أو المدنية.

وأشار فضيلته، إلى أن الانتماء للقبيلة ليس مما يعاب الإنسان عليه، ولكن فرق بين هذا وبين أن تتحول القبيلة إلى طعن في الآخرين، أو فخر مفرط، أو تعالٍ وإحساس بالتفوق،و النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول (كلكم لآدم وآدم من تراب)، ونهى عن الفخر بالآباء والأجداد، وقال لأبي ذر: « إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ » حينما عيَّر بلال وقال له "يا ابن السوداء"، حتى وضع أبو ذر -رضي الله عنه- خده في التراب وأمر بلالاً أن يطأ عليه حتى تخرج منه هذه الجاهلية.

عصبيات

وقال الشيخ سلمان: " إنه ومن معايشة شخصية كثيراً ما أجلس مع أناس ربما يكونون مثقفين وأساتذة جامعات أو طلبة علم، يمارسون ما يمارسه العوام، فقط أحياناً يضيفون كلمة "فلان عبد وكلنا عبيد لله"، وهو التعبير الذي يخرج عن كونه خداعا للنفس؛ لأنها كلمة لا تغير من الإحساس الداخلي الموجود باستنقاص فلان،بالرغم من أن الاستنقاص في حد ذاته، جريمة، وقوانين العالم كلها تجرم الازدراء بكافة أشكاله، مشيرا إلى قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: « أَرْبَعٌ فِى أُمَّتِى مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ، الْفَخْرُ فِى الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِى الأَنْسَابِ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ ».

واعتبر أن مثل هذه العصبيات موجودة وقائمة منذ القدم، لكن بدلاً من أن نسعى إلى مطاردتها وحصارها ومحاولة ترسيخ انتماء بديل وصادق عنها، فإن هناك نوعا من غض الطرف عنها أو الصمت، ثم توظيفها، إلى أن تكبر فنشعر حينها بالخطر ونسعى إلى تقليصها، مشيرا إلى أن هذا الأمر يحدث حتى في الانتماءات الطائفية التي تدفعه لدعم جهة معينة ، ثم بعد فترة يشعر بأن هذه الجهة تشكل خطراً فلابد أن يقلّم أظافرها من خلال دعم الخصوم، فعملية "فرق تسد" كما يقال هذه من العمليات الخطيرة.

تخلّف

وأشار إلى أنه أصبح بالإمكان الآن جيداً أن تشعر بأن ربحك لا يلزم أن يكون من خسارة الآخرين، وإنما يمكن أن تكون أنت رابحاً ويكون الآخرون رابحين أيضاً، مشيرا إلى أن الطبقية هي إحدى رموز التخلف؛ التي تؤثر على التنمية حتى أن أحد الكتاب الغربيين يقو: إن كيلو متر مربع واحد في الهند يمكن أن يُطعم أكثر من مائة وست وثمانين شخصاً من المزروعات، بينما هذا الكيلو متر المربع الواحد في إفريقيا الاستوائية التي منّ الله تعالى عليها بالخصب والخير والمطر والأنهار وغيرها لا يمكن أن يطعم أكثر من أربعة أفراد.

تعميم مرفوض

واعتبر د. العودة أن التعميم أيضا يعد من العادات الثقافية الرديئة، مشيراً إلى أن تعميم الأحكام على شعب بأكمله من خلال شخص واحد خطأ كبير، معتبرا أنها ثقافة موروثة، حتى وإن خرجت بشكل "ممازحة" لأن المزاح له قاعدة داخل النفوس.

وقال: "أذكر أنه حينما تكون هناك أزمات أو كوارث في بعض البلاد سرعان ما نصفها بـ"العقوبة الإلهية" بسبب "كيت وكيت"، بينما هذا أمر من عند الله -سبحانه وتعالى- وهذه من آيات الله ومن الغيب، وهي توجب اليقظة والحذر عند الإنسان سواء كان ممن أصيبوا أو ممن سمعوا عن ذلك (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً)، مشيرا إلى أن المبالغة في قضية البادية والحاضرة، يعني واضحة جداً في مجتمعاتنا بحيث يصف البدو الحضرباـ"الرخويين"، ويصف الحضر البدو بـ"السلب والنهب".

ثقافة

وأضاف: "هذه ثقافة ولغة يجب أن تتوقف، ولا بد من معالجة مثل هذه القضية في التعليم والإعلام، مشيرا إلى أن القصة يجب ألا تكون مجرد صور مثل الولايات المتحدة، في تصويرها لقضية البيض والسود وكأن مجرد التصوير حل للمشكلة ـ ، إضافة إلى ما يحدث في مصر من تصوير ـ مثلاً ـ مجموعة من الأقباط يقومون بحماية المسلمين خلال مظاهرات التحرير أو حراستهم ـ وهو أمر جميل بلا شك ـ ولكن لا يجب تصور أن هذا معناه حل مشكلة الجانب الطبقي أو جانب الاختلاف.

لا مجال للتفضيل

وحول قضية العصبية المتعلقة بالبادية والحضر، أكد د. العودة أنه لا مجال للتفضيل بين الحضر والبادية، لأن البادية تتضمن قيما وأخلاقيات وكرما وشجاعة واستعدادا للدفاع عن النفس، والحاضرة أيضاً فيها قيم تتعلق بالانضباط والنظام والترتيب وما أشبه ذلك من المعاني الأخرى، ولذلك ليس هناك مجال في الواقع للتعيير، مشيرا إلى أن هناك علماء وصفوا البدو بأنهم الأفضل من الحضر من جهة أنهم أقرب إلى الفطرة والسلامة والبراءة الأصلية والقابلية للخير والاستقامة، وآخرون يرون الحاضرة أفضل لأنها مراكز للتعليم  والمعرفة.

وقال: "كلا المفهومين موجود الآن، ولا نستطيع القول بأن البادية انتهت أو أن هذه المصطلحات يجب أن تتوقف، وإنما هي موجودة غير أن الخطورة هنا تتعلق بعملية التعيير أو الصراع"، مشيرا إلى أنه من أخطر الأشياء توظيف القيم الأخلاقية والدينية ـ حتى ولو كان مزاحاً ـ لحالة صراع، لأن المزاح يعبر عن ثقافة وتاريخ وأحاسيس، معينة في اللاوعي.

وقال: "يجب أن نكون بمعزل وبمنأى عن توظيف النصوص الشرعية في عملية المنافرة والمغايرة ما بين حضري وبدوي وفي اللغة والثقافة، كما ينبغي أن نرتقي ونتسامى وأن نشعر أن وجودنا في بيئة جغرافية واحدة وقبل ذلك تحت مظلة شريعة ربانية، قال الله -سبحانه وتعالى- فيها: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا).

تكامل

ولفت الشيخ سلمان، إلى أن هناك علاقة تكامل ما بين المدينة والقبيلة أو المدينة والصحراء،بحيث تجد أهل الصحراء بحاجة إلى المدينة في أشياء كثيرة، وكثير من التجار وأصحاب المحلات لهم علاقات واسعة جداً مع طيف متعدد ممن أهل الصحراء، مضيفاً، "كانت المدينة والصحراء تتناوبان المهمات، بمعنى أن أجمل الأشياء التي كان يتهاداها رجال المدينة فيما بينهم هو الكمأ الذي ينبت في الصحراء، ويُباع بأغلى الأثمان، وهو ما تجده في المغرب والخليج ودول أخرى، مشيراً إلى أنّ أهل المدينة يحتاجون إلى الصحراء في رعي إبلهم وغنمهم وأحياناً يرسلون أبناءهم من أجل أن يتعلموا الفروسية ويتعلموا الشجاعة ويتربوا على جو صحي.

واعتبر د. العودة أنّ المدن الساحلية بحكم البحر والتواصل مع الناس أكثر استعداداً للتنوع، وتعلم الثقافات، إضافة إلى ما تتمتع به من رخاء، مشيرا إلى أن الانفتاح الإعلامي الواسع أثر كثيرا في التقريب ما بين هذه الثقافات المتعددة.

خصائص

وأشار إلى أن من خصائص المدينة هو اتكاؤها على الحامية وعلى الحكومة التي تسوسها، ولذلك أهل المدينة يميلون إلى الهدوء والانضباط والاستقرار بشكل أوضح، بينما أهل البادية يعتمدون أكثر على أنفسهم وعندهم كم من الشجاعة والحذر واليقظة والتنبه لكل الأشياء والأمور الطارئة.

وقال: إن "كثيراً ما يطلق على البادية لفظ "ثقافة الصحراء"، على اعتبار أن قابليتها للتغيير ، أو للتنظيم، والأشياء المستجدة، لأنها بطبيعتها تميل إلى الديمومة وتوارث ما كان عليه الآباء والأجداد في الغالب"، مشيراً إلى أنه ـ وعلى الجانب الآخر ـ  "يجب مراعاة أن هذه الثقافة فيها الكثير من المروءة والشهامة والوفاء".

وأَضاف أن "الشورى من عادات القبيلة حتى أنّ الرحالة الغربيين تكلموا عن عدد من القبائل العربية بالذات في الشمال "الرولهة"، وكيف أن شيخهم لا يبرم أمراً إلا بعد استشارة الناس"، مشيرا إلى أن البعض يظن القبيلة معيارا للاستبداد، في حين أن نظام الشورى قائم ومعمول به كأساس للطاعة وانسجام المجموعة.

يشار إلى أن برنامج "ميلاد" للشيخ العودة يعرض في ثلاثين حلقة طيلة شهر رمضان المبارك عبر شاشات ثماني قنوات عربية هي: "روتانا خليجية والرسالة في الرابعة عصرا ، ثم قناة دليل في الخامسة والنصف عصرا، وعلى قناة فور شباب وقناة ليبيا الوطنية في الخامسة إلا ربع عصرا، وعلى قناة تلفزيون قطر في الرابعة فجرا "، ويقوم بتقديم الحلقات الكاتب والإعلامي الكويتي علي السند يناقش فيها الشيخ في مختلف القضايا.

ويخصص الدكتور العودة ساعة يوميًّا للتفاعل مع متابعيه حول الحلقة وموضوعات أخرى، من الساعة 11:30 وحتى 12:30 ليلًا بتوقيت مكة ، وذلك  من خلال حسابه على"تويتر" @salman_alodah .


: الأوسمة



التالي
القره داغي عن الهُويّة السياسيّة عندَ الإمام حَسَن البنّا: هوية إسلامية نقية صافية واضحة مرجعيتها الكتاب والسنة
السابق
ياقوت لموقعنا: صدور كتاب "هذا تأويل رؤياي"

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع