البحث

التفاصيل

يا علماء السلطة في اليمن وسوريا... كفى تدليسا وتسويغا للطغيان (صلاح سلطان)

الرابط المختصر :

أحسب أن بلاء الأمة في علمائها أفدح من بلائها في أمرائها، وأن بقاء أنظمة طاغية مستبدة عمرا مديدا وزمنا طويلا مرهون بالشياطين الساكتين عن الحق ممن يسمون زورا وبهتانا علماء، والله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(البقرة: 159-160)، فتوبة هؤلاء الملعونين بكتمان الحق الأبلج ومقامة الباطل اللجلج مرهون ليس بالتوبة بالجنان دون البيان باللسان، وقد هالني أن يكون هناك من يتسمون ب"جمعية علماء اليمن"، ويصدرون بيانا أن لا يجوز الخروج على نظام "علي عبد الله فاسد" وعائلته وزبانيته الذين حكموا اليمن قهرا 33 عاما دون أن يخجل هؤلاء ليس من الله تعالى، بل من أنفسهم أنهم صاروا وسيلة يطأ بها هذا الفاسد لا الصالح شعبه اليمني الحر الأبي الذي أقدّر فيه مروءته النادرة وقدرته العالية على كظم الغيظ والالتزام بسلمية الدولة مع أنه أول شعب مسلح في الوطن العربي كله حتى إن بعض القبائل عندها دبابات، والسلاح يباع من زمان في " السوبر ماركت "، وأمام هذا الزيف الردئ أكتب إعذارا إلى الله، ولعدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة فأقول:


1.               لا يجوز لعالم أن يفتي إلا وفق منهجية الخشية من الله وحده كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب:39)، ولا أن يكتب كلمة إلا ارتعشت يده قبل أن يكتبها خوفا من لقاء الله لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (المؤمنون:60)، وكما قال الشاعر:


ولا تكتب بخطك غير شيء      يسرك في القيامة أن تراه


2.               ما كنت أتصور أن يغفل علماء السلطة "جمعية علماء اليمن" أو سوريا أو ليبيا أو غيرها من الدول عن الآية التي حفظوها وصلوا بها مرارا، قول تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} (هود:113)، وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل من رجل يخيط أثوابا للظلمة: هل أنا من أعوان الظلمة فقال الإمام المجاهد أحمد بن حنبل: "معاذ الله أن تكون من أعوان الظلمة، بل أنت من الظلمة أنفسهم"، فكيف إذا كنتم يا علماء اليمن وسوريا وغيرهاـ تخيطون فتاوى مرقعة من فهمٍ بُني على منهجية الاجتهاد التسويغي لا الإصلاحي، ومنهجية "تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ"، ومنهجية "سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ".


3.               إنني أحملكم مسؤولية هذه الدماء الذكية، والأعراض الطاهرة التي انتهكها ومزقها وقتلها النظام اليمني والسوري والليبي والتونسي والمصري وغيرها من الدول، وهذه الطفولة النقية، وهذه الرجولة الفتية التي اغتصبت .


4.               أما استدلالكم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء:59)، فاستدلالكم مردود من نواحٍ شتى:


1- أن الله تعالى أورد كلمة "منكم" في الآية أي: باختياركم ورغبتكم، فهل اختار الشعب اليمني ثلاثا وثلاثين عاما علي عبد الله فاسد؟! وهل اختار الشعب السوري نظام الأسد وابنه خمسين عاما؟ وهل اختار الشعب الليبي القذافي اثنين وأربعين عاما؟ وهل اختار الشعب المصري حسني مبارك ثلاثين عاما؟، وهل اختار الشعب التونسي علي زين العابدين ثلاثأ وعشرين عاما؟، وهل اختار الشعب العربي في أي دولة حاكمه؟ ليكونوا مثل شعوب الأرض. إن هذا من الحقوق وليس من الطموحات أن يختار كل شعب حاكمه فأين أنتم من ذلك أيها العلماء؟.


2- أليس من الشروط المبدئية للحاكم أن يكون ذا علم وبصيرة وإدارة ومهارة، وأمثال علي عبد الله فاسد ، وهو في كلامه وخطابه يبين أنه أجهل من دابة، قال الإمام الماوردي في الصفحة الأولى في كتابه "الأحكام السلطانية": والخلافة - أي قيادة أية دولة إسلامية - هي نيابة عن النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا،  وذكر قول  الشاعر:


 لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم  ****   ولا سِراة لهم إذا جهالهم سادوا


وأزمتنا في عالمنا العربي أن حكامنا من هذا الصنف الجاهل الأحمق، وقديما قالوا: "عدو عالم خير من صديق جاهل" فكيف إذا كان الصديق جاهلا؟!!! وقد كتب الدكتور علي جريشه رحمه الله كتابه: "عندما يحكم الغباء"، وأشهد أن تاريخ الأمة لم يشهد قادة في هذا المستوى من الغباء لهذا الفريق من الحكام العرب.


3- إن هؤلاء العلماء لم يكملوا الآية التي استدلوا بها إلى آخرها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء:59)، فهذا التنازع القديم المتجدد الذي سارت به الدماء أنهارا، وتعددت الجراح ألوانا، وتخلف البلد دهورا، ألا يستدعي أن يحتكم هؤلاء الحكام إلى هذا التحكيم الشرعي؟، لعلكم في فتواكم هذه قد صرتم مثل هذا السكِّير الذي سئل: لماذا لا تترك الخمارات وتأتي معنا إلى المساجد؟! فأنشد يقول: 


دعِ المساجد للعبّاد تسكـنها             وطف بنا حولَ خمّارٍ ليسـقينا
ما قالَ ربّك ويلٌ للألى سكروا            بل قالَ ربّك ويـلٌ للمصلينا


فهل سكرتم يا علماء اليمن وسوريا وغيرها بذهب علي عبد الله فاسد وجزار الأسد؟!، {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} (الزخرف: من الآية19). 


4- إنه لم يتم سلخ جزء من الآية من بقيتها؟ بل سلخت من بقية نصوص القرآن والسنة الكثيرة الوفيرة التي تدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، وأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأن الأمة لو هابت أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودّع منها، وأن فرعون لن يدخل النار وحده بل كل أعوانه مثل هامان وجنوده، وقد صرتم بهذه الفتوى ليس من جنوده بل من الصفوف الأولى لأعوانه، فكيف ستلقون الله؟  أتحبون أن تحشروا مع علي عبد الله صالح ومع جزار الأسد؟. أم مع الشيخ الزنداني والشيخ عبد الوهاب الديلمي والعلماء الأبرار الأخيار الكثر في اليمن؟. أو الشيخ كريم راجح وأمثاله من خيرة علماء سوريا 


إنني أنذركم بالوحي الرباني أن تتوبوا قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله، {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُون} (الدخان:41).


5.   إنني أسميكم هيئة "علماء السلطة" لا علماء اليمن أو سوريا أو غيرها، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "الحكمة يمانية والإيمان يماني"، وقد فاتتكم الحكمة؛ إذ ظل بعض العلماء في مصر حتى يوم تنحي الرئيس يقولون مثل ما قلتم، ويسوّغون مثل ما سوّغتم، وصاروا مكروهين منبوذين، وإن بقي بعضهم في السلطة كبقايا النظام البائد، وتلحقهم لعنات الشعب المصري إلى الآن، فمالكم كيف تحكمون، وما لكم لا تعتبرون؟ إنكم تتعلقون بخيط العنكبوت، ولكنه كما قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(العنكبوت:41).


6.   هل يخفي على هؤلاء العلماء حجم الدماء التي أراقها علي عبد الله، وحجم الأموال التي نهبها، وحجم الإفساد الذي نشره، وحجم التخلف الحضاري الذي تبناه، وحجم التراجع الاقتصادي الذي نتج عن دكتاريته، وهذه المفاسد كلها لا ترقي إلى وجوب خلعه؟ اتقوا الله مرة يامن تنتسبون إلى القرآن والسنة كما قال سيدنا أبو حذيف اليماني: يا أهل القرآن: زينوا القرآن بأعمالكم.


7.   إنما أعظكم  أن تتفكروا: هل دعاكم عبد الله فاسد لتشيروا عليه من قبل في قراراته الجوهرية حتى يستبين أحكام الشرع ولا يتجاوزها؟ الواقع أن هذه الدعوة منه لإسناد ديني لفساده المالى واستبداده السياسي، فبدلا من أن يحكم الدين على السياسة، استخدم الدين على أيديكم في تبرير وتسويغ جرائم الساسة، وتثبيت عروش أصحاب الخساسة، لكن زمان عبد الله فاسد ولى ولن يعود، وإنما هي مسألة وقت.


: الأوسمة



التالي
جريمة شهادة الزور وعقوباتها في الفقه الإسلامي (عبد المنعم التمسماني)
السابق
كهنوت "دار القرآن" يهرف بما لا يعرف في الانتخابات (محمد رفيع)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع