البحث

التفاصيل

متى نصر الله ؟

الرابط المختصر :

فى خضم أحداث الثورة ومع طول الطريق ، وفى ظل غطرسة العسكر ، وعربدة الشرطة ، وتطاول البلطجية ، وانتفاش الباطل ، وارتقاء الشهداء ، وتتابع الجرحى وتعاقب المعتقلين ، واسوداد الرؤيا ، واستبطاء النصر، وضيق الصدر ونفاد الصبر وهواجس النفس وحديث العقل وخواطر القلب .. فى خضم هذا كله تتردد كثيرا على الألسنة أسئلة من الكبير والصغير والعالم والجاهل والمتدين وغير المتدين .. متى نصر الله ؟ وهل لهذا الليل من فجر ؟ وهل لهذا الظلم من نهاية ؟ وهل لهذا الانقلاب من سقوط ؟ وهل لهذا الطريق من آخر ؟ وهل سيستطيع الثوار التغلب على قوات الانقلاب ودحر هذه الحشود الأمنية وكسر هذه الآلة الإجرامية التى يتترس الانقلابيون بها ؟


نعم تتوق نفس كل حر لرؤية النصر ومشاهدة مصارع الظالمين ونهاية المنقلبين الغادرين ليتحقق موعود الله تعالى " ويشف صدور قوم مؤمنين " التوبة 14.


ولكن لنوضح الأمر أكثر:


على المستوى الفردى قد لا أدرك النصر بمفهوم الغلبة على العدو والانتصار من الظالم المستبد، ولكنى أدرك النصر بمفهوم الفوز والرضوان من الله حتما متى استقامت نيتى وصح مقصدى وصدق توجهى وخلص عزمى على طريق الحق ومقارعة الباطل وأهله وإسقاط الانقلاب وحزبه ، فمن استشهد أو جرح أو اعتقل أو أصيب بأذى  فى الطريق فقد وقع أجره على الله." وما كان الله ليضيع إيمانكم " البقرة 143.  وهناك من مات من الصحابة فى مكة قبل الهجرة على طريق الحق والدعوة ، ومنهم من مات قبل إقامة الدولة ، ومنهم من مات قبل الانتصار فى غزوة بدر الكبرى ، ومنهم من مات قبل إدراك الفتح الأكبر فتح مكة ، وكلٌ قد وقع أجره على الله ، وليست الغاية أن نصل إلى نهاية الطريق ولكن الغاية أن نموت ونحن على الطريق ، إننا ستار للقدرة ونأخذ على ذلك الأجرة ، وعلينا العمل وليس لنا من النتائج من شىء .


ونصر الله قريب في حق كل من لحقته شدة وسيظفر بزوالها ، إذ كل من كان في بلاء فإنه لا بد له من أحد أمرين: إما أن يتخلص عنه، وإما أن يموت ، وإذا مات فقد وصل إلى من لا يهمل أمره ولا يضيع حقه، وذلك من أعظم النصر، وإنما جعل النصر قريبا لأن الموت قريب كما يقول الفخر الرازى فى مفاتيخ الغيب.

 

أما على المستوى الجماعى فحتما سندرك النصر بمفهوم الغلبة على الظالمين تصديقا للآيات المبشرات من القرآن " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " القصص 5 . " فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " الأنعام 45 . "ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون " الأنبياء 105 .


أمارات النصر
وفى القرآن الكريم أمارات للمؤمنين إذا حلت بهم تعلمهم  بقرب نزول النصر ، يقول تعالى : " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب " البقرة 214 .


ومعنى الآية كما ذكر الفخر الرازى :أم حسبتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة بمجرد الإيمان بي وتصديق رسولي، دون أن تعبدوا الله بكل ما تعبدكم به، وابتلاكم بالصبر عليه، وأن ينالكم من الأذى ، ومن احتمال الفقر والفاقة، ومكابدة الضر والبؤس في المعيشة، ومقاساة الأهوال في مجاهدة العدو، كما كان كذلك من قبلكم من المؤمنين .


والبأساء عبارة عن تضييق جهات الخير والمنفعة على المؤمن، والضراء عبارة عن انفتاح جهات الشر والآفة والألم عليه.  وأما قوله تعالى: "وزلزلوا " أي حركوا بأنواع البلايا والرزايا ، ثم إنه تعالى بعد ذكر هذه الأشياء ذكر شيئا آخر وهو النهاية في الدلالة على كمال الضر والبؤس والمحنة، فقال: " حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله " وذلك لأن الرسل عليهم السلام يكونون في غاية الثبات والصبر وضبط النفس عند نزول البلاء، فإذا لم يبق لهم صبر حتى ضجوا، كان ذلك هو الغاية القصوى في الشدة، فلما بلغت بهم الشدة إلى هذه الدرجة العظيمة قيل لهم: " ألا إن نصر الله قريب " إجابة لهم إلى طلبهم. فإن نصر الله قريب، لأنه آت، وكل ما هو آت قريب .


والرسول صلى الله عليه وسلم وهو القاطع بصحة وعد الله تعالى ووعيده يسأل " متى نصر الله " ؟ ولا يمنع كونه رسولا من أن يتأذى من كيد الأعداء، كما قال تعالى:" ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون " الحجر97 ،وقال تعالى: " لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين " الشعراء 3، وعلى هذا فإذا ضاق قلبه وقلت حيلته، وكان قد سمع من الله تعالى أنه ينصره إلا أنه ما عين له الوقت في ذلك، قال عند ضيق قلبه: " متى نصر الله " ؟ حتى إنه إن علم قرب الوقت زال همه وغمه وطاب قلبه.


وهذه جميعا أمارات قرب نزول النصر وهى حادثة فى حالتنا المصرية... وأية زلزلة أكبر من تسلط رجال الشرطة والجيش والبلطجية بالباطل بأسلحتهم المدججة على المتظاهرين السلميين يقتلونهم ويستحلون دماءهم وأعراضهم وأموالهم؟ وأية بأساء أعظم من تغييب البرآء فى المعتقلات وتلفيق التهم والرمى بالباطل والزور والبهتان ؟ وأية ضراء أوسع من مصادرة الأموال وقطع الأرزاق وحظر التصرف فى الملكيات الخاصة بدون حق ؟ وأى تضييق أفظع من ترويع الآمنين من الأطفال والنساء والعجائز، وانتهاك حرمات البيوت ؟


وقد وصف القرآن الكريم حالة المؤمنين فى غزوة الخندق حيث اجتمعت عليهم الأحزاب "إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا . هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ". الأحزاب 10 : 11


كل ذلك وغيره من صنوف الابتلاء يؤذن بقرب الفرج والنصر وهو حادث فى واقعنا المصرى ، وما ساعة النصر منا ببعيدة إن شاء الله" ألا إن نصرالله قريب ".


وعلى مأدبة القرآن يجب أن يتعلم ويتربى المؤمنون ، فكل من أصابه الإحباط أو استبطأ النصر أو أحاطت به الهموم ولحقته المشقة جراء استعلاء الباطل واستقواء الظالم أن يوقن بأن "نصر الله قريب " ، وأن يذكره أخوه بالفرج ويدفع الإحباط عنه بالأمل ، ويقاوم الضعف البشرى بالاتصال بالقاهر فوق عباده ، ويطرد الضيق بالتعلق بفرج الله القريب ، ويذكر بعضنا بعضا بعاجل نصر الله تعالى ، ويأخذ كل منا بيد أخيه إلى باب التفاؤل والأمل والثقة بوعد الله تعالى : "قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون" القصص  35 .


وقد أورد المفسرون الطبرى والرازى والواحدى وغيرهم فى سبب نزول آية " أم حسبتم " السابقة  ما يلى :


قال ابن عباس: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، اشتد الضرر عليهم، لأنهم خرجوا بلا مال، وتركوا ديارهم وأموالهم في أيدي المشركين، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى تطييبا لقلوبهم "أم حسبتم" .


وقال قتادة والسدي: نزلت في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والحزن، وكان كما قال سبحانه وتعالى: "وبلغت القلوب الحناجر" الأحزاب: 10 .


وقيل: نزلت في حرب أحد لما قال عبد الله بن أبي لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: إلى متى تقتلون أنفسكم وترجون الباطل ولو كان محمد نبيا لما سلط الله عليكم الأسر والقتل، فأنزل الله تعالى هذه الآية.


إذن هى وصية الأولين من المنافقين للمنافقين فى كل حين ..تثبيط وتهكم وتعالم وسخرية يتواصى بها المرجفون جيلا بعد جيل : علام تقتلون أنفسكم ؟ هل تظنون أنكم ستنتصرون على قوة الجيش والشرطة والبلطجية ؟ هل أنتم واهمون أم أنكم فى سكرة وغيبة عن الوعى ؟ هل أنتم تحلمون فى المنام ؟ إن العودة إلى ما قبل 3 يوليو مستحيلة فلا تضيعوا أوقاتكم ولا تقتلوا شبابكم واقبلوا الأمر الواقع ؟ ويظهرون فى صورة الناصح الأمين ، وهم يستبطنون الضعف والهوان ، ويثبطون فى عزائم الثائرين ، فهم كما وصفهم القرآن " لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا" وأصل الخبال هو الفساد ، فلو جلستم معهم مازادوكم إلا خبالا ، ولو ناقشتموهم ما زادوكم إلا خبالا ، ولو ركنتم إلى أراجيفهم ما زادوكم إلا خبالا .


 ويبقى أن نذكر بأن من ينصر الله - دينه ورسوله – فهو منصور حتما ، هذا وعد السماء " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامك" محمد 7 ، "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون " يوسف 21 .


: الأوسمة



التالي
يا وزير الثقافة والإعلام اتق غضب العَلاّم
السابق
سلمان العودة.. من منبر مسجد صغير إلى المظاهرات فالسجون ثم الشاشات

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع